في ما يشبه السباحة ضد التيار في مسار النزاع العربي - الإسرائيلي، عاشت بيروت أمس، ومعها عواصم عربية، ساعات زهو واحتفال حين خرجت الدولة اللبنانية والمقاومة، ومعهما كل أطياف المشهد اللبناني، السياسي والطائفي، لاحتضان الأسرى العائدين من سجون الاحتلال الإسرائيلي. وبمقتضى بنود الوساطة الألمانية لتبادل الأسرى، استقبل أركان الدولة الإسرائيلية جثث ثلاثة جنود إسرائيليين اعيدوا بموجب الصفقة التي شملت أيضاً العقيد الحنان تننباوم، فيما توجه عشرات الأسرى الفلسطينيين المحررين إلى مقر الرئيس ياسر عرفات في رام الله. وعلى وقع الزغاريد والهتافات واختلاط الابتسامات بالدموع، تقدم الأسرى في باحة مطار بيروت وعانقوا تباعاً كلاً من الرؤساء اميل لحود ونبيه بري ورفيق الحريري وبعدهم الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله في ترتيب بروتوكولي لافت. وتوقع مشاركون في الاحتفال "أن يترك المشهد بصماته في أكثر من مكان"، لافتين إلى أن عودة الأسرى تكرس نصرالله "رقماً صعباً ليس في المعادلة اللبنانية وحدها، بل على مستوى النزاع المفتوح في المنطقة مع كل ما يمكن أن يعنيه اضطلاع البلد الصغير بدور كبير يفوق حجمه وطاقته". راجع ص 4و5و15 وما كاد الأسرى المحررون الذين وطأت أقدامهم الأرض اللبنانية السابعة و12 دقيقة مساء أمس، بموجب صفقة مبادلتهم و400 أسير فلسطيني و12 أسيراً عربياً، بجثث ثلاثة جنود اسرائيليين والعقيد في الاحتياط في الجيش الاسرائيلي الحنان تننباوم، ينهون المراسم الرسمية لاستقبالهم من الرؤساء الثلاثة وسائر كبار المسؤولين والديبلوماسيين العرب، حتى دخلوا قاعة الشرف التي غصت بعائلاتهم فانفجرت العاطفة الدفينة منذ سنوات وارتجفت القلوب وكاد العناق يطبق على أنفاس البعض من شدة الفرح والاشتياق. وتحدث بعض العائدين لوسائل الاعلام برباطة جأش لافتة وأبرزهم الشيخ عبدالكريم عبيد "حزب الله" الذي قال انه ولد من جديد، مذكّراً بالأسرى الفلسطينيين والحاج مصطفى الديراني المقاومة المؤمنة وأنور ياسين الحزب الشيوعي فأجمعوا على شكر "حزب الله" وأمينه العام، متمنين اطلاق رفيقهم الذي استثنته اسرائيل من الصفقة، عميد الأسرى اللبنانيين وأقدمهم منذ العام 1979 سمير القنطار، والذي يفترض ان تشمله بداية المرحلة الثانية من عملية التبادل. واعتبر الرئيس لحود ان "هذه العودة برهان قاطع على صوابية المطالبة بالحق والتمسك به توصلاً الى الاهداف الوطنية ورأى انها استكمال لتحرير القسم الأكبر من الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي الذي أتى ثمرة التلاحم بين الجيش الوطني والمقاومة والشعب بالتلازم مع البعد الاستراتيجي للعلاقة بين لبنان وسورية. وأكد ان المقاومة لاسترجاع الأرض ارادة لبنانية جامعة، معتبراً ان المواكبة الدولية لهذا الانجاز اعتراف بشرعيتها. خاتمي يتصل بلحود وتلقى لحود اتصالاً هاتفياً من الرئيس الايراني سيد محمد خاتمي هنأه فيه على عودة الأسرى اللبنانيين، معتبراً انه انجاز عظيم. وأشاد خاتمي بموقف المقاومة اللبنانية وحكمتها. ونوّه لحود بدعم ايران، متمنياً التوصل الى معرفة مصير الديبلوماسيين الايرانيين المفقودين. وطغت وقائع الاستقبال الرسمي والشعبي للأسرى في لبنان، في محطات التلفزة الفضائية، حتى الاجنبية منها على تغطية وصول جثث الجنود الاسرائيليين الثلاثة والضابط تننباوم الى اسرائيل. واحتشد آلاف المواطنين والمناصرين ل"حزب الله" وحركة "أمل" والحزب الشيوعي اللبناني وأحزاب وطنية أخرى على طريق مطار بيروت يلوحون بأعلامهم منذ ظهر أمس، ونثروا الورود والرز على موكب الأسرى عند خروجه من مطار بيروت الذي شق طريقه بصعوبة الى قاعة كبرى في ضاحية بيروت الجنوبية حيث أقيم احتفال خطابي حاشد للأسرى تحدث خلاله نصرالله. واحتشد الآلاف هناك أيضاً ما تسبب في تأخر المهرجان أكثر من ساعة لصعوبة وصول موكب الأسرى المحررين الذين خضعوا لعناق كاد يخنقهم. نصرالله وقال نصرالله: "اننا قمنا بعملية انسانية بحتة. واعطينا للعدو، من خلال الوسيط الالماني، من كان لدينا، ولا علاقة لهذا الامر بالسياسة. نحن طوال المفاوضات لم نتحدث بالامور السياسية". واضاف ان "حزب الله" الذي قبل التفاوض هو نفسه بعد التبادل، موضحا:"نحن لم نضع شروطا سياسية لعملية التبادل. كما لم نقبل ان يطرح عدونا اي شروط سياسية. والتبادل لم ولن يرتبط باي امر ميداني، ومن يعتدي على بلادنا سنواجهه". واعلن: "لدينا ثلاثة ملفات مع العدو، سمير القنطار ويحيى سكاف وسمير نسر. ان اسرائيل تعيد الطأ نفسه، وهي حمقاء، عندما عمدما ابقت على سمير القنطار، وان العدو لم يطلقه، وهو سوف يندم في المستقبل". واضاف: "قلنا في رمضان كما عادت أرضنا الينا بشرف وعزة ومن دون منة من أحد سيعود أسرانا بشرف وعزة من دون منة من أحد وها هم عادوا". وأضاف: "بالنسبة الى العدو فنحن بيننا حرب طاحنة ونقر بوحشيته وهمجيته ولكن حتى الاسلام يدعونا الى الاعتراف بالإيجابية. وأياً كان السبب الذي يدفعهم الى احترام اسراهم وموتاهم، فأنا احترمه لأنه يحترم جنوده ويعمل من اجلهم في الليل والنهار ومستعد ليدفع ثمناً باهظاً من أجلهم". وتطرق نصرالله الى قضية الامام موسى الصدر، ووصفه بانه "امام المقاومة ونحن تلامذته". وقال، متوجها الى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي: "بكل هدوء نخاطبك ان تعمل على اغلاق ومعالجة كل ملفاتك العالقة... ويجب ان تقبل انك مسؤول عن اختفاء موسى الصدر ورفيقيه واعادتهم. يجب ان تمتلك كل الشجاعة لتقول كل الحقيقة لاغلاق هذا الملف المؤلم". وناشد الدول العربية التضامن والتعاون من اجل اعادة الصدر. وكان الأسرى الفلسطينيون الأربعمئة أطلقوا من سلطات الاحتلال الاسرائيلي، في الضفة الغربية وغزة، على خمسة حواجز بين المناطق الفلسطينية واسرائيل التي منعت ذويهم من استقبالهم عليها. وجرى اشتباك بين الأهالي وبين الجنود الاسرائيليين على أحد هذه الحواجز قرب مدينة الخليل. وشهد بعض المدن الفلسطينية احتفالات الفرح بالإفراج عن الأسرى وزغردت النسوة لرؤية اابنائها خارج السجن. وشكر الأسرى "حزب الله" ونصرالله لكنهم تمنوا لو ان أسرى آخرين حالاتهم اكثر الحاحاً، تم الافراج عنهم. وعبّر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عن ترحيبه بعدد من المحررين الذين انتقلوا فوراً الى مقره وشكر "حزب الله" ونصرالله. وتعمدت اسرائيل عدم التنسيق مع السلطة الفلسطينية في الصفقة. وأشار بعض المسؤولين الفلسطينيين ان اسرائيل هي التي حددت معايير الافراج لأن عدداً من المفرج عنهم ستنتهي فترات اعتقالهم خلال أيام. المحطة الالمانية وكانت عملية التبادل التي بدأت منتصف ليل أول من أمس، اتخذت محطة رئيسية هي مطار كولونيا في ألمانيا تطبيقاً للاتفاق الذي صاغه الوسيط الألماني ارنست أورلاو بعد مفاوضات دامت زهاء ثلاث سنوات. وقد حملت طائرة ايرباص عسكرية المانية الأسرى اللبنانيين والعرب بعد الظهر الى بيروت. ورحّب وزير خارجية المانيا يوشكا فيشر في برلين بانتهاء العملية، مهنئاً الاستخبارات الألمانية على نجاحها في تحقيقها. وأعرب عن سروره لأن المانيا حظيت من الطرفين المعنيين على الثقة الضرورية. وشكر مصدر حكومي ألماني ايران على المساهمة القيمة التي قدمتها خلال الوساطة من خلال علاقتها القوية مع "حزب الله". وأكد أورلاو ان عملية التبادل هذه لن تنهي الوساطة وانه يريد حلّ لغز اختفاء الطيار الاسرائيلي رون آراد خلال شهرين أو ثلاثة. ولم يعد من المفرج عنهم من اللبنانيين الى بيروت كل من فؤاد سليم الذي بقي في اسرائيل، وفادي عليان الذي بقي في المانيا نظراً الى انهما محكومان جنائياً بقضايا مخدرات.