السائر في ليل مسقط الرمضاني يدرك الى أي مدى يتغير الزمن في هذه المدينة التي توصف عادة بالهدوء، فالبشر الذين اعتادوا العودة الى منازلهم باكرا يغيرون نمط ساعتهم البيولوجية لتطابق المواعيد الرمضانية، حيث النوم لا يزور الأجفان كما اعتاد، بل يسهر مع الجالسين في مقاهي مسقط حتى الساعات الأولى من الفجر. بدأت مسقط في التعرف على المقاهي منذ سنوات قليلة، حين ترك المجال للشيشة تغزو الطاولات التي كانت تشكو الوحدة في مقاه لا تعرف الكثير من الزوار، لكنها مع صاحبة الدخان الأبيض عادت الى الواجهة ولها الأولوية في قائمة الاختيار من بين أماكن متعددة للسهر، كالألعاب الورقية التي تجد العشرات يتحلقون عليها في الحدائق وجلسات الشواطىء، وحتى دوارات الشوارع التي لن تعدم ساهرين يتقاسمون الليل الرمضاني مع مصابيحها حتى موعد السحور، وهناك من يسهر مع لعبات كرة القدم والطائرة وغيرها من الرياضات كالمشي. واللافت أن من بين أولئك من يمارس الرياضة في شهر رمضان فقط. وانتشرت المقاهي في السلطنة على نحو يعطيها مذاقا جميلا للسهر حيث تتحلق مجموعات الشباب في تواصل يومي يبدأ عادة بعد صلاة التراويح، المجموعات الرجالية تستعد للفرار من "سجن" الأسرة، فيما تواجه النساء وحيدات طائفة المسلسلات المتكاثرة عبر الفضائيات، وهو ما يراه معشر الرجال حلا رائعا يجعلهم في مأمن من رغبة "اعتقالهم" داخل جدران البيت. وتتكرر المشاهد في نهارات رمضان ولياليه، ففي بداية اليوم تزدحم شوارع مسقط بالسائرين الى مكاتبهم بأعين شبه مفتوحة تحلم بالنوم، وبعد الظهر يعود الموظفون الى منازلهم بأعين شبه مغلقة يسابقون الوقت لكسب قليل منه للخضوع لسلطان النوم قبل أن يحين موعد الافطار. وكما يصيب مواعيد العاصمة تغيير يجعلها مدينة للسهر فان التقاليد تعرف بعض الكسر حيث لا حرج من خروج النساء اللاتي ليس على جدولهن المحافظ جداً المشي والسهر، وليس مثيرا للاستغراب أن تعرف المرأة جلسات الشيشة، وتسير النساء ذرافات ووحداناً بمحاذاة الشارع البحري في مسقط، أو على الشواطىء، أو الجلوس حتى الفجر في مقاه قد لا تعرف رائحة امرأة في غيرها من الأيام. وكانت الشيشة الموازي الدائم للسهرات الرمضانية حيث سمح بها قبل سنوات للمرة الأولى في مسقط، لكنها احتلت بسرعة بقية أشهر السنة تاركة لليالي الشهر المبارك ذلك الإحساس بالطعم المختلف للسهر المفتوح على رائحة المأكولات التي تغيب عن المائدة وتقفز الى رمضان كأنها محرمة في غيره، كما هو الحال مع الرياضة قبل أن تحد الحكومة منها حيث كانت الأندية تنظم دورات رمضانية كروية يشتد الحماس فيها لدرجة تصل بعدد من الشباب الى المستشفيات أو السجون، وما قد يصاحب ذلك من شغب. وربما لا تعرف مسقط الزحام كما يحدث في غالبية مدن العالم، لكنها مع الموسم الرمضاني تشعر بالاختناق المروري، ولأن ساكنيها لم يعتدوا ذلك فانهم يرون فيه أمراً جللاً يستدعي دهشتهم، وفي النصف الثاني من شهر شعبان يتجه العمانيون من كل حدب وصوب الى المراكز التجارية المتكاثرة في مسقط للتزود لشهر رمضان، وفي خلال الشهر يجعل التزود للعيد أسواق مسقط تعج بالحركة ليلا ونهارا. ويأتي رمضان هذا العام على حافة الصيف، ويستذكر جيل مسن من العمانيين تلك السنوات التي مر عليهم فيها شهر رمضان في صيف حارق لم تكن تمنعه عنهم أجهزة التكييف كما يحدث الآن، أو مصابيح يسامرونها حتى الفجر، أو شاشات تلفاز تتنافس عليهم 24 ساعة، لكنهم يعتقدون أنها أكثر تقوى كون الاحساس بتعب الصوم وجهده أكثر قربا من حكمة فرضه.