بين غزة والفلوجة كثير من التشابه. الأولى يريد الاسرائيليون الانسحاب منها، لكن بعد تكسيرها وقتل أكبر عدد من الناشطين فيها ضد الاحتلال، وبعد ضمان انضباطها وانعدام المقاومة فيها بل ضمان عدم انبعاثها لاحقاً. اما الفلوجة فيريد الأميركيون اقتحامها واحتلالها واخضاعها، بعدما أصبحت معقلاً لمقاومة الاحتلال ول"المقاومة الفالتة"التي يشار اليها بالارهاب، وبالتالي وضعها تحت سلطة الحكومة العراقية الموقتة بعد ضمان انعدام المقاومة فيها بل ضمان عدم انبعاثها لاحقاً، ولأجل ذلك أصبح واضحاً ان الخيار الوحيد المتاح هو تدمير هذه المدينة وقتل أكبر عدد من أهلها ومن"الأجانب"العرب الذين جاؤوا اليها للمشاركة في المقاومة بكل أشكالها. في غمرة التحضير لاقرار"خطة الفصل"في الكنيست، تبين ان المهم بالنسبة الى ارييل شارون ليس مرور الخطة بالتصويت، لأنه كان مضموناً بفضل المعارضة لا بفضل الائتلاف الحكومي، وانما كان الأهم هو"اليوم التالي". فالمتاعب تبدأ بعد التصويت، وهي بدأت فعلاً، داخل الائتلاف كما داخل حزب ليكود. وقد يضطر شارون للدعوة الى انتخابات مبكرة، بغية إعادة خلط الأوراق. وقد يحسم أمره بالتعرض للرئيس الفلسطيني آملاً في استقطاب المتطرفين الذين دخل معهم في مواجهة بعدما كان طوال حياته رمزهم ونصيرهم الأول. والغريب ان هذه المواجهة لم تقنع أحداً داخل اسرائيل أو خارجها بأن شارون تحول فجأة الى"حمامة سلام". فما لم يقله عن دوافع خطته وخلفياتها تبرع به كبير مستشاريه. هذه خطة هدفها التخلص من عبء قطاع غزة للتمسك بأكبر مساحة تسرق علناً من الضفة الغربية، وبدعم اميركي، بالاضافة الى التخلص من مجموعة أخرى من الأعباء أهمها حق العودة واحتمال"الدولة الفلسطينية". الأغرب ان كل المرامي التخريبية للخطة واضحة، إلا أن أحداً ممن يصفون أنفسهم بأنهم معنيون بالأمر في أوروبا والولايات المتحدة فضلاً عن العرب لا يريد الاعتراف بأنها خطة تنسف"خريطة الطريق"عملياً. ولأن هذه الخريطة باتت"ورقة توت"تغطي عورة الغافلين أو المتعامين، فقد تبرع شارون أخيراً لمساعدتهم ببضعة تصريحات يؤكد فيها ان"الخريطة"لم تمت، ولم يقل ان خطته تتجاهلها كلياً، كما لم يقل انه لن يقتل تلك"الخريطة". في أي حال، ومهما حاول شارون وعصابته، لا شيء يضمن انعدام المقاومة كما يتمنون، خصوصاً ان"الخطة"لا تعني بداية الطلاق الاسرائيلي مع عقلية الاحتلال وممارساته، ثم انها تراهن على انفصال بين القطاع والضفة كما لو أن الأمر يتعلق بشعبين مختلفين ومتنافرين. مفاجأة"اليوم التالي"للانسحاب من غزة لا بد أن تكون استمرار المقاومة طالما ان الضفة محتلة وسيزداد الضغط عليها. ومثل هذه المفاجأة غير مستبعد في العراق، اذا استمر العمل للاجتياح المعلن للفلوجة. الفارق هنا ان الجهة المعنية، وهي الحكومة العراقية، ليست قوة احتلال، وحتى لو كانت لها مصلحة في انهاء"التمرد"الفلوجي، إلا أن افلات القوة الأميركية المفرطة على المدينة قد يبدد هذه المصلحة. فحيثما تصرف الاميركيون بدافع الثأر والانتقام فاقموا المشاكل ولم يحلوها. وبات معروفاً الآن ان ممارسات قوة الاحتلال كان لها الدور الأكبر في بلورة المقاومة واستفزازها. تبدو معركة الفلوجة كأنها معركة بغداد المؤجلة سنة ونصف سنة بعد سقوط العاصمة. سبق للفلوجة ان كلفت الاميركيين خسائر بشرية لذا فإنهم يعدّون لمعركة بلا خسائر، ما يعني انهم سيدفعون بقوات عراقية وكردية على الأرض وسيعتمدون أساساً على قصف شديد متواصل لضمان دخول الى مدينة ميتة. هذا هو الأسلوب الذي بات تقليدياً منذ حرب الخليج الثانية مروراً بحرب كوسوفو. طبعاً سيكون ثمن السيطرة على الفلوجة ثقيلاً، لا يتوقف الاميركيون عنده، اما الحكومة العراقية فهي في منأى عن المحاسبة. كيف ستتعامل مع"اليوم التالي"وما يحمله من مفاجآت، وهل تتجه الى مدينة أخرى للموافقة على تدميرها إذا ظهرت المقاومة فيها؟ كل ذلك ممكن من أجل السيطرة لكن من/ وكيف يعيد وصل الاشلاء بعد تناثرها على هذا النحو، العراقيون لا الأميركيون معنيون بهذه المسؤولية وعليهم ألا يفوتوا أي فرصة لتجنب الحل العسكري المزمع.