يتواصل "مهرجان بيروت لعروض الشارع" في مختلف أحياء العاصمة اللبنانية حتّى الثالث من تشرين الأول أكتوبر. وتضم هذه التظاهرة الفريدة من نوعها، عروضاً مسرحية، وأخرى راقصة، أو تشكيلية، لم تنتظر أن يأتي الجمهور إليها. حملت ادواتها وأفكارها ونزلت الى الشارع لتباغته في الشوارع والساحات العامة. خلال "الفرجة" يحق للمشاهد التفاعل كما يشاء مع ما يقدّم له. قد يسخر مما يعرض امامه ويواصل طريقه، قد يتمكن من ايجاد مكان له في احد العروض، فيشارك على طريقته بأدوار تمثيلية راقصة وغنائية، يمكنه اختبار طريقة أدائهم من الزاوية التي تناسبه، من المسافة التي ترضيه... وبين هذه العروض نتوقّف عند "فرقة الطنبورة" الآتية إلى بيروت من مدينة بورسعيد. لملم زكريا ابراهيم تاريخ بورسعيد وتراثه. عزّ عليه اندثار تاريخ المدينة التي لعبت دوراً بارزاً في المقاومة الشعبية للعدوان الثلاثي على مصر. اخترق ما احدثه الانفتاح الاقتصادي في مصر، وتحوّل بورسعيد الى منطقة حرة، في منظومة القيم الاجتماعية والفنية محاولاً استرجاع "اللي فات" والحفاظ عليه من جديد. فتش في بورسعيد عن كبار مغنّي التراث الذين تعبوا من الزحف الفني التجاري، فجمعهم من بيوتهم والمقاهي... فكانت الطنبورة. هي آلة قبل ان تكون اسماً لفرقة شعبية، عمرها حوالى 4000 سنة. كانت تستعمل فقط في ما يسمى بالزار. وهو طقس شعبي يهتم بعلاج "المعذورين" اي "اللي بتبقى ارواحهم متلبّساهم". انتشل زكريا ابراهيم الآلة من الزار عام 1994 لتساند آلة السمسية الوترية الشبيهة بها. افراد الطنبورة "بور سعيدية فلهوية، ولاد المرسى البحرية"، هكذا يقولون. الأداء "بلدي"، ذاتي مفعم بجغرافية صعيدية طيبة. اللغة محلية بسيطة وعميقة في آن، تتوجه من الإنسان الى الإنسان فقط. عم رجب من كبار اعضاء فرقة الطنبورة - يصف ما تقدمه الفرقة من تراث شعبي بورسعيدي ب"حاجة تحيي النفس، حاجة ما داخلهاش شر". شعار الفرقة "الموت رقصاً"، فما يقدمونه لا نهاية له. إنه علاج للروح المثقلة "برأسمالية العصر". غايتهم ايجاد مساحة للتفاعل مع الإنسان اينما كان ومدّه بنشوة الفن. هذا الهدف بالنسبة الى عم رجب ليس عبثياً، خصوصاً حين يسافرون بتراثهم الى البلدان الأجنبية. همه ينحصر في التأكيد على اننا "كعرب لسنا ارهابيين" لأن "أرواحنا عالية قوي قوي". حين قدموا تراثهم الشعبي على شاطئ الرملة البيضاء وقبله في وسط بيروت، كانت الأغاني الكوميدية والنكات ابرز مطالب الجمهور الحاضر. غنوا للعلاقة بين الرجل المصري وزوجته "يا عزيزة هاتي البريزة من عن الطربيزة"، قدموا فقرات تقليد للمسحراتي في مختلف المحافظات المصرية. لم ينسوا تاريخ بورسعيد في حرب 1956، وجمال عبدالناصر. لكن تقنية الصوت الرديئة لعبت دوراً في الحد من اكتمال التفاعل الذي شكّل مع الحضور للمرة الأولى في مهرجان بيروت أبرز سمات العرض.