لا يمكن عزل التظاهرات الأخيرة لحركة الاستفتاء في كردستان عن شعور لدى الأكراد بأن سيناريوات التدخل في شؤونهم تنسج في بلدان اقليمية، لا سيما تركيا التي تثير مسألة كركوك مع كل زائر دولي وفي كل جولة يقوم بها أحد مسؤوليها، مع ما يحمل ذلك من دلالات الأمر الذي دفع زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الى اعلان موقف واضح وصريح استحضر فيه التاريخ، مذكراً "ان والدي ضحى بنفسه وثورته عام 1974 من اجل كركوك واذا اجبرنا على القتال وخسرنا كل ما انجزناه فلن نساوم على هوية كركوك، قلب كردستان". وهي رسالة أراد توجيهها الى كل الأطراف، الكردية والعراقية والتركية والدولية. فحوى الرسالة للأكراد كانت اعادة تأكيد موقف حزبه من الجغرافية الكردية بأنها "كركوك جزء لا يتجزأ من كردستان"، بعدما بات الشعور يتعاظم في الأوساط الشعبية الكردية بأن كردية كركوك باتت خارج تفكير القيادات الكردية، كما حدث بالنسبة الى الموصل. كما توجه بارزاني برسالته الى بعض الجماعات العراقية التي لا تزال تعمل بسياسة التعريب وترهيب المواطنين الاكراد، خصوصاً في بعض الاحياء من الموصل ومدينة خانقين وكركوك. كما استهدف برسالته واشنطن التي من الواضح انها تعتبر كركوك عراقية لا كردية. وعلى رغم المواقف الايجابية لعدد من المسؤولين العراقيين من مسألة الفيديرالية، واعلان الرئيس غازي الياور رفض التدخل في شؤون العراق الداخلية وتأكيده ان "كردستان شأن داخلي" والتشديد على ضرورة عودة الوضع في كركوك الى ما كان عليه قبل 1968، الا ان الوقائع على الارض لا تناسب النظريات. فمن يعرف وضع المهجرين الاكراد يعرف ان كل الكلمات لا تجدي نفعاً امام البؤس الذي يعيشه المهجرون القاطنون في الملاعب الرياضية وفي معسكرات الجيش العراقي السابق وسط اهمال تام لأحوالهم. على أي حال، يبدو ان الأكراد اتقنوا هذه المرة لعبة المعارضة السلمية التي قلما نجدها في منطقتنا، فعبروا عن مطالبهم بأسلوب ينسجم مع القانون الدولي ومع الحراك الدولي نحو الديموقرطية. اذ ان النخبة الكردية تشعر اليوم بأنها امام الفرصة التاريخية لتحقيق طموحات الشعب الكردي واخذ ارادته في تقرير مصيره بالاعتبار. وهذا لا يعني المطالبة بالانفصال، اذ أن شريحة واسعة من الاكراد تعرف معنى ان تعيش في دائرة مغلقة لا يوجد فيها أي منفذ، كما تعرف ان مسألة استقلال كردستان باتت مستحيلة في ضوء الظروف الحالية، لأسباب عدة، أهمها ان أحداً من دول الجوار الاقليمي لن يرضى بذلك بل انها ستحارب للحؤول دون وصول الاكراد الى الاستقلال. كما ان الوضع العراقي الداخلي لا يتيح للأكراد المطالبة بالانفصال. اما على المستوى الدولي فلا حماسة البتة للاستقلال الكردي، على رغم تفهم مطالب الاكراد في الفيديرالية باعتبارها انموذجاً تركيبياً للدولة الحديثة المتعددة القوميات. أضف الى ذلك الوضع الداخلي. اذ ان الاكراد يواجهون مصاعب في ترتيب بيتهم الداخلي ولا تزال في كردستان حكومتان! هذه المصاعب تقف وراء شعور الاكراد بأنهم في طريقهم الى تضييع الفرصة التاريخية، اضافة الى أسباب أخرى، منها ما يجري في كركوك حيث عشرات الآلاف من الاكراد المهجرين الذين لا يزال وضعهم عالقاً على رغم ان الاحصاءات للتحضير للانتخابات شارفت على الانتهاء ما يعني حرمان المدينة من أصوات هؤلاء. كما ان بنوداً كثيرة من قانون ادارة الدولة العراقية تتعلق بالاكراد لم تنفذ على الارض. ناهيك عن فتاوى بعض رجال الدين بذبح الأكراد واضافتهم الى قائمة الأعداء، ومحاولات بعض القوميين البعثيين طرد الاكراد من بعض المدن مثل خانقين. كما يعاني اللاجئون الأكراد الامرين في مخيمات متراصة تفتقد ابسط الخدمات. وما من شك في ان التطرف يولد التطرف وان القمع وهذه الفتاوى تسهم في انشاء "ثقافة الفتنة" وقد توصل الامور الى ما لا تحمد عقباه. ويوماً بعد يوم يتبين للأكراد ان النية موجودة لطي كل الملفات الكردية العالقة بدءاً من حق العودة وانتهاء بدورهم في العراق ما بعد الانتخابات. وربما لهذا السبب بدأوا توجهاً نحو توحيد صفوفهم. * كاتب كردي.