جون كيري الذي نال الأوسمة في حرب فيتنام، ثم تزعّم معارضتها، كان سبباً إضافياً للربط بين العراقوفيتنام. لكن الحرب التي انتهت قبل ثلاثين عاماً انتهت فعلاً. انتهت بطرق شتى: هجومياً مع رونالد ريغان، وتنفيسياً مع عدد من الافلام السينمائية والكتب الروائية. هكذا فاز كلينتون بالرئاسة مرتين وحظي بشعبية واسعة، على رغم اتهامه بالتملص من فيتنام. أما نائبه آل غور فلم تتعدّ مساهمته تغطية الحرب كصحافي تابع للجيش. ثم انتُخب جورج دبليو بوش، بأصوات يمينية ومحافظة، على رغم اتهام أسرته باستعمال نفوذها كي يقضي خدمته العسكرية في "الحرس الوطني" قريباً من البيت في هيوستن. وبدورهم ف"المحافظون الجدد" المتحمّسون لكل حرب، فرّ معظمهم من الخدمة في فيتنام حتى استحقوا اللقب الشهير "صقور من دجاج". فيتنام حتى 9/11 لم تعد تعني الكثير للأميركان، وضعوها وراءهم تماماً فيما كانوا يتمتعون بثمار الطفرة الاقتصادية غير المسبوقة. بعد 9/11، وخصوصاً بعد حرب العراق، بدأت الأمور تتغير، بدأ البحث عن معيار للقياس فاستُحضرت فيتنام. هوارد دين يلخّص هذا التحول: أتى بعذر طبي يعفيه من تلك الحرب، من دون أن يعفيه من رياضة التزلج. مع هذا تمكن من ان يتحول قطباً ديموقراطياً بسبب معارضته... حرب العراق. في سياق اكتشاف فيتنام أعيد اكتشاف جنرالية ويسلي كلارك كأحد الشروط الرئاسية المهمة. بالمعنى نفسه، تم التركيز على رصيد جون كيري. بل أمكن للأول أن يؤكّد أفضليته السياسية على الثاني تبعاً لأسبقيته العسكرية عليه: "إنه ملازم وأنا جنرال". مع هذا لا يزال استحضار فيتنام ناقصاً. صحيح ان هناك شبهاً تؤكده بعض الارقام: في بدايات حرب فيتنام، 1962 - 1964، قتل 392 جندياً اميركياً. وفي الفترة ما بين آذار مارس الماضي و1 كانون الأول ديسمبر الماضي، قتل في العراق 437 جندياً أميركياً. وبحسب "الأوبزرفر"، يُقدّر ان واحداً من كل خمسة جنود أميركيين في العراق سيتعرض لاضطرابات عصبية، فيما تم نقل أكثر من 600 جندي وجندية من العراق لأسباب "نفسية"، وانتحر، على الأقل، 22 جندياً، معظمهم أنهى حياته بعد إعلان بوش انتهاء العمليات العسكرية علماً بأن الحكمة العلمية السائدة تقول ان الانتحارات تخفّ في ظروف الحرب. هنا يقف وجه التشابه ليبدأ الاختلاف: بالأرقام الاجمالية كلّفت فيتنام 58 الف جندي في تسع سنوات، ويقترب العدد في العراق من 500 في ثمانية أشهر. أي: في فيتنام 537 قتيلاً في الشهر، وفي العراق في حدود ال 60-65. الأهم: ان الرقم في فيتنام سار على نحو تصاعدي، وفي العراق يصعب الحكم بذلك إن لم يكن العكس. وفي فيتنام قاتل الأميركون قوات موحدة ومدعومة بدولة فيتنام الشمالية يقف وراءها عملاقان هما الصين والاتحاد السوفياتي. في العراق، القتال يجري ضد مجموعات صغرى لن تتحد لأسباب طائفية وإثنية معروفة. كيف يتلقّف الرأي العام الأميركي الحربين؟ البعض يقول ان الاستجابة السلبية لحرب العراق كانت أسرع: في فيتنام استدعى الأمر ست سنوات قبل تبلور أكثرية من 53 في المئة تناهض الحرب. بعد سبعة أشهر على حرب العراق بدأت نسبة مقاربة تتبلور. ولئن ضمت أول تظاهرة وطنية مناهضة للحرب الفيتنامية، في 17 نيسان ابريل 1965، 25 ألفاً ساروا في واشنطن، ففي 25 تشرين الأول اكتوبر الماضي، ضمت مثيلتها ضد حرب العراق 100 ألف. الا ان الحجة المضادة لهذه تذهب الى ان التورط في فيتنام كان متدرجاً، فتدرّجت معارضته في موازاته. اما في العراق فابتدأ كل شيء وانتهى دفعت واحدة: حصلت الحرب ونشأت معارضتها. وتستدل مجلة "نيوزويك"، بقدر من الرمزية، على تغيّر الأزمنة والهموم بجامعة بيركلي، معقل المناهضة لحرب فيتنام. فما أمكن في زمن الرخاء الستيني لم يعد ممكناً اليوم حيث جهود الطلاب منصبّة على مكافحة برنامج حاكم كاليفورنيا الشهير أرنولد شوارزنيغر الذي يزمع رفع الأقساط وتقليص الحجم الطالبي حلاً للأزمات المالية في ولايته. هذا كله مما يصعب الجزم فيه. المؤكد، فقط، ان فيتنام ولّت، كما يقول الفيتناميون قبل غيرهم.