لم تعرف ليما الا الحرب ولم تسافر يوماً في حياتها. واذا كان وجودها في بطولة العالم لألعاب القوى مجرد مشاركة رمزية، الا انه يعني الكثير للمرأة في بلادها. في 23 آب اغسطس الماضي، وفي اليوم الاول من بطولة العالم لألعاب القوى في باريس، دخلت ليما غزيمي التاريخ وكسرت الرقم القياسي في... "البطء". اذ قطعت مسافة المئة متر ب37،18 ثانية. احتلت الافغانية الجميلة الرقم الاول كأبطأ عداءة في المباراة. الكل يتذكرها في سروالها الطويل وقميصها الواسع وهي تحمل الرقم واحد... "لم يكن مهماً ان اركض في سرعة، انما ان اكون هنا"، كما شرحت، بفخر، امام كاميرات العالم كله. اثارت الاعجاب الى درجة انها كانت الرياضية التي حطمت الارقام في عدد المقابلات التي اجرتها... اكثر بعشرات المرات من النجوم الذين اعتلوا المنصات. القصة بدأت عام 1999 عندما استبعدت افغانستان من الاتحاد العالمي لألعاب القوى بسبب غياب كامل لأي نشاط رياضي في البلاد. والسبب وجيه: حكم "طالبان" منع النساء من ممارسة الرياضة والرجال من ارتداء السروال الرياضي القصير... ومع سقوط النظام المذكور، قررت اللجنة الاولمبية العالمية ان تساعد افغانستان على اعادة بناء هيكليتها الرياضية واعادت ضمها الى صفوفها نهاية حزيران يونيو الماضي قبل موعد الألعاب الاولمبية في اثينا صيف عام 2004. واختار ليما عزيمي مواطنوها لتأكيد عودة الافغان الى الملاعب الرياضية. وتأثر العالم كله امام الشابة المسلمة ابنة الاعوام ال23، التي لم تعرف الا الحرب، والتي لم تسافر ابداً والتي لم تعرف كيف تركز رجليها عند خط الانطلاق. ويوم المنافسة، كانت المرة الاولى التي تخرج فيها الى العلن من دون حجاب وعارية اليدين. لم تشعر بالراحة لكنها وافقت على ان تخرج ولو مرة عن القاعدة. ومع مباراة حماسية، اعادت ليما بيدها اليمنى - اليد "المغذية" التي لا تحمل لا طلاء ولا مجوهرات - الحجاب على شعرها الاسود الجميل ووافقت على ان تخبر العالم عن اطول سباق عاشته، من كابول الى ستاد دو فرانس. مع عودة افغانستان الى الرياضة العالمية، تقول ليما، "قرر المسؤولون في بلادي ان يشكلوا فرق كرة طائرة ورياضة بدنية وألعاب قوى. ثم انتقائي مصادفة. وبسبب المستوى الضعيف. لم يخضع الاتحاد الافغاني لنتائج الحد الأدنى، كما تجري العادة. انا ألعب الكرة الطائرة. وانما طلبوا مني ان اركض مسافة قصيرة مع فتيات من جامعتي في كابول. توجهت الى مبنى الالعاب الرياضية وكنت الاسرع. كان ذلك قبل ثلاثة اشهر من موعد بطولات العالم". وتضيف ليما: "تمرنت مرة في الاسبوع، عندما كان الملعب مفتوحاً امام الفتيات. وباستثناء الذهاب الى الجامعة او الى الملعب، لا يحق لي فعلاً ان اخرج من المنزل. قبل البطولة لم اركض يوماً في حياتي مسافة المئة متر. بعدها، وقبل اسبوع من المباراة، اعلمني الاتحاد الافغاني برغبته في ان اذهب الى باريس، ربما ايضاً لأنني اتكلم الانكليزية. شرحت لهم انني لم اكن حاضرة وانني لم اتمرن جيداً. اجابوني ان المهم ليس تحقيق ارقام مهمة وانما ان اكون موجودة على خط الانطلاق. كما يعرف الجميع، لم تشارك افغانستان في حدث كهذا منذ 23 عاماً". وكانت المرة الاولى التي تسافر فيها ليما، والمرة الاولى، كما تؤكد، "اكون وحدي. لم يشأ اهلي في البدء ان اسافر. خافوا ان اتعرض للمتاعب: كأن لا يهتم بي الاتحاد او ان يهاجمني احد... ولكن، ولحسن الحظ، استطاع والدي الذي يعمل في وزارة الزراعة الافغانية ان يزور باريس قبل المباراة واطمأن الى انني لن اواجه اي خطر. بعدها ركبت الطائرة. ولكن اثناء توقف الرحلة في اذربيجان نسيت حذائي الرياضي في تاكسي. ووصلت من دونه الى باريس. ارسل المنظمون بكل لطف سائقاً رافقني الى محل لبيع الالبسة الرياضية. فوجدت ان الزوج يكلف 60 اورو، قد لا يكون مبلغاً كبيراً بالنسبة الى اهل البلد. انما بالنسبة الي فهو سعر خيالي... وعليه قرر الاتحاد تقديمه الي". وفي باريس لم تتحضر ليما جيداً للمباراة: "قبل ليلة من الحدث، شرح لي احد المنظمين كيف اركز رجلي على خط الانطلاق... وركضت المسافة ب37،18 ثانية... رقمي القياسي. وكما قلت الرقم لم يكن مهماً بمقدار مشاركتي. وكنت افضل الا يعلم اهلي بشيء: كنت بطيئة وسيئة...". ولمَ هذا الاصرار على اهمية مشاركتها؟ تجيب ليما: "كان امراً مهماً بالنسبة الي والى عائلتي وبلدي. كان رمزاً. لا تعرفون ربما ان في افغانستان اناساً مهمين جداً ونوابغ. فشعبي ذكي ينتظره مستقبل باهر وانا متأكدة من ذلك. ولكن، لسوء الحظ، طوال الاعوام الصعبة التي عشناها كان همه محصوراً في تأمين لقمة عيشه. انا مثلاً كبرت اثناء الحرب ضد الروس. لم اعرف الا ذلك. لا ذكريات جميلة عندي عن الحرب. وبعدها مع نظام الطالبان حبست في المنزل خمسة اعوام مع امي وشقيقاتي الثلاث وشقيقي. كان المكان الوحيد الذي استطيع ان احيا فيه. كان لدينا بضعة كتب في المنزل فدرست وثقفت نفسي. وطوال خمسة اعوام كنت منهارة نفسياً ومرضت كثيراً. طلب مني الطبيب ان اشغل نفسي والا افكر كثيراً. كان الامر صعباً. الطالبان هاجموا عائلتي مباشرة. في يوم من الايام اعتبر احد افراد تلك المنظمة ان امي تتكلم بصوت مرتفع في احد المحال فصرخ في وجهها وهي طبعاً ترتدي الحجاب وأجبرها على السكوت. ومرة اخرى رُمي والدي في السجن لأنه حَلَق لحيته". بدأت ليما تعلم الانكليزية في المدرسة قبل ان تمنع الفتيات من تحصيل علومهن. ثم ساعدها والداها. والأهم انها عادت الى الجامعة منذ عامين حيث صقلت لغتها الانكليزية بصورة افضل. واذا وافقت ليما على ان تشارك في بطولات العالم فلأنها تتوافق وعطلتها الدراسية: "هكذا، لن اخسر شيئاً. وعليه اريد ان اكون معلمة لغة انكليزية او مترجمة... اضافة طبعاً الى اهتماماتي الرياضية". بماذا تشعر ليما حيال الذين احتلوا بلدها او اساءوا معاملته؟ "لا اعرف ماذا اشعر تجاه الروس... اما الطالبان فقد اساءوا جداً الى البلد. مع الاميركيين، لا بأس، فهم يحاولون قليلاً اعادة اعمار بلدنا. حزنت خصوصاً عند موت شاه مسعود الذي اغتيل في 9 ايلول سبتمبر 2001. الكل كان يحبه وكانت الصدمة كبيرة. صليت كثيراً. انا مؤمنة وهذا ما ساعدني خلال الزمن الاسود لحكم الطالبان. وأهم درس تعلمته: وحده الايمان يستطيع ان ينقذ العالم".