تفادياً لأي احراج، اكتفت القمة التي جمعت العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في نيويورك، بالإعلان عن تشكيل فريق عمل للتصدي للهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب و"كل ما من شأنه أن يهدد الأمن والاستقرار والسلام في البلدين". والراصد لتطورات العلاقات بين المغرب والجزائر سيلاحظ أن البيانات الرسمية الصادرة عن البلدين، كلما حدث بعض الانفراج، تروم لغة الاشارات والرموز بسبب صعوبات الإعلان الصريح عن المواقف. فالمشاكل القائمة بين الرباطوالجزائر أكبر من حصرها في قضايا الهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب. ويمكن أي طرف أن يفسر مفهوم تهديد الأمن والاستقرار وفق منظوره للأزمة القائمة. فقد يعني بالنسبة الى المغاربة أن السلام والأمن والاستقرار مرتبطة بتكريس السيادة وانهاء مشكلة الصحراء سياسياً. وبالمقدار نفسه قد ترى فيه الجزائر اقراراً بضرورة تقرير المصير في ملف الصحراء. كذلك فإن محاربة الهجرة غير الشرعية عنوان مفتوح على احتمالات عدة، كون التزام الموقف يحيل إلى انهاء مشاكل ترسيم الحدود ومعاودة فتحها بعد إغلاق يكاد يدخل العام العاشر. لكنه قد يبسط المشاكل في اتجاه تشديد الرقابة على الحدود والمعابر التي ينفذ منها مهاجرون مغاربيون وأفارقة قادمون من بلدان ساحل الصحراء. والحال أن اختزالاً كهذا للمشاكل قد يجعل البيان الصادر عن القمة المغربية - الجزائرية قابلاً للانسحاب على أي علاقة أخرى. والأقرب إلى ذلك أن قضايا الهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب وتثبيت السلم والاستقرار يمكن أن تنطبق على العلاقات المغربية - الاسبانية، أو العلاقات الجزائرية - الاسبانية، ما يعكس حقيقة أن استخدام الرموز في علاقات البلدين الجارين يجسد مكامن الحذر وعدم الحسم. أبعد من هذا التبسيط، أن انعقاد القمة المغاربية - الجزائرية، ولو في نيويورك، خطوة ايجابية. فالملفات العالقة بين البلدين منذ ما يزيد على 30 سنة لا يمكن الإحاطة بها وحلها في محادثات تقاس بالدقائق، لكن البعد السياسي في التوجه نحو حل المشاكل يستند إلى الإرادة السياسية أولاً، وإلى سيادة الاعتقاد بأن استقرار البلدين وضمان أمنهما وترسيخ أسس السلم في منطقة أفريقيا الشمالية يفيد البلدين معاً. وكما أنه يصعب تجزئة القضايا العالقة المترابطة مع بعضها بعضاً، فإنه يصعب الاستناد إلى مقولة الغالب والمغلوب في علاقات شائكة من هذا النوع، لكن منطق التعايش مع المشاكل يمكنه أن يصبح الخيط الرفيع لتفكيك الألغاز. فقد جرب المغاربة أن يتكيفوا مع استمرار نزاع الصحراء، وطاول الموقف التخطيط الاقتصادي والسياسي وخوض المعارك الديبلوماسية افريقياً واقليمياً ودولياً. كذلك، فإن الجزائريين بدورهم لم يتعبوا من استمرار تقديم الدعم لجبهة "بوليساريو"، لكن الخاسر في ضوء هذا التعايش السلبي هما البلدان معاً. وبالتالي يصبح بناء الثقة مطلوباً في معاودة استقراء المواقف والنتائج. قد تكون لالتئام القمة المغربية - الجزائرية في نيويورك دلالات سياسية، أقربها ترك ملف الصحراء لتعاطي الأممالمتحدة، بيد أن هذا التعاطي يحتاج إلى التعاون الكامل، طالما أن الأممالمتحدة في حد ذاتها لا يمكن أن تفرض الحل خارج وفاق بين الأطراف المعنية. وإذ يصدر عن الرئيس الأميركي جورج بوش ما يفيد بهذا التوجه، فإن الكرة تصبح في الملعبين المغربي والجزائري، والفرص لا تتكرر بالمواصفات ذاتها. وبقليل من النظر إلى الوراء، سيدرك المغاربة والجزائريون على حد سواء، أنهم اضاعوا طريق التعايش منذ عقود. ولا بأس من النظر إلى الوراء قليلاً، لكن على أساس التقدم إلى أمام، ولا أحد يمكنه أن يقدم للاخوة المتخاصمين وصفات في السياقة عندما تكون الأهداف واضحة والطريق معبدة إلى حد ما.