Frژdژrique Sachwald. Mondialisation, Innovation et Inegalites. العولمة والتجديد والتفاوتات. Ifri, Paris. 2003. 64 Pages. العولمة، في الأدبيات المناهضة لها، موضع اتهام متعدد البنود. في رأس هذه البنود اتهامها بأنها خلاقة للتفاوتات. وطبقاً لهذا الاتهام، فإن العولمة لا تفعل شيئاً سوى أن تعمق الحفرة - التي كانت حفرتها الرأسمالية الليبرالية - بين البلدان المتقدمة والبلدان المتخلفة، كما بين أغنياء العالم وفقرائه بحيث لا يزداد الأغنياء إلا غنى، ولا يزداد الفقراء إلا فقراً. مؤلف هذه الدراسة لا يقلب الاتهام إلى عكسه، لكنه يحذر أيضاً من تبنيه بحرفه. فمن دون أن يرى في العولمة مركب خلاص البشرية، يرفض أيضاً اتخاذها مشجباً لتعليق كل شرور العالم عليه. ففي العولمة، من دون أدنى شك، رابحون وخاسرون، لكن موقع هؤلاء في رقعة شطرنج العولمة ليس محدداً سلفاً. وقد يكون أشد الخاسرين خسارة هم الرافضون بشكل مسبق للدخول في لعبتها. هل صحيح أن العولمة خلاقة للتفاوتات؟ إن المعطيات الاحصائية لا تؤكد هذا الاتهام، على الأقل في شكله المطلق. صحيح كل الصحة ما يورده مناهضو العولمة من أرقام عن تعاظم هوة الفقر في القارة الافريقية، وعن جمود عتبة الفقر في شبه القارة الأميركية اللاتينية، لكن الفقر المطلق في العالم لا يني في نكوص وتراجع منذ مطلع الثمانينات، أي منذ السنوات نفسها التي يؤرخ بها لميلاد العولمة. فلئن يكن دخل الإنسان الافريقي قد نقص بمعدل 15 في المئة خلال العشرين سنة الماضية، فإن دخل الإنسان الآسيوي قد تضاعف، في المقابل، في الفترة نفسها ثلاث مرات. والحال أن الآسيويين يؤلفون أكثر من 60 في المئة من سكان العالم، على حين أن الافريقيين لا يمثلون سوى 13 في المئة. فعندما يزداد دخل ثلاثة بلايين وثلاثة أرباع البليون من البشر وهذا هو تعداد سكان آسيا بمعدل 300 في المئة، وينقص دخل 810 ملايين من البشر وهذا هو تعداد سكان افريقيا بمعدل 15 في المئة، وهذا في الحالتين معاً على مدى عشرين سنة، فإن الفقر العالمي يكون قد تراجع نسبياً، وإن يكن الفقر الافريقي قد بقي مطلقاً. وإذا أخذنا حالة بلد بعينه، وهو الصين، فسنلاحظ أن العولمة كانت فرصته المؤاتية للانتقال من وضعية بلد يحتل موقعه في لائحة البلدان الخمسة عشر الأكثر فقراً في العالم، إلى وضعية بلد نام في سبيله إلى ردم هوة التخلف. فعلى امتداد الخمسينات والستينات والسبعينات كان دخل الفرد الصيني يتراوح بين دولار واحد ودولارين اثنين في اليوم. لكن خلال السنوات العشرين التي يؤرخ بها لعصر العولمة، زاد دخل الفرد الصيني من 2.7 دولار عام 1980 الى 14.4 دولار عام 2001، اي انه تضاعف أكثر من خمس مرات. والحال ان الصين تؤلف وحدها خُمس البشرية. وبديهي ان الفارق لا يزال شاسعاً بينها وبين مجموعة البلدان الخمسة عشر الأغنى في العالم، لكنه قد أضحى شاسعاً ايضاً بنيها وبين مجموعة البلدان الخمسة عشر الأفقر في العالم. فدخل الفرد في مجموعة البلدان الأغنى بلغ في 2001 نحواً من 78.8 دولاراً في اليوم. وبالقياس الى الدخل اليومي للفرد الصيني 14.4 دولار فإنه يبقى متفوقاً بنحو من خمسة أضعاف ونصف الضعف. لكن الدخل اليومي للفرد الصيني يبقى متفوقاً بأكثر من ثمانية اضعاف على الدخل اليومي للفرد المنتمي الى مجموعة البلدان الخمسة عشر الأفقر في العالم، والبالغ في 2001 نحواً من 1.7 دولار. وبالقياس دوماً الى الدخل اليومي، فإن الأرقام المتاحة لا تدع مجالاً للشك في ان اللامساواة العالمية قد ضاق هامشها خلال الأربعين سنة الأخيرة، وإن تكن اللامساواة الدولية بين أغنى بلدان العالم وأفقر بلدان العالم قد اتسع هامشها. فعلى الصعيد العالمي تضاعف الدخل اليومي للفرد الوحد من البشر نحواً من ضعفين وثلث الضعف، اذ ارتفع من 8.6 دولار عام 1960 الى 14.5 دولار عام 1980 الى 19.9 دولار عام 2001. لكن من المنظور اللامساواة الدولية التي ينبغي التمييز بينها وبين اللامساواة العالمية، فإن الهوة اتسعت بدلاً من ان تضيق. ففي 1960 كان الدخل اليومي للفرد المنتمي الى مجموعة البلدان الخمسة عشر الأغنى في العالم يتفوق بنحو 11 ضعفاً ونصف الضعف على دخل الفرد المنتمي الى مجموعة البلدان الخمسة عشر الأفقر في العالم، فقد بلغ في حينه 26.6 دولار مقابل 2.3 دولار. لكن هذا الفارق ارتفع في 1980 الى 22 ضعفاً، وفي 2001 الى 46 ضعفاً. والواقع ان هذا التفاقم في هوة اللامساواة الدولية لا يعود الى كون البلدان الفقيرة قد ازدادت فقراً، بقدر ما يعود الى كون البلدان الغنية قد ازدادت غنى. وهذا التعليل يبرز بمزيد من السطوع في حال الولاياتالمتحدة الاميركية. فقد ارتفع الدخل اليومي للفرد فيها من 35.4 عام 1980 الى 90.1 دولار عام عام 2001، هذا على حين ان الدخل اليومي للفرد في دول الاتحاد الاوروبي لم يرتفع في الفترة نفسها الا من 22.4 عام 1960 الى 8،42 عام 1980 الى 60.3 عام 2001. واذا عدنا الآن الى فكرة الرابحين والخاسرين في رهان العولمة، فلنا ان نلاحظ ان هناك رابحاً اكبر هو الولاياتالمتحدة الاميركية التي ضاعفت ناتجها القومي خلال سنوات العولمة العشرين اكثر من ثلاث مرات، اذ ارتفع من 2957 بليون دولار عام 1980 الى 9944 بليون دولار عام 2001. وتأتي في المرتبة الثانية بلدان الاتحاد الاوروبي التي ضاعفت في الحقبة نفسها ناتجها الاجمالي اقل من ثلاث مرات، مثل المانيا التي ارتفع ناتجها القومي من 812 بليون دولار عام 1980 الى 2111 بليون دولار عام 2001 وفرنسا التي ارتفع ناتجها القومي من 547 بليون دولار الى 1488 بليون دولار، وبريطانيا التي ارتفع ناتجها القومي من 511 بليون دولار الى 1463 بليون دولار، وايطاليا من 537 بليون دولار الى 1414 بليون دولار. وفي هذه المرتبة الثانية ايضاً تحتل اليابان موقعها حيث ارتفع ناتجها القومي من 1161 بليون دولار عام 1980 الى 3470 بليون دولار عام 2001. واذا كانت مجموعة البلدان الصناعية الجديدة في جنوب شرقي آسيا تأتي في المرتبة الثالثة من حيث الارقام المطلقة، فانها تأتي في المرتبة الاولى من حيث المعدلات النسبية. اذ ضاعفت ناتجها الاجمالي في سنوات العولمة ما بين سبعة اضعاف وعشرة اضعاف، كما في مثال كوريا الجنوبية التي ارتفع ناتجها القومي من 115 بليون دولار عام 1980 الى 863 بليون دولار عام 2001. ويأتي في المرتبة الرابعة عملاق آسيا الصيني الذي ارتفع ناتجه القومي من 455 بليون دولار عام 1980 الى 5020 بليون دولار عام 2001. ويليه في الخامسة العملاق الهندي بناتجه القومي الذي ارتفع في السنوات اياها من 459 بليون دولار الى 2995 بليون دولار. ومن دون ان يكون العالم الاميركي اللاتيني والعالم العربي الاسلامي من الرابحين فانهما ليسا ايضاً من الخاسرين: فهما يراوحان في مكانهما اذ ان نموهما الاقتصادي يكافئه اجمالاً نموهما الديموغرافي. لكن على حين ان اميركا اللاتينية حققت خلال سنوات العولمة تقدماً طفيفاً فالدخل اليومي للفرد الاميركي اللاتيني ارتفع من 18 دولاراً عام 1980 الى 19.8 دولاراً عام 2001، بينما انخفض دخل الفرد العربي في السنوات اياها من 14.5 الى 13.2 دولاراً في اليوم. ويبرز اخيراً في سباق العولمة خاسران كبيران: مجموعة بلدان افريقيا جنوبي الصحراء، ومجموعة بلدان اوروبا الشرقية الاشتراكية سابقاً. فالدخل اليومي للفرد الافريقي انخفض من 4.6 الى 3.9 دولاراً كما انخفض دخل الفرد الاوروبي الشرقي من 22.6 الى 15.5 دولاراً. لكن تبقى خسارة اوروبا الشرقية نسبية. فخسائر هذه الاخيرة في سنوات العولمة لا تعود الى العولمة نفسها، بل الى التكاليف الباهظة نسبياً لمرحلة الانتقال من الاشتراكية الى الرأسمالية.