يمكن ان تكون ذرائع البرامج النووية، او تسويق مفاهيم التجارة الحرة والاقتصاد الحر، او محاربة الإرهاب الدولي وتمرير المقاصد السياسية من خلال ضرورة استتباب الأمن الإقليمي والدولي، والسيطرة كلياً على اسواق الأسلحة وإشاعة سياسة انتشار القواعد العسكرية والتحالفات مع الدول الصغيرة التي تحتاج انظمتها الى حماية الدول الكبيرة تلك الأسباب يمكن ان تتداخل معها الأسباب الحقيقية في التطبيق الأميركي لمفهوم العدالة الدولي. وضمن مفهوم العدالة يتم إخضاع سياسات بلدان عدة لتسويق صناعي وعسكري وتجاري للولايات المتحدة الأميركية، يضمن لها القدرة على التدخل في سياسة الدول التي ترتبط بها تدخلاً يوجب ان يكون للقرار الأميركي في شؤونها الداخلية وسياستها الخارجية حضور واضح وملموس. وإزاء الخطط المستقبلية للهيمنة الأميركية على السياسة الدولية، لا يجد المرء قدرة ملحوظة من جانب الدول الأوروبية، او دول قوية مثل الصين الشعبية، كي تصلح ان تكون نظيراً متوازناً للولايات المتحدة الأميركية، وبالنظر الى كون الدول الأوروبية، على رغم الجعجعة والدعوات الى التوحد في منظمات اقليمية اوروبية ونوادٍ، فهي لا تستطيع المواجهة الحقيقية للقدرات الأميركية. كما ان الدول الشرقية المبتلية بمشكلاتها الداخلية والإقليمية لا تعدو كونها إلا متلقية لا قدرة لها إلا على الموازنة والمحافظة على سياسة مد الجسور، وعدم إغضاب المارد الأميركي على سياستها. هذا اذا اقتنعنا بأن منظمة دول عدم الانحياز اصبحت مجرد ذكرى لا وجود علمياً او فعلياً لها على ارض الواقع. وإزاء سياسات القمع والبطش التي ترتكبها بعض السلطات تجاه ابناء شعبها فإن الولاياتالمتحدة الأميركية تقف ضد هذه السلطات، وتحاول إدانتها ومحاربتها بالطرق السياسية الدولية ووفقاً لمبادئ حقوق الإنسان والعدالة الدولية. ومع ان الولاياتالمتحدة غير معنية في التطبيق السليم لمبادئ العدالة، ولا في التطبيق الدولي للشرعية الدستورية للسلطات في العالم، إلا انها تنتقي ما يتلاءم مع سياستها، في حال كون تلك الدول تخرج عن معطفها، وتتجاوز الخطوط المرسومة لها. لا يوجد ما يمنعها، مع الإجماع الدولي على تطبيق مبادئ العدالة الدولية الغائبة، من ان تتبرع الولاياتالمتحدة الأميركية لتكون المنفذ والشرطي الدولي، وتقوم بإحقاق مبادئ العدالة التي تراها مناسبة ومتناسبة مع الظرف، ووفق اتهامات متعددة، لعل من بينها غياب الديموقراطية والإرهاب الدولي، وتغييب صوت الجماهير، بشرط ان تعيد الأمر اما الى المجتمع الدولي، او الى الشعب المعني الذي وقع عليه التغييب والظلم، لا ان تكون هي الآمر والناهي والمسيطر بشتى الصيغ والصور التي يرفضها المنطق والعدالة. ولكل قضية خصوصيتها والمتخصصون بها. وما ينطبق على قضية الإرهاب لا ينطبق على الدول، وما ينطبق على الاقتصاد لا ينطبق على الديموقراطية والحرية، وما ينطبق على محاربة المنظمات المتطرفة والفكر اليساري لا ينطبق على العولمة ونمط العلاقات السرية والعلنية. وهكذا تشعبت المهمات واختلفت الأدوات والوسائل وإن كانت من مركز واحد. ويمكن ان تكون حرب المقاطعة التي تتخذها الولاياتالمتحدة اسلوباً في إضعاف سلطة الدولة الخصم وسيلة ليست جديدة، على رغم تغير اسلوبها وظروفها. فقد مارستها على كوبا منذ 1960، ولكنها مارستها في شكل خفي وواضح على العراق بغطاء دولي وتبرير قانوني. وما تم تطبيقه على كوبا تم تطبيقه على العراق، حتى نخر الحصار جسد الشعب العراقي ومنح السلطة القوة الإضافية. كما استطاعت القوة التجارية الدولية ان تتسبب في هيمنة عارمة لمستوى رديء من المجالات التجارية التي تعاملت بها الناس في العراق، بما فيها الغذاء والدواء، ناهيك عن الصفقات التجارية المشبوهة مع النظام، وتهريب النفط العراقي خارج سياق المراقبة الدولية، إن لم يكن بعلمها وشراكتها، سواء براً او بحراً، وتحت انظار القوة الدولية، والأميركية بالذات. وهكذا خرقت مبادئ العدالة الدولية بأن تمت معاقبة الشعب دون السلطات. وتم تطويق لقمة العيش، وفرص العمل، والدواء والإمكانات الطبية عند الناس، ما أضعف قدرتهم على مقاومة السلطة، ورفض سياسة القمع والطغيان، وبقاءهم اسرى الحياة اليومية ومشكلاتها. وخلق ذلك ظروفاً في تشتيت المجتمع العراقي ونخره وإضعافه. ويقيناً ان الولاياتالمتحدة، بما توافرت لها من تقنيات تكنولوجية ولوجستية تعرف ماذا يخزن الديكتاتور العراقي من اسلحة، وما يوفره من اموال تهريب النفط، تحت انظار الأممالمتحدة والقوات الدولية، او ما يقتطعه من دماء العراقيين وعرقهم، وما يقتطعه من افواه العراقيين باستحواذه على الخزينة العراقية كاملة من دون حساب او موازنة. نحن، في العراق، ندرك ان صدام حسين لم يكن حاكماً محبوباً او مقبولاً من العراقيين، ونحن في العراق نعلم ان الديكتاتور العراقي كان يشكل خطراً على القيم والحياة العراقية اكثر من خطورته الإنسانية. ونحن في العراق نعرف ان المافيا الصدامية تمسك بزمام الاقتصاد، وكون الخزينة تصب منذ سنوات في جيوب العائلة الخاصة. غير اننا نعرف ايضاً الخطوط والجيوب والتجاذبات بين صدام والدول الكبرى على حساب شعبنا، كما نعرف ان صدام لم يكن معنياً مباشرة بالتغيير، إن لم يكن جزءاً من اللعبة السياسية. إننا سنواجه سياسة مزدوجة خارجية معلنة، وأخرى سرية غير معلنة، هي بمجملها ستشكل اسس النظام العالمي الجديد. وهي بالتأكيد، لن تكون وسيلة للاستقرار والسلام والحياة البشرية الخالية من الحروب والموت والدمار. وهي ايضاً لن تكون الساعية لاستقرار حياة الشعب والسعي لتأسيس حياة حرة وكريمة ليس فيها تبعية وتغليب مصالح على اخرى. وهي بالتأكيد بعيدة عن روح التضامن الإنساني. زهير كاظم عبود عراقي [email protected]