عندما بدأت أقرأ "نهاية الشر"، الكتاب الذي وضعه قطب اليمين الاميركي المتطرف ريتشارد بيرل، بالاشتراك مع موظف سابق في البيت الابيض، لم يكن يخطر ببالي انني سأقوم برحلة في عقل مظلم تتزاحم فيه اوهام البارانويا بنزعات جنون العظمة. خلال الكتاب يكتشف القارئ ان اعداء السيد بيرل يشملون العالم بأسره، بكل دوله ومنظماته، باستثناء اسرائيل ومجموعة صغيرة من الدول وحتى هذه المجموعة الصغيرة في حاجة دائمة الى ارشادات بيرل وتوجيهاته كي لا تعامل معاملة الاعداء. نجد في الكتابة قائمة بالمنظمات والدول التي يطلب منها السيد بيرل أن تتغير كي تكون جديرة برضاه، وذلك على النحو الآتي: وكالة التحقيقات الفيديرالية "اف بي آي": يقترح السيد بيرل علاجاً حاسماً لهذه المؤسسة الاميركية العريقة، فكّها واعادة تركيبها من جديد: "يجب تحريرها من مهمة مكافحة الارهاب التي فشلت في القيام بها، ونقل قسم مكافحة الارهاب وموظفيه الى جهاز استخباري جديد" ص 222 وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي اي": ينحي السيد بيرل باللائمة على هذه الوكالة ويرى انها تحولت الى "منظمة بيروقراطية عصبية مصبوغة بالطابع السياسي الليبيرالي" ص 223. وتأتي الوصفة المعتادة، فكّ الوكالة وبعثرة أجزائها: "جميع العملاء السريين المحاربين يجب جمعهم في تنظيم شبه عسكري يرتبط بوزير الدفاع، الرجل المسؤول عن ادارة حروب اميركا الظاهرة والخفية". 224 وزارة الخارجية: في فصل بعد فصل يكيل السيد بيرل الشتائم لوزارة الخارجية ويوشك ان يتهمها بالخيانة، وكعادته، يقترح خطة "لاصلاحها" تقضي على كل ملامحها الحالية ص 226 - 228. البنتاغون: يتحسّر السيد بيرل على النقص الذي اصاب موازنة الدفاع ايام الرئيس كلينتون ويرى ان الزيادات التي اقترحها الرئيس بوش قاصرة وانها لم تصل الى ثلثي النسبة التي كانت مخصصة للدفاع في الثمانينات. وعلى رغم اعجاب السيد بيرل بالقوات المسلحة الاميركية الا انه يقترح سلسلة من الاجراءات يمكن اختصارها في تحويل البنتاغون الى مؤسسة تعمل كما تعمل شركات القطاع الخاص. ص 225 - 226 اوروبا: بسبب تراخي الدول الاوروبية في دعم الهجوم الاميركي على العراق يصبّ السيد بيرل جام غضبه على الاوروبيين جميعاً متهماً اياهم بالجحود ونكران الجميل ص 238 - 239 الا ان فرنسا تحظى بنصيب الاسد من ثورة السيد بيرل الذي يقترح مجموعة من الاجراءات تستهدف تأديب فرنسا وتحجيمها ص 247 - 250. والسيد بيرل يخشى نجاح فرنسا في اقامة دولة اوروبية موحدة ولهذا يقترح ان تعارض الولاياتالمتحدة فكرة الوحدة الاوروبية. ص 247 الصين: لا تدخل الصين، لحسن حظها، قائمة الاعداء الفعليين ولكنها يجب ان تبقى تحت المجهر وتلتزم بتنفيذ سلسلة من توجيهات السيد بيرل حتى لا يُعاد النظر في وضعها ص 254 - 257 باكستان: تفلت باكستان، في آخر لحظة، من قائمة الشر ولكن عليها، هي الأخرى، اذا ارادت ان تحظى برضا السيد بيرل أن تلتزم بعدة شروط، تشمل ضمن ما تشمل، "توقيع اتفاقية لحرية التجارة مع الهند"!! ص 253. روسيا: يخبرنا السيد بيرل، في صراحة أخّاذة، ان العلاقة مع روسيا "ليست تحالفاً، ولا حتى صداقة، ولكن مجموعة من التعاملات" ص 265. وروسيا، بدورها، تتلقى تحذيراً رهيباً بأنها اذا لم تكف عن "سياسة الوجهين" فستجابه بإجراءات تأديبية تشمل حرمانها من حضور اجتماعات حلف الاطلسي ومنعها من الحضور في قمة الدول الصناعية. ص 265 الأممالمتحدة: لا يحاول السيد بيرل ان يخفي احتقاره العميق للأمم المتحدة ولمبدأ المساواة بين الدول الذي قامت عليه، وينعى على الادارات الاميركية حرصها على الحصول على مباركة الاممالمتحدة قبل القيام بعمل عسكري. الا ان السيد بيرل يتكرّم باعطاء الاممالمتحدة فرصة اخيرة قبل ان يقذف بها الى عالم النسيان فيدعوها الى تغيير الميثاق بحيث يصبح تعريف "العدوان المسلح" الذي يسمح للدول بحق الدفاع عن النفس منسجماً مع آراء السيد بيرل في مكافحة الارهاب. ويعطي اميركا الحق في الهجوم على من تشاء بمجرد ان تقرر انها اصبحت في خطر ص 276. الأماكن المظلمة: تحت هذا العنوان الغامض، والمخيف بعض الشيء، يعطي السيد بيرل الولاياتالمتحدة الحق في مهاجمة الدولة التي تتخلى عن واجبات الدولة في السيطرة التامة على اقليمها، متى قررت الولاياتالمتحدة ان هناك مصلحة في الهجوم. هذا "الشيك المفتوح" يمكن ان يشمل، بطبيعة الحال، اية دولة في العالم بلا استثناء والسند الوحيد الذي يورده السيد بيرل لهذا الحق العجيب هو خطاب ألقاه الرئيس الاميركي تيودور روزفلت في الكونغرس سنة 1904 !! ص 120. محور الشر: هناك، بطبيعة الحال، الهدف الاساسي من وضع هذا الكتاب/ الاعجوبة وهو التحريض على محور الشر الذي توسّع، منذ ولادته القيصرية المشبوهة، فأصبح يشمل ايران وكوريا الشمالية وسورية وليبيا والمملكة العربية السعودية بالاضافة الى دول "الاماكن المظلمة"!. وكل هذه الدول مدعوة فوراً الى ان تغيّر انظمتها وتوجهاتها وهويتها وعقيدتها وإلا... فالطوفان. لكي يعرف القارئ مدى اطلاع السيد بيرل على الموضوعات التي يتحدث عنها يكفي ان اشير الى زعمه ان الاموال السعودية بنت "قرابة ستة آلاف كلية دينية في باكستان" ]اي والله 6000[ كلية دينية!! ص 154. عندما انتهيت من قراءة الكتاب شعرت بشفقة غامرة على الشعب الاميركي، الذي اعرفه واحبه، ودعوت الله ان يحميه من شر بيرل وامثاله، اعدائه الحقيقيين، واعداء الانسانية.