يواجه الفلاحون العراقيون استحقاقات حاسمة خلال الأيام القليلة المقبلة قد تُهدد الموسم الزراعي الصيفي المقبل وربما المواسم الزراعية التالية الأخرى، إذا لم يتم سد حاجة المزارعين من مستلزمات البذور والأسمدة والآلات الزراعية وتنفيذ برنامج وقاية المزروعات من الحشرات والآفات التي تُهدد المساحات الزراعية بكارثة محتملة. ويُشكل الفلاحون العراقيون أكبر شريحة اجتماعية في العراق. إلا أن تدهور الوضع الزراعي حالياً بات يهدد مجتمع الفلاحين ببطالة جديدة وواسعة. ويشكو الخبراء الزراعيون من تزايد الآفات الزراعية، ومنها تزايد الملوحة والإصابات الخطيرة للنخيل وأنواع الزرع الأخرى وكثافة الأدغال التي باتت تحيط بالمساحات الزراعية نتيجة غياب الرعاية وعدم توافر الأسمدة ومستلزمات الوقاية، في الوقت الذي يملك العراق ثلاثة معامل لإنتاج الأسمدة تجعله من أكبر المنتجين في الشرق الأوسط. ويوجه الفلاحون العراقيون انتقاداتهم الى أعضاء مجلس الحكم وقوات الائتلاف والوزارات المعنية متهمينهم بعدم الاكتراث بالقطاع الزراعي وعدم اهتمامهم بتأمين متطلبات الموسم الزراعي المقبل الذي ينذر فشله بكارثة زراعية. وألقى رئيس "اتحاد جمعيات الفلاحين"، سعدي الكناني، باللوم على الجهات الحكومية لعدم متابعتها هموم القطاع الزراعي وأوضاع الزراعة بالشكل المناسب. وقال انه إذا لم يتم تسليم الأسمدة والبذور للفلاحين خلال أسبوعين وقبل انتهاء الموسم الشتوي وبدء الاستعداد للموسم الصيفي، "ستحصل كارثة حقيقية في الإنتاج الزراعي في العراق". وحذّر من أن الأوبئة والأمراض التي طاولت الثروة الحيوانية والنباتية كبيرة جداً و"يجب البدء بمعالجتها على الفور"، مشبّهاً وضع الفلاح والأرض حالياً بوضع مريض في غرفة الانعاش. وأضاف ان واجب الفلاح في هذه الظروف "تقديم القوت للشعب وبأقل الأسعار التي تتناسب مع الحال المعاشية المتدنية لمعظم السكان. لكن انهيار القطاع الزراعي سيؤذي المزارع ومعه كل أفراد الشعب". وحذّر من أن عدم تقديم العون للأرض والفلاح يعني زيادة نسبة البطالة، "إذ ان الطبقة الفلاحية تشكل نصف المجتمع العراقي، وزيادة البطالة تعني زيادة التذمر وشيوع الجريمة في بلد تعمه الفوضى". وأوضح ان معظم المساعدات الإنسانية التي تُقدم للشعب العراقي حالياً لا يشمل الأسمدة والبذور أو الآلات الزراعية. وقال ان "هذه المساعدات ذات طابع آني لكنها لا تخدم المواطن العراقي على المدى البعيد". وأوضح رئيس الاتحاد انه حاول ايصال صوت الفلاح الى وزير الزراعة العراقي لاطلاعه على واقع الزراعة المتدني في العراق، وانه ناقش معه تخفيض أسعار السماد بعدما زادت ثلاثة أضعاف عما كانت عليه أيام النظام السابق. وقال ان تسليم الوزارة الأسمدة والبذور الى وكلائها قد رفع أسعارها. وأكد ضرورة توزيعها من قِبل الاتحادات والجمعيات الفلاحية التي هي على اطلاع مباشر واتصال مع الفلاح ومتطلبات أرضه. وأعرب الكناني عن قلقه من الارتفاع الكبير في أسعار المنتجات الزراعية الذي بات المواطنون يعانون منه. وأضاف ان السبب شحتها وارتفاع أسعار بذورها. ولفت الى ان مجلس الحكم وقوات الائتلاف استطاعا حل جانب من مشكلة شحة المياه، من دون معالجة الوضع الزراعي الحالي الذي يتصف بالصعوبة. وأشار رئيس الاتحاد الى مسيرة قام بها الاتحاد باتجاه مقري مجلس الحكم والحاكم المدني للعراق، السفير بول بريمر، للمطالبة بمنح الفلاحين حقوقهم وتقديم دفعة طوارئ لإنقاذ ما ُيمكن انقاذه من الأراضي الزراعية واستصلاحها. وهدّد "بتسيير تظاهرة يشترك فيها مليون فلاح، إذا ما تم الاستمرار في تجاهل مطالب الفلاح العراقي". ودعا الكناني المنظمات الانسانية الى تقديم الدعم للفلاح العراقي لتجنب الكارثة المتوقعة، "لأن الشعب العراقي يعتمد كلياً على انتاج الفلاح لتأمين الغذاء له". أما نائب رئيس الاتحاد، الشيخ محمد عبد علي الدليمي، مسؤول المحافظات الوسطى، فقال ل"الحياة: "ان اقتراب نهاية الموسم الزراعي الشتوي يعني بطالة متوقعة لعموم الفلاحين. وهذا يؤثر على الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق مستقبلاً، بعدما كانت طبقة الفلاحين من الطبقات التي تساعد فعلاً على استتباب الأمن". وأشار الى أن الفلاح عاد الآن الى الأيام المظلمة التي سبقت تطور العراق، وأخذ يحصد زرعه بالمنجل. وتساءل عما "إذا كانت الحرية التي استنشقها الفلاح بزوال النظام السابق ستؤدي الى زوال نعمته".