حكايته أضحت طرفة، لم تستطع هوليوود ان تغض النظر عنها، بل ان فتاها الذهبي صاحب "الفك المفترس" و"اي تي" و سلسة المغامر "انديانا جونز" المخرج ستيفن سبيلبرغ خطفها من تحت انوف زملائه الطامحين الى خبطات الصيف السينمائية، وانجز فيلماً سيضيفه الى قائمته المتخمة بالانتصارات التجارية. كان من الغريب ان يأنف الفرنسيون، وقد وقعت "الطرفة" في عاصمتهم، من اقتباسها الى سينماهم، وتركوا الامر سهلاً للأميركيين كي يحوروها و يحولوا المرارة التي عاشها الايراني مرهان كريمي ناصري في اروقة صالات مطار رواسي- شارل ديغول على مدى 15 سنة الى "استثناء ثقافي". ما أغفله سينمائيو فرنسا لم يكن سوى ظاهرة مدهشة للمسافرين والعابرين الذين لم يتوانوا من مدّ ناصري بمساندتهم وعطاياهم: فرنكات قليلة آنذاك او كأس من الشراب او ساندويتش او تربيت مؤازرة على الكتف، بل ان بعضهم أخذته حمية الشهامة فعرّج على محلات المنطقة الحرة متعطفاً بقطع ملابس لمن سمي ب "سجين رواسي" تيمناً برواية الكسندر دوما "سجين زندا". في العام 1988 منع ناصري من دخول بريطانيا بعد ادعائه ان اوراقه الثبوتية وجواز سفره سرقت منه في مترو باريس، ولدى اعادته الى مطار شارل ديغول رفض الفرنسيون قبول طلب ناصري في اللجوء السياسي، وحملوه مرغماً الى سلالم اول طائرة تعيده الى بلاده، لكن القدر تربص بالهارب من حكم الشاه يصر ناصري على ان السافاك تعرفت عليه اثناء تظاهرة مناوئة للنظام جرت في بريطانيا وأعطته في ملفاتها اسم "السيد ألفريد"، وعمدت الى نفيه حين عاد الى طهران عام 1977، اذ رفض قبطان الطائرة السماح بادخاله، ووجد اعوان الشرطة انفسهم في ورطة، لا يستطيعون التراجع عن قرار السلطات العليا، ولا يستطيعون فرضه على ذلك الطيار المنقذ. ولم يبق لناصري سوى ان يجد ملاذه الآمن في ما يسمى ب"منطقة الانتظار" الخاصة بالمسافرين الذين لا يملكون اوراقاً رسمية، وبين كراسي المقهى الوحيد في صالة المغادرة، مستعطفاً المأكل والمشرب من رواده الذين لم يفهموا كيف وصل متسكع اجنبي الى قلب احد ارقى مطارات العالم. حوّل ناصري دورات المياه أشبه بحمام خاص، انتحى زاوية كدس فيها صناديق الكارتون الخاصة بشركة طيران المانية ليسمي ما بناه "بيتي السعيد"، وعلق على الجدران من حوله المقالات الصحافية التي ظهرت عن منفاه الغريب، محاطاً بحقائب كثيرة تحوي "العطايا القيمة"، من دون ان يغفل كتابة عن مغامرته وظروفها وعمن التقاهم في الف صفحة، محتفظاً بصفحات كثيرة عليها تواقيع المسافرين الذين تعاطفوا مع حاله. لم يكن ناصري غريباً على السينما، فهو ظهر في ثلاثة افلام تلفزيونية وثائقية، وعلى رغم عرضها لم يكلف احد من اقاربه او مواطنيه الاتصال به او محاولة اخراجه من وضعه الشاذ. اما الوحيد الذي ظل اميناً لناصري فهو محاميه المدافع عن حقوق الانسان، واسمه بورجو، الذي أكد ان شركة سبيلبرغ اشترت حقوق حكاية ناصري لتحويلها الى شريط سينمائي، غير ان ناطقاً باسم "دريم وورك" أكد ان السيناريو لا يعالج حكاية ناصري، بل يستلهم جوهرها، رافضاً الكشف عن الحقوق المالية لللاجىء الايراني محامي ناصري ذكر ان المبلغ اقل من مليون دولار بقليل. وتم تحوير الشخصية والاحداث بما يتماشى مع الولع بما هو اميركي، فالايراني "نُسخ" الى مواطن من احدى الدول الاوروبية الشرقية "ارتهن" في مطار نيويورك بعد قيام انقلاب في بلده، وتعمد الحكومة الجديدة الى اسقاط التعامل بجواز السفر الوطني ما يدفع السلطات الاميركية الى "رميه" في صالة المغادرة وليصبح الغريب الاشهر. النجم توم هانكس الذي يؤدي دور ناصري لم يلتق بملهم شخصيته. وفيما لم يكن الاخير محظوظاً مع النساء المسافرات او العاملات في المطار الفرنسي، يتمتع البطل فيكتور نافورسكي بحظ يحسد عليه، فالحسناء التي تقع في غرام "المعتقل رغم انفه" ليست سوى النجمة كاثرين زيتا جونز التي تؤدي شخصية اميليا مضيفة الطيران ومنقذته من ورطته ومحنته، أما ناصري فلا يزال رهن القرار الفرنسي الذي قدم له الفرصة بتوقيع اوراق ثبوتية، بعد تدخل المفوضية الدولية للاجئين، التي تؤكد أصله الايراني رغم اصراره على انه اصبح "مواطناً عالمياً".