طالب أحمد قريع أبو علاء المرشح لخلافة رئيس الوزراء المستقيل محمود عباس ب"ضمانات دولية واسرائيلية" لتغيير الاوضاع الامنية القائمة في الاراضي الفلسطينية، بما في ذلك رفع الحصار المفروض على حركة الرئيس ياسر عرفات منذ نحو عامين. وجاءت شروط قريع قبل تسلمه رسميا المرسوم الرئاسي بتكليفه تشكيل حكومة فلسطينية ستكون الرابعة خلال عام. وبدا ان قريع عاقد العزم على ولوج اللعبة السياسية الجديدة على أسس مختلفة فلسطينيا واسرائيليا ودوليا، من دون ان تلوح في الافق ضمانات بامكان نجاحه في ذلك في ظل ما يعتبره مراقبون قراراً اسرائيلياً استراتيجيا بعدم تنفيذ خطة "خريطة الطريق" وبالتعامل مع السلطة الفلسطينية بكافة اطرها على انها غير موجودة. على رغم التغير الطفيف الذي طرأ على الموقف الاسرائيلي ازاء أحمد قريع أبو علاء رئيس المجلس التشريعي ورئيس الوزراء المرشح لخلافة محمود عباس أبو مازن، صعدت الحكومة الاسرائيلية موقفها المعارض لوجود الرئيس ياسر عرفات على المسرح السياسي الفلسطيني، اذ كشف وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم ان الاجهزة الامنية الاسرائيلية عدلت عن موقفها السابق المعارض لطرد عرفات، مضيفا في تصريحات: "طرأ تغيير كبير جداً على موقف الاجهزة الامنية ازاء مسألة طرد عرفات مقارنة بمواقفها قبل سنة او سنتين"، ومشيراً إلى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون سيترأس قريبا اجتماعا "للبحث في مسألة طرده". وكانت مصادر صحافية اسرائيلية اكدت ان المحطة المقبلة في الحملة الاسرائيلية لطرد الرئيس الفلسطيني ستكون خلال زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز لواشنطن الاسبوع المقبل. وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية ان موفاز سيطرح هذه المسألة "كقضية محورية" في محادثاته مع المسؤولين الاميركيين "لكي يستمع الى مواقف هؤلاء من مصدر اول". واضافت المصادر ان الادارة الاميركية "لم تعط ضوءاً أخضر لإسرائيل لطرد عرفات، لكن في الوقت ذاته لا يوجد ضوء أحمر ازاء ذلك"، والمسؤولون الاميركيون طلبوا من نظرائهم الاسرائيليين "عدم مفاجأتهم واستشارتهم قبل ان تقرر اسرائيل المس بعرفات او طرده"، مشيرين الى ان عملية الطرد "لا تصب في المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة". ويأتي هذا التصعيد الاسرائيلي رغم معارضة وزير الخارجية الاميركي كولن باول ومستشارة الأمن القومي للرئاسة الاميركية كوندوليزا رايس العلنية لمثل هذا الاجراء، في الوقت الذي يستعد فيه قريع للاستقالة من منصبه رئيساً للمجلس التشريعي بعد اعلانه قبوله المبدئي لمنصب رئيس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة. شروط قريع لقبول المنصب غير ان قريع أكد انه سيفكر ملياً قبل الاعلان عن قبوله النهائي، موضحا انه يريد ضمانات دولية واسرائيلية بعدم ابقاء الاوضاع الحالية على ما هي عليه. وقال: "لست مستعداً للفشل… لست رئيساً للوزراء بعد، وأريد ان افحص الضمانات الاميركية والاوروبية واريد ان اعرف ان كان السلام ممكنا". كما دعا اسرائيل الى تغيير سياستها ورفع الحصار عن الرئيس ياسر عرفات ووقف "الحرب الشاملة" التي اعلنتها على المتشددين الفلسطينيين. وجاءت تصريحات قريع قبل ساعات من اجتماع للجنة المركزية لحركة "فتح" كان مقررا ان يعقد مساء امس وان يطلب خلاله الرئيس الفلسطيني من قريع من خلال مرسوم رئاسي تشكيل حكومة جديدة بعد تعيينه رئيساً للوزراء. قريع يلتقي ديبلوماسيين اجانب وبدأ قريع يومه الاول بعد اقرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة "فتح" ترشيحه لرئاسة الوزراء، بعقد لقاءات واجتماعات متتالية مع ديبلوماسيين وممثلين دوليين، خصوصا من دول الاتحاد الاوروبي حصل خلالها على دعم اوروبي كامل له في منصبه الجديد. ووفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني الدستور يجب على رئيس المجلس التشريعي ان يستقيل من منصبه قبل قبوله تولي منصب في السلطة التنفيذية. وسيخلف قريع النائب الاول لرئيس المجلس ابراهيم أبو النجا الى حين عقد جلسة للمجلس ينتخب خلالها اعضاؤه رئيسا جديدا يجب ان يحصل على تأييد نصف "1 من مجمل عدد النواب. وذكرت مصادر فلسطينية ان عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" من بين المرشحين لخلافة قريع في رئاسة المجلس التشريعي. وقبل ساعات من اصدار الرئيس الفلسطيني مرسوما رئاسيا بتعيين قريع رئيسا للوزراء، اعلن الاخير انه "ليس مستعدا للفشل"، في اشارة الى رفضه تكرار تجربة سلفه ابو مازن الذي لم تصمد حكومته أكثر من 110 أيام أمام مطرقة جيش الاحتلال العسكرية وسندان الحكومة الاسرائيلية السياسي، في وقت وقفت فيه الولاياتالمتحدة موقف "المتفرج" على الانهيار التدريجي والمتسارع لهذه الحكومة الفلسطينية التي، ان أرست اسساً جديدة للعلاقات في النظام السياسي الفلسطيني الجديد، فقد فشلت في تجاوز الأزمة التي شهدتها مؤسسة رئاسة الوزراء مع مؤسسة الرئاسة، وتحديداً عرفات نفسه واللجنة المركزية لحركة "فتح". وفي الشأن الداخلي الفلسطيني، سبر قريع خلال الاسابيع الماضية اعماق هذه الأزمة وعنوانها تقاسم الصلاحيات والوظائف انطلاقا من موقعه كرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، ودور الوساطة الذي لعبه بين عرفات وعباس. وهو الذي بلور مع عدد من النواب فكرة "الوثيقة الملزمة" لكل من رئيس الوزراء ورئيس السلطة وتوضح صلاحيات كل منهما بما يضمن "التكامل الوظيفي". وتشتمل الوثيقة ايضاً على استحداث منصب نائب رئيس الوزراء كذلك تكريس منصب وزير الداخلية الذي كان، حتى تشكيل حكومة محمود عباس، حكراً على رئيس السلطة رئيس منظمة التحرير عرفات. غير ان "معضلة" توحيد الأجهزة الأمنية تحت ولاية وزارة الداخلية بصورة فعلية ما زالت قائمة وربما أمكن، في نظر قريع، تجاوزها ليس فقط في إطار تشكيل المجلس القومي الاعلى، بل بإقامة "علاقة صحية" مع الرئيس المنتخب من خلال رفع الحصار عنه ووقف المقاطعة التي تفرضها الولاياتالمتحدة واسرائيل ضده. وهنا ايضا كانت المهمة شبه مستحيلة امام عباس على رغم "التقدم" الذي أحرزه خلال زيارته لواشنطن في هذا الصدد وحصوله على "لعم" اميركية بهذا الشأن. وفي "العلاقة" الفلسطينية - الاسرائيلية، ربما سيكون قريع "أوفر حظاً" في هذا الشأن، فهو التقى شخصياً وأكثر من مرة وعلى اسس مغايرة، رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، اضافة الى ان تاريخه التفاوضي في اوسلو وعلاقاته المميزة مع شمعون بيريز تمنحه "خبرة" المناورة التي لم تتأت لعباس الذي جاءت حساباته على غير ما اراد، إذ خذلته اميركا وعمل شارون نفسه بلا هوادة لافشال برنامجه السياسي. وهنا ايضاً يرى محللون ان قريع لن يكون أوفر حظاً في تغيير الأوضاع على الارض طالما بقيت الحكومة الاسرائيلية على موقفها المتصلب والرافض دفع ثمن سياسي واستحقاقات تمليها عليها خطة السلام الدولية المدعومة اميركياً المعروفة ب"خريطة الطريق"، بل وترفض حلا يرضيها لجهة وقف المقاومة الفلسطينية المسلحة من دون ان يصل الى حرب اهلية واقتتال فلسطيني داخلي. وربما، لهذه الأسباب مجتمعة، تحدث قريع حتى قبل قبوله تولي مهمته الجديدة عن "ضمانات اميركية واوروبية" ل"امكان تحقيق السلام" وليس حتى ل"ضمان تحقيق السلام". هذه الضمانات وأقل منها بكثير، كان قريع خبرها قبل غيره مع الاميركيين والاسرائيليين في اتفاقات اوسلو التي وقعها مع المسؤولين الاسرائيليين قبل ان يوقع عليها عباس وعرفات في البيت الابيض، ولم تشفع للفلسطينيين في الحرب التي تشنها اسرائيل ضدهم فكيف لضمانات ان تجدي في ظل اعلان اسرائيل الواضح والصريح بأنها "ستقضي على المقاومة حتى آخر عنصر فيها؟".