كل الأنظار في اتجاه خطة الانسحاب من غزة وتطبيق مشروع الفصل الاسرائيلي، ويتعاطى بعضهم مع هذه الخطة وكأنها بداية النهاية للمأساة الفلسطينية وبداية الحل وقيام الدولة الفلسطينية. أية نهاية؟؟ أي حل ؟؟ واية دولة؟؟ وأي سلام؟؟. رئيس الحكومة الاسرائيلية يقول: «إن خطة الفصل هي جزء من غزة مقابل الضفة» وأن «التوراة أقوى من أي خريطة سياسية ويهودا والسامرة «الضفة الغربية» هي مهد اليهودية»!! وبالتأكيد القدس هي العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل!! منذ مدة كتبت مقالاً تحت عنوان: «غزة أولا غزة أخيراً» وها نحن الآن نرى تطبيقاً لهذا الشعار . فشارون يقول للفلسطينيين وبالتالي للعرب والمسلمين والعالم: «لا تفكروا بالقدس. ولا تفكروا بالضفة فغزة هي البديل عنها، ولا تفكروا بخارطة طريق أو بأي مشروع أو خطة فالتوراة هي الأساس». ماذا يعني ذلك؟؟ هل يعني أننا في الطريق نحو السلام؟؟ هي يعني أن الصراع هو مع الاسرائيليين ومع المتطرفين منهم كما يقول البعض أم أن شارون يريده صراعاً مع اليهود وصراعاً عقائدياً مع اليهودية وبالتالي هي حرب أديان مع ما يعنيه ذلك من صراع دموي مفتوح لأنه صراع وجود؟؟ وأين السلام والأمن والاستقرار عندما يسقط شارون كل الاتفاقيات والمعاهدات والخطط والخرائط والمبادرات والمحاولات والمساعي لحل يؤكد حق الشعب الفلسطيني في إقامته دولته المستقلة على أرضه ويكرس حق عودة اللاجئين من الشتات؟؟ وأمام هذه الذهنية وهذا النمط من التفكير الذي يترجمه شارون عملياً وواقعاً على الأرض مجازر وعمليات قتل جماعي وتهجير واحتلال لمزيد من الأراضي، كيف يمكن تحقيق السلام؟؟ وما هي الثقافة التي يسميها شارون ثقافة سلام ويريد تعميمها على المنطقة؟؟ وعلى ما يراهن بعض الفلسطينيين ومعظم العرب في مثل هذه الحالة؟؟ ماذا ينتظرون؟؟ لقد جاءت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الى المنطقة والتقت آرييل شارون ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وتحدثت عن أن المنطقة تواجه لحظات حرجة. استقبلها شارون بالتصريحات المذكورة والتهديدات بشن حرب شاملة على غزة، وصرح «الرئيس» عباس بعد لقائه بها: «إن لا معلومات لدينا عن مصير غزة بعد الانسحاب الاسرائيلي. لا معلومات عن علاقة غزة بالضفة، كيف سيتم ربط المنطقتين.» بعد كل اللقاءات والاجتماعات والمباحثات رئيس السلطة لا يملك أجوبة فمن يملكها إذاً؟؟ وهل نلوم اليائسين والبائسين والقلقين والمدركين فعلياً ان لا امكانية للسلام مع اسرائيل؟؟ واذا كانت رايس لا تعطي أجوبة وضمانات، وإذا كانت السلطة لا تملك شيئاً يطمئن، وإذا كان شارون يعلن أمامهما وأمام الرأي العام العالمي ما أعلنه، فكيف يمكن طمأنة الفلسطينيين، وكيف يمكن التطلع الى السلام؟؟ ماذا يزرعون في نفوس الفلسطينيين، وماذا يقولون للعرب والمسلمين؟؟ ألا تنتج هذه المواقف مزيداً من الرفض والمعاندة والشعور بالحاجة الى المقاومة كخيار وحيد للمواجهة والدفاع عن الذات؟؟ وهل في مثل هذه الحالة يمكن اعتبار المقاومة إرهاباً؟؟ الأسئلة كثيرة ولا أجوبة لدى اصحاب القرار الدولي. لكن الوقائع على الأرض تدفع بالفلسطينيين الى أصعب الخيارات وأمرها. فلا يظنن أحد أن هذا الشعب الذي يناضل منذ ستة عقود تقريباً يهوى الموت والتشرد وأنه لا يتطلع الى حياة هادئة والى مستقبل مستقر والى بناء مجتمع متماسك والى توفير مقومات حياة واستمرار وإنتاجية وتطوير وعصرنة لأجياله، وهو شعب يتمتع بدينامية وثقافة ومستوى علمي ممتاز وانتشار في كل العالم لطاقاته الخلاقة المبدعة، هذه صورة حقيقية عن الشعب الفلسطيني، وبغض النظر عن ممارسات بعض القيادات والمسؤولين والخيارات والقرارات والتوجهات التي قد توافق عليها أو ترفضها، فتاريخ هذا الشعب لا يختصر بأخطاء هؤلاء، والغريب في ما جرى الأسبوع الماضي وفي الأيام القليلة الماضية هو أن رايس وبالرغم من مواقف شارون المذكورة، دعت وبعد الانسحاب من غزة الى تطبيع عربي مع اسرائيل، والى مكافأة اسرائيل بعقد اجتماع عربي خليجي اسرائيلي وكأن الانسحاب من غزة وفصلها الكامل عن الضفة واعتبار اسرائيل أنها قدمت ما هو مطلوب منها للسلام يستحق فعلاً مثل هذه الخطوة العربية الجماعية نحوها!! إن المواقف الاسرائيلية الأخيرة وما رافقها من ممارسات تشكل مقتلاً للسلام وبالتالي لا يمكن اعتبارها مدخلاً الى لقاء ولا أقول مدخلاً الى حل!! والعرب الذين تمسكوا بمقررات قمة بيروت ومبادرة السلام العربية أين هم من كل ما يجري ويطرح؟؟ وهل يقبلون اليوم التطبيع مقابل هذه الخطوة القاتلة وهم الذين قالوا يومها إن المبادرة هي الحد الأقصى الذي يمكن بلوغه وبالتالي. إما أن تأخذها اسرائيل بالكامل أو ترفضها بالكامل وعلى هذا الأساس تتحدد الخطوات المقبلة؟؟ قد يقول قائل: لقد تغيرت وقائع كثيرة منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا. أبو عمار لم يعد موجوداً. والعراق لم يعد موجوداً ولا أقول صدام حسين لم يعد موجوداً!! والمشاكل كثيرة والخلافات كبيرة، وسوريا انسحبت من لبنان وهي تتعرض لضغوطات، ولبنان بات أضعف، كل هذا صحيح، لكن في حقيقة الأمر وأمام السياسة الاسرائيلية الحالية والسياسة الأميركية الداعمة لها ما يدفع الى مزيد من التمسك بقراءة هادئة موضوعية علمية والى مزيد من رفض السياسة الاسرائيلية والتمسك بالمبادرة العربية فأميركا في مأزق في العراق وبريطانيا في مأزق في لندن وفي العراق أو بسبب العراق، ولسنا وحدنا في مأزق!! ولا يجوز أن تكون اسرائيل خارج المأزق وصاحبة المبادرة الوحيدة وصاحبة الفعل المقرر والحاكم. وهي ليست كذلك، ولو كانت كذلك لما كانت تفعل ما تفعله اليوم وتواجه ما تواجهه من تحديات في وجه الفلسطينيين!! بالإضافة الى ذلك ينبغي التذكير أن رايس التي دعت كل العرب الى الاجتماع باسرائيل، أطلق أمامها شارون رفضاً لعقد اجتماع ثلاثي معها ومع محمود عباس!! اسرائيل ترفض اللقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية وبحضور رايس، فكيف يجتمع كل العرب معها؟؟ لا لمكافأة شارون!!.