تبدو مشاكل المنتخب الفرنسي شبيهة بما يعانيه ريال مدريد، فالنجوم كبار والمدرب مغمور... واللاعبون يبرزون مع انديتهم ويفشلون مع منتخب بلادهم، فيما يفشل المدرب في زرع روح الجماعة وعقلية "الواحد للجميع والجميع للواحد" التي عادة ما تقود الى الفوز في مباريات صعبة ومصيرية. ربما هذه "النزعة" ليست جديدة على المنتخب الفرنسي، فهذه هي "العادة" التي تعودت عليها المنتخبات الفرنسية، فيما كان الانتصاران في كأس العالم 1998 وكأس امم اوروبا 2000 "استثنائيين" بوجود لاعب استثنائي بزين الدين زيدان، مثلما كان الانتصار بكأس امم اوروبا 1984 "استثنائياً" بوجود ميشيل بلاتيني. فهل يستطيع المدرب ريمون دومينيك 52 عاماً، وهو المدرب الثالث للمنتخب الفرنسي في نحو عامين، بناء الروح المعنوية والوطنية التي زرعها قبله المدرب ايمي جاكيه، واستغلال بروز المواهب من كل الفئات في المنتخبات الفرنسية واكاديمياتها؟ الجواب غير معروف خصوصاً انه بات بعد مباريات قليلة مرشحاً للاقالة بعد عروض عادية ودون المستوى، فيما تعد المباراة امام قبرص حاسمة لمستقبل دومينيك الذي يبدو ك"ديك فرنسي يصرخ فوق مزبلة غيره". فالتعادل السلبي على ارضه امام اسرائيل في افتتاح تصفيات المجموعة، والفوز الصعب وبشق الانفس على المغمور جزر فارو 2- صفر، والتعادل السلبي المخيب اخيراً مع جمهورية ايرلندا، لاقت نقداً لاذعاً من داخل الاتحاد الفرنسي قبل المتابعين خارجه. لكن المدافعين عن دومينيك يذكرون ان المنتخب الذي عانى وفشل في نهائيات كأس العالم 2002 وفي كأس الامم الاوروبية الصيف الماضي، اصبح اكثر ضعفاً باعتزال زيدان وليليان تورام وبيكسينتي ليزارازو ومارسيل دوسايي وكلود ماكليلي، وبالتأكيد لا يلام هو على هذه القرارات، حتى انه قال مازحاً في مؤتمر صحافي قبل اللقاء ضد ايرلندا عن ان افضل خطة للعب هي: "4 - صفر - 6"، كدليل على ضعف خط وسطه، خصوصاً مع ايقاف نجمه الاول باتريك فييرا. لكن منتقدي دومينيك، الذي عين في منصبه بعد قيادته لمنتخب بلاده للشباب دون 21 عاماً، يعتبرون ان مدرباً صاحب ماض حافل وانجازات وصاحب شخصية اقوى من شخصية دومينيك كان سيقنع ربما زيدان وتورام وماكليلي بالعدول عن قرارهم بالاعتزال ويبقون مع المنتخب حتى تنجح عملية التغيير من دون اضرار بالمنتخب وبعد ثبوت اقدام الجدد من الشباب. لكن هذا لم يحدث وعلى العكس فإن الاسوأ هو حدث، اذ نجح دومينيك في خلق اجواء توتر في معسكر الفريق وأغضب عدداً من ابرز نجومه الذين يلعبون لاكبر الاندية العالمية وفي اقوى البطولات، وتحديداً في الدوريين الايطالي والانكليزي، بإصدار قوانين وقرارات كان يصدرها لافراد منتخب الشباب الذي اداره، ومنها: ارتداء الواقي للساق اجبارياً خلال التمرينات، التقليل من استخدام الهواتف النقالة بشكل كبير، ومنع استخدامها بتاتاً اثناء العلاج من اصابة، التقيد بموعد محدد لتناول الفطور مع بقية اعضاء الفريق، المشاركة في جلسات النقد الذاتي بعد المباريات للوقوف على الاخطاء. وبعد رد الفعل السلبي الذي لاقاه دومينيك من اللاعبين، لم يجد بداً لرأب الصدع سوى بالتوجه الى لندن للقاء ثلاثي ارسنال باتريك فييرا وتييري هنري وروبير بيريس ولا سيما انهم الاكثر تأثيراً في بقية زملائهم، من جهة تقبل افكار المدرب الجديدة او رفضها. وعلى رغم ان نتائج الاجتماع لم تظهر اجابياتها على ارض الملعب، فان خطط اللعب التي ينتهجها دومينيك لم تساعد ايضاً في تحقيق نتائج ايجابية، فهو اعتمد في غالبية مبارياته الاربع وسائل دفاعية، كطريقتي لعب 3-5-2 و5-3-2، حيث حدت من خطورة هنري وبيريس. والاسوأ ايضاً انه انتقد اداء لاعبيه علناً، فاعتبر ان "اذا لعب بيريس جيداً فانه يعطي انطباعاً ان بامكانه فعل كل شيء، لكن عندما يكون اداؤه سيئاً فانه يبدو انه عاجز عن فعل اي شيء". فما كان من بيريس الا ان يرد بانه لم يفهم ما يريده المدرب منه بسبب خطط لعبه المبهمة. فيما هدد دومينيك باستبعاد هنري من المشاركة اساسياً بقوله: "هنري لم يلعب جيداً وعلي ان ادرس الامر عن كثب فهو يخوض فترة حرجة وسيئة في مسيرته ولديه بعض المشاكل في رأسه ما يقوده الى الاخفاق وفقدان التركيز في لعبه وهذه مشكلة سأسعى الى حلها لان همي الحقيقي هو ايجاد مهاجم يسجل الاهداف". علماً بأن هنري لم يسجل سوى هدف واحد في المباريات الدولية العشر الاخيرة، وربما تعيد فتح ملف مدى تأثير مدربه في ارسنال آرسين فينغر عليه وعلى ادائه، ففي حين انه برز في بداية مسيرته مع موناكو حيث كان يدربه فينغر، فانه قدم عروضاً عادية مع منتخب بلاده في مونديال 1998 وفشل مع يوفنتوس، لكنه تألق مجدداً مع ارسنال تحت قيادة فينغر وبات مرشحاً ليكون الافضل في العالم، لكنه كان لاعباً مختلفاً واخفق في مونديال 2002 وكأس امم اوروبا الصيف الماضي. لكن عودة الى دومينيك، فان البعض يعتبر ترقيته لادارة المنتخب الاول من الشباب جاء باكراً، وكان من الافضل انتظار اللاعبين الشباب الذين دربهم الى ان ينضجوا، كألو ديارا 20 عاماً الذي يلقبونه ب"فييرا الجديد"، ولاعب بوردو ريو انتونيو مافوبا 20 عاماً الذي لعب اولى مبارياته ضد ايرلندا، وبعدها يقود المنتخب الاول بوجودهم. لكن السؤال الاهم هل يستقيل دومينيك من تلقاء نفسه، ومتى؟ يجاوب رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم كلود سيمونيه بانه سينتظر حتى كانون الاول ديسمبر المقبل على الاقل، لكن مسؤولين سابقين في المنتخب الفرنسي يأملون اقالة سريعة حتى يتسنى لنجم المنتخب السابق لوران بلان قيادة المنتخب، خصوصاً انه كان الخيار الاول لخلافة المدرب السابق جاك سانتيني.