مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرشحون الديموقراطيون في السباق إلى الرئاسة الأميركية . ويسلي كلارك ... الجنرال "ذو الصدقية" يقول الشيء ونقيضه في آن 2 من 4
نشر في الحياة يوم 11 - 01 - 2004

بعدما استعرضت الحلقة الأولى مواقف المرشح الديموقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية هاوارد دين، تتناول الحلقة الآتية تاريخ المرشح الديموقراطي ويسلي كلارك ومواقفه من القضايا الدولية والداخلية.
تلقي متابعة الحملة الانتخابية للجنرال المتقاعد ويسلي كلارك الضوء على جوانب عدة في السياسة والإعلام الأميركيين. ووصف الجنرال ترشيحه في مقابلة مع مجلة "بيزنس ويك" 24/11/2003 بالقول: "كل ما يتعلق بترشيحي هو من الأمور غير التقليدية"، اذ دخل المعركة الانتخابية متأخراً بضعة أشهر 17/9/2003 عن بقية المرشّحين، وعلى الفور صعد إلى المركز الأول في استطلاعات الرأي وحصل على 22 نقطة، على رغم أن معظم الناخبين لا يعلمون عن مواقفه شيئاً، ليس لجهل الناخبين به بل لأنه لم تكن لديه مواقف معلنة من معظم القضايا التي تهمهم عند إعلان ترشيحه.
تطرقت الحلقة السابقة الى الصراع الدائر داخل الحزب الديمقراطي وخشية المؤسسة المسيطرة على الحزب من المرشح هاوارد دين، الذي تنبع بعض شعبيته من معارضته للحرب. وتابعت المؤسسة مسيرة الانتخابات وظل المرشحون المقبولون متخلفين عن دين في الاستطلاعات، لذلك احتاجت إلى مرشّح آخر لوقف مسيرة دين وفضّلت أن يكون معارضاً للحرب وأن يتمتع بخبرة عسكرية من أجل تحييد التصور السائد عن قوة الرئيس جورج بوش في المجال الدفاعي وفي مكافحة الإرهاب. ووجدت المؤسسة ضالتها المنشودة في الجنرال كلارك، فأخذت بترويجه إعلامياً على رغم أنه لم يكن من منتسبي الحزب الديموقراطي، كما تشكّلت منظمة شعبية "تطوعية" باسم "تجنيد كلارك" لدفعه الى ترشيح نفسه. ومنذ ذلك الحين أخذت الأوركسترا الإعلامية تشير إلى كلارك كمعارض للحرب على العراق، وأصبحت تصوره بأنه المخلص والمنقذ للحزب الديموقراطي، والوحيد الذي يمكنه هزيمة بوش. وبدأت تظهر في الصحف مقالات تشيد بالجنرال وتطلق عليه ألقاباً مثل "السيد ذو الصدقية" مجلة أميركان بروسبكت، 1/3/2003. وظهرت عناوين مثل "ويسلي كلارك: أسوأ كوابيس كارل روف" في اشارة الى كبير المستشارين السياسيين للرئيس بوش، ومهندس فوزه بانتخابات العام 2000. وتوّجت هذه الحملة بقول الرئيس السابق بيل كلينتون لضيوفه قبل أسبوع من إعلان كلارك ترشيحه: "هناك نجمان سياسيان فقط في الحزب الديموقراطي: هيلاري كلينتون وويسلي كلارك"، وإثر ذلك بدأت تزداد شعبية الجنرال في استطلاعات الرأي.
من هو كلارك؟
ولد كلارك في شيكاغو عام 1944. أبوه يدعى بنجامين كين، وهو محام يهودي توفي عندما كان ويسلي في الرابعة من العمر. إثر ذلك انتقلت والدته للعيش في موطنها في ولاية أركنساس، وتزوجت فيكتور كلارك، الذي اعتنى بالطفل وأعطاه اسمه. نشأ كلارك كمسيحي على المذهب المعمداني، ولم يعرف بأصوله اليهودية حتى تجاوز العشرين من العمر، وتحوّل إلى المذهب الكاثوليكي أثناء وجوده في فيتنام. التحق بكلية ويست بوينت العسكرية عندما كان عمره 17 عاماً، وتخرج منها عام 1966. حصل على درجة الماجستير في الفلسفة والسياسة والاقتصاد من جامعة أكسفورد، ثم شارك في حرب فيتنام حيث تعرّض لإصابة ونال أوسمة عسكرية. عمل عام 1975 لمدة عام في البيت الأبيض أثناء رئاسة جيرالد فورد، وهناك تعرّف الى دونالد رامسفيلد وديك تشيني. تدرج في المناصب العسكرية حتى وصل الى رتبة جنرال، وفي عام 1997 عينته إدارة كلينتون قائداً للقوات الأميركية في أوروبا وقائداً لقوات حلف الناتو.
حرب كوسوفو
شارك كلارك عام 1995 في مفاوضات دايتون التي تمخضت عنها اتفاقية سلام في البوسنة، وكان له اتصال مباشر مع الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش. وبعد هدوء الأوضاع في البوسنة، تدهور الوضع في كوسوفو. وبحلول عام 1998، ازداد القمع الصربي وبدأ جيش تحرير كوسوفو يكتسب التأييد في الإقليم على حساب القوى المعتدلة، وبدأ عناصره بمهاجمة الجنود والشرطة الصرب، وهذا بدوره زاد من قمع نظام ميلوسيفيتش، فشنت الدول الأوروبية حملة ديبلوماسية من أجل الاستقرار في البلقان، وأرسلت مراقبين دوليين لمتابعة الوضع في الإقليم. لكن كلارك كان يرى ما يحدث في كوسوفو امتداداً لأحداث البوسنة، وطالب بعقد مفاوضات بين الصرب وسكان كوسوفو الألبان. وكان رأي القيادة العسكرية الأميركية حينها أنه لا توجد مصالح أميركية حيوية في كوسوفو، ويُفضّل عدم التدخل، لا سيما أن التدخل في الصومال كان لا يزال ماثلاً في الأذهان. لكن كلارك أصر على رأيه، وحاول إقناع إدارة كلينتون بالمطالبة بعقد مفاوضات وتهديد ميلوسيفيتش باستخدام القوة في حال فشل المفاوضات. وانتصر رأيه أخيراً على رأي قادة الجيش ووزير الدفاع وليم كوهين. وكانت حجة كلارك أنه "يعرف ميلوسيفيتش جيداً"، وهو سيخضع إذا ما واجه تهديداً باستخدام القوة.
وفي شباط فبراير 1999 بدأت مفاوضات رامبولييه في فرنسا، والتي قرر كوهين منع كلارك من المشاركة فيها، إذ لم يعد يثق به، وأصبح يعتبر أن "أفظع غلطة" ارتكبها في مسيرته المهنية هي تعيينه في منصب قائد قوات "ناتو". وجه حلف "ناتو" تحت ضغط كلارك ومادلين أولبرايت تهديداً لصربيا باستخدام القوة في حال فشل المفاوضات، ومع ذلك لم تسفر المفاوضات عن نتيجة، وثبت أن كلارك كان مخطئاً في تقديره لموقف ميلوسيفيتش. حينها بدأ "السيد ذو الصدقية" يدعو الى قصف صربيا لأن "صدقية ناتو" أصبحت في الميزان بعدما هدد باستخدام القوة، وهذه الصدقية هي "من المصالح الحيوية" للولايات المتحدة.
بدأت الحرب في آذار مارس 1999 من دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، وتبعها على الفور هروب جماعي لألبان كوسوفو من الإقليم خوفاً من القصف ومن بطش الجيش الصربي. وهكذا أدت الحرب المفروض انها لحماية الألبان، إلى كارثة إنسانية بهروب ما يزيد على مليون ألباني من منازلهم. استمرت الحرب 78 يوماً، ونجح كلارك خلالها بتدمير بضع دبابات صربية، والكثير من الأهداف المدنية مثل المدارس والجسور والمصانع ومحطات الكهرباء، كما شنت طائراته هجوماً على التلفزيون الصربي، إذ اعتبره هدفاً مشروعاً. إضافة إلى ذلك استخدمت قوات كلارك القنابل العنقودية وقذائف اليورانيوم المنضب، التي ما زال الصرب وألبان كوسوفو يعانون منها حتى اليوم. وأقيل الجنرال من منصبه بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب.
ومن غرائب الأمور أن الأوساط الإعلامية والأكاديمية في الولايات المتحدة تجمع الآن على أن حرب كوسوفو بدأت لإنهاء التطهير العرقي، على رغم أن التطهير العرقي الهائل حدث بعد الحرب.
كلارك والحرب على العراق
من المسلّم به في الأوركسترا الإعلامية الأميركية أن كلارك عارض الحرب منذ البداية. اذ وصفته صحيفة "بوسطن غلوب" 14/9/2003 بأنه "القائد السابق لقوات الناتو والمعارض للحرب على العراق"، وكتبت "نيويورك تايمز" 22/9/2003 "المرشح الوحيد الذي ستنتخبه أميركا من المعارضين للحرب هو الشخص الذي يحمل رتبة الجنرال".
لكن الواقع ان نظرة الى مواقف كلارك وتطورها قد تظهر عكس ذلك. اذ نشر الجنرال مقالاً في مجلة "تايمز" 14/10/2002 في عنوان "علينا الانتظار قبل الهجوم"، كتب فيه: "في الأسابيع القليلة الماضية حدثت إنجازات كبيرة في محاربة الإرهاب. لكن علينا أن نركّز انتباهنا على المهمة. وعلينا، إذ نوسع عملياتنا العسكرية إلى العراق، أن نقوم بذلك بطريقة تدفع بحملتنا ضد القاعدة إلى الأمام". ويوضح الاقتباس أن "معارضة" كلارك هي حول الأمور التكتيكية فقط. ويضيف المقال: "حتى إذا لم تمنحنا الأمم المتحدة في نهاية الأمر القرار القوي الذي نسعى الى الحصول عليه، فسيكون من المهم، كما كانت الحال في كوسوفو، الحصول على دعم الأصدقاء والحلفاء لتحقيق صدقية دولية لأهدافنا وشرعية لأفعالنا".
وعمل كلارك محللاً عسكرياً في محطة "سي أن أن" التلفزيونية، وواصل "معارضته" للحرب من على ذلك المنبر، وقال في 21/1/2003 إنه لو كان مسؤولاً عن مجريات الأمور: "ربما لم أكن لأقوم بالتحركات التي أوصلتنا إلى هذه النقطة. ولكن باعتبارنا وصلنا إلى هذه النقطة، أعتقد إنه يتوجب على الرئيس أن يتحرك للأمام، على رغم ان لحلفائنا تحفظات".
وفي يوم سقوط بغداد 9/4/2003، تبخّرت "معارضة" كلارك، وأمضى "السيد ذو الصدقية" ليلته يسطّر مقالاً لصحيفة "تايمز" البريطانية ظهر في عنوان "ما ينبغي فعله لإتمام النصر العظيم"، افتتحه بالقول: "ماذا يمكن أن يثير المشاعر أكثر من منظر الحشود الفرحة تملأ شوارع بغداد؟". وأضاف: "ستؤدي العملية في العراق دور نقطة انطلاق لمزيد من المبادرات الديبلوماسية والضغوط، وحتى أعمالاً عسكرية ضد آخرين في المنطقة ممن دعموا الإرهاب وكدّسوا أسلحة دمار شامل... ستتنبه حكومتا سورية وإيران للتحذير بأن دورهما حان، اذا لم يلتزما بما يهم واشنطن ... أما بالنسبة الى القادة السياسيين، فعلى الرئيس بوش وتوني بلير أن يفخرا بعزمهما أمام الكم الهائل من الشكوك".
ويختتم كلارك مقالته بنبوءة وتهديد: "دعونا نخرج في مسيرات احتفالية في واشنطن، ولكن يجب ألاّ تفتر همتنا، فما زال هناك الكثير مما يجب عمله، وليس من قبل الديبلوماسيين فقط". وبعد يوم واحد من هذا المقال، خرج كلارك بمقال آخر في الصحيفة نفسها قال فيه: "إذا كان هناك درس مهم من كل ذلك فهو ان القوة العسكرية الأميركية، خصوصاً إذا ما تعززت بالقوة العسكرية البريطانية، لا يمكن تحديها حالياً. فهل تواجهونا؟ لا تحاولوا! هذا ليس تبجحاً، وإنما حقيقة واضحة".
ولمّح بعض المراقبين إلى أن كلارك اتخذ هذا الموقف لمداهنة الرئيس بوش، وتوسّلاً لمنصب في إدارته، وربما كان ذلك أيضاً سبب تأخره في إعلان ترشيحه عن الحزب الديموقراطي. وأوردت مجلة "نيوزويك" ان بعض أصدقاء كلارك استعلموا من البيت الأبيض حول إمكان تعيينه في منصب ما، لكن كارل روف، المستشار السياسي للرئيس بوش، استبعد ذلك مما أثار حفيظة كلارك. وأخذ بعد ذلك يهاجم إدارة بوش كل ما سنحت له الفرصة.
كان كلارك يعد نفسه لخوض انتخابات منصب ما في ولاية أركنساس، لذلك كان يشارك في نشاطات الحزب الجمهوري، وفي 11/5/2001 شارك في احتفال لجمع التبرعات للحزب في محافظة بولاسكي في أركنساس وقال: "أنا سعيد جداً لأن لدينا فريقاً عظيماً كهذا في الإدارة: رجال مثل كولن باول ودونالد رامسفيلد وديك تشيني وكوندوليسا رايس وبول أونيل وطبعاً رئيسنا جورج بوش". ونقلت مجلة نيويوركر 17/11/2003 أن كلارك أخبر شخصين متنفذين في الحزب الجمهوري، "لو ردّ كارل روف على مكالماتي الهاتفية لكنت الآن في حزب الجمهوريين"، وادعى كلارك لاحقاً إنه قال ذلك على سبيل الدعابة.
وفي 15 حزيران يونيو الماضي، قال كلارك في مقابلة مع محطة تلفزيون "إن بي سي": "كان هناك جهد منسق في خريف العام 2001، وفوراً بعد 11 أيلول سبتمبر، لالقاء مسؤولية الهجوم والإرهاب على صدام حسين". ولما سأله مقدّم البرنامج "من قبل من؟" ردّ بالقول: "من قبل البيت الأبيض والمحيطين فيه. تلقيت مكالمات هاتفية وقالوا لي أنه يتعين عليّ القول أن الهجوم مرتبط بصدام حسين". وكان لافتاً أن هذا الكلام لم يثر أي عاصفة سياسية، بل قوبل بصمت مطبق ولم يجر الحديث عنه الا في مقابلة تلفزيونية أخرى أوضح فيها أن من طلب منه ربط أحداث أيلول بصدام حسين، كان مؤسسة أبحاث كندية.
يقول كلارك في كتابه "الفوز بالحروب الحديثة" الذي صدر أخيراً إنه زار وزارة الدفاع في تشرين الثاني نوفمبر 2001، وإن أحد أصدقائه هناك أخبره "اننا ما زلنا نستهدف العراق، ولكن هناك المزيد. فالهجوم على العراق تتم مناقشته كجزء من خطة لحملة تمتد إلى خمس سنوات، وهناك سبعة بلدان مستهدفة، فبعد العراق تأتي سورية ولبنان وليبيا وإيران والصومال والسودان". ويضيف: "تركت وزارة الدفاع في ذلك اليوم وأنا أشعر بقلق شديد" لكنه لا يشرح لماذا احتفظ بقلقه لنفسه لمدة سنتين قبل أن يفصح عنه، كما لا يفسّر اطراءه على بوش وبلير أثناء الحرب، ما دام على علم بهذه الأسرار.
الترشيح والتعثّر
في 19/9/2003، وبعد يومين على ترشيحه، أجرت صحيفة "نيويورك تايمز" لقاءً مع كلارك قال فيه رداً على سؤال حول قرار الكونغرس بتفويض الرئيس بإعلان الحرب، "في ذلك الوقت، ربما كنت سأصوت لمصلحة القرار". واثر ذلك، تعالت صيحات الاستنكار من كل حدب وصوب، إذ بدا أن كلارك سيدمر بزلة لسان الحملة الإعلامية التي شنت لترويجه. وهو أوضح في اليوم التالي بالقول: "دعوني أوضح شيئاً مهماً، كان من المستحيل أن أصوت لمصلحة الحرب". بدأت الحقيقة تظهر ببطء، وخرجت إلى العلن الكثير من تناقضات كلارك، ففي تشرين الثاني الماضي قال في مقابلة تلفزيونية: "لو كنت أنا الرئيس، لما اخترت دونالد رامسفيلد وزيراً للدفاع، علماً انه قال عام 2000، عندما عين بوش رامسفيلد في هذا المنصب "أعتقد أنه قرار مُلهَم، إذ أن لديه خبرة عظيمة".
ويمضي كلارك حالياً الكثير من وقته لتفسير هذه التناقضات، مما انعكس على شعبيته بين الناخبين، اذ نال 17 نقطة بحسب آخر استطلاع لمؤسسة "غالوب" وهناك استطلاعات تشير إلى حصوله على ثماني نقاط فقط.
الشيء ونقيضه
على رغم ان كلارك حصل على عدد كبير من الأوسمة العسكرية في الولايات المتحدة والخارج، الا ان أشد النقد الذي تعرض له بعد ترشيحه، جاء من زملائه في الجيش. اذ نقلت "واشنطن بوست" عن جنرال متقاعد لم تفصح عن اسمه ان "هناك عدداً كبيراً من الناس يعتقدون بأن ويسلي سيقول لأي كان ما يرغب بسماعه، ويخبر شخصاً آخر عكس ذلك تماماً بعد خمس دقائق فقط". وقال الجنرال هيغ شيلتون، تعليقاً على ترشيح كلارك: "عرفت ويسلي لفترة طويلة، وأريد أن أقول لك أن سبب خروجه مبكراً من أوروبا كان بسبب أمور تتعلق بالكرامة والخصال الشخصية ... ويسلي لن يحصل على صوتي".
القضية الفلسطينية
لم يكن من الصعب تبيّن موقف كلارك من القضية الفلسطينية، اذ أجمل مواقفه في مقال نشره في مجلة "فورورد اليهودية" 7/11/2003 استهله بالقول إن إسحق رابين قام بخطوة عملاقة عام 1993 بتوقيع اتفاق أوسلو، وأنه منذ مصافحته لياسر عرفات، "ما زال العالم ينتظر السلطة الفلسطينية للقيام بخطوة مشابهة من خلال نزع سلاح مقاتليها، وما زال العالم ينتظر ظهور رابين فلسطيني". ويضيف: "علينا الاّ نشكك أبداً في حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بل أن نواصل تزويدها بالموارد - المالية والديبلوماسية - لمساعدتها في سعيها الى السلام". أما الجدار الفاصل، فهو لا يدعوه جداراً، بل "سياج أمني تبنيه اسرائيل ليس بسبب رغبتها في ذلك، بل لأن الإرهاب أجبرها على بنائه. والسياج لا يشكل عائقاً للعملية السلمية". وحول مفاوضات كامب ديفيد يقول كلارك: "ساعد الرئيس كلينتون الطرفين للاقتراب نحو السلام، لكن عرفات امتنع عن المضي في السلام واختار العنف". ويدعو إلى عدم الضغط على إسرائيل من أجل تقديم تنازلات، كما يدعو "الدول الأخرى للقيام بواجبها ... فخريطة الطريق للسلام لا يمكن أن تنجح عندما يقوم الآخرون بوضع العراقيل في طريقها"، و""يجب أن نستخدم كل وسيلة ممكنة للتحقق من أن حكومات سورية والسعودية ومصر ولبنان والدول الأخرى، تسهّل عملية السلام بدلاً من إعاقتها. ولا يمكن لنا شن حرب فعالة على الإرهاب فيما نسمح لإيران بتمويل الهجمات الانتحارية. ولا يمكن للعالم أن يتوحد ضد تنظيم القاعدة، فيما يتغاضى عن حماس وحزب الله". كما ان "علينا استخدام الوسائل الاقتصادية والديبلوماسية للتحقق من أن المناهج المدرسية والإعلام الحكومي لا يثيران التعصّب والعنف".
وذهب كلارك إلى أبعد من ذلك في مقابله أجرتها معه مجلة "رولنغ ستون" 11/9/2003، اذ قال رداً على سؤال حول ما اذا كان يعتقد بضرورة التضييق على ارييل شارون، بالقول: "ان إسرائيل محاطة بدول تريد تدميرها، وكل دولة تتعرض للاعتداء تملك الحق بالدفاع عن النفس، وحق الدفاع عن النفس هو الحق بتوجيه ضربة استباقية لوقف أي تهديد. لهذا أدعم تماماً الجهود الإسرائيلية بملاحقة أولئك الإرهابيين قبل أن يتمكنوا من ضرب إسرائيل". ولكن ماذا عن الفلسطينيين؟ أجاب بالقول: "استخدمت الدول العربية الفلسطينيين سلاحاً ضد إسرائيل ... لقد حوصروا وحُرموا من حق الحصول على الجنسية، ولم يُمنحوا فرصة الانصهار في المجتمع. كل هذا يجب أن يتغيّر، فهم بشر ككل الناس، ويستحقون الحصول على فرصة أخرى". والفرصة الأخرى، كما هو واضح هنا، تكون فقط خارج فلسطين.
* باحث أردني مقيم في نيويورك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.