اعتبر وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي ان الأزمة في العراق تبدو في نهايتها وان الوضع في هذا البلد عقب سقوط بغداد أفضل مما قبله. وأعرب في حوار مع "الحياة - ال بي سي" عن اعتقاده بأن "كل الدول العربية في قرارة نفسها لا تريد أن تغادر القوات الأميركية العراق في هذا الوقت، لأن ذلك سيعرض البلد لمزيد من الأزمات الداخلية"، مشيراً الى الحاجة الى أن تتولى السلطة حكومة ديموقراطية منتخبة ضمن إطار الدستور وضمان أن الأرض العراقية أصبحت مطمئنة ومستقرة، وعندها لن تكون هناك مبررات لبقاء القوات البريطانية والأميركية والقوات الأخرى. وفي ما يأتي نص الحوار: هناك قلق في المنطقة عموماً وفي الخليج خصوصاً بسبب ما يحدث في العراق، هل العراق في أزمة أم الاحتلال في أزمة؟ - لا شك في أن العراق يمر في أزمة، لكن ربما تكون في نهايتها، إذ ان أزمة العراق بدأت منذ 15 عاماً وربما أكثر، وأعتقد حينما ننظر الى العراق اليوم أو بعد سقوط بغداد على سبيل المثال يمكننا القول ان الوضع أفضل من تلك الأيام وهذه هي طبيعة الأشياء، الناس بدأت تتعامل مع واقعها. انتم تعتبرون اجتياح العراق في مصلحته في نهاية المطاف؟ - نأمل أن لا تكون القوات البريطانية والأميركية جاءت لاحتلال العراق أو لاستعماره، وإنما لأهداف معينة ولأسباب معينة وفي ظروف معينة، ونأمل أن تنتهي هذه في أقرب الأوقات وأن تتحقق المبادئ التي قيل انها ستكون لمصلحة العراق. الأميركيون يقولون ان العمل العسكري هو في جانب منه مدخل الى تغيير في المنطقة نحو الديموقراطية، ألا ترون خطراً وخطأ في التغيير عبر القوة العسكرية؟ - الكلام كثير لكن العبرة في النتائج... النتيجة جيدة إذاً؟ - النتائج هي التي ستحدد المسارات الإيجابية منها والسلبية، إذا كان العراق سيكون هي النموذج كما يقال، فأمامه وقت طويل ليكون نموذجاً. لماذا لا تقوم الدول العربية بإصلاح من الداخل بدلاً من انتظار الإصلاح من الخارج؟ - في الداخل، ليس هناك من يرى ان ليس هناك إصلاح إلا في الغرب، أما في العالم العربي فالناس مقتنعون ان الأمور في أحسن أحوالها. يبدو لي أنك تنظر الى عالم عربي غير الذي أعرفه لأن معظم الشعوب العربية ترى أن الوضع الراهن ليس في مصلحتها. فهي لا تنتخب ولا تشارك في صنع القرار... - هذه مسألة فلسفية، بمعنى آخر يمكن أن تكون النظرة موقع جدل بين الناس، لكن أهم ما يمكن أن يكون، هو أن يكون الناس مطمئنين الى حياتهم وأرزاقهم، والى أن النظام الذي يسوسهم هو نظام عادل. وأين هذا في الدول العربية؟ - الحياة هكذا. أنا لا أريد أن أدخل معك في جدل في هذا، لكن الحياة ليست هي الجنة، ونحن في الدنيا، وتوجد مشكلات في كل مكان، وظروف غير مواتية، ونظام الحكم لا يمكنه في أفضل الأحوال أن يجمع آراء الناس على رأي واحد. الأميركيون مختلفون في ما بينهم على صلاحية النظام الذي يحكمهم. لكن هناك انتخابات وديموقراطية. - عندما نتكلم عن النظام الصالح لكل الناس، فهذه مسألة جدلية. أنت مرتاح الى الوضع الراهن في العالم العربي؟ - الإنسان طموح دائماً ويتطلع الى أن يحقق المزيد من الإنجازات وهذا هو حال العرب والدول والأمم كلها، المقصود أن لكل بلد ولكل دولة ظروفاً واجتهادات، ولا يمكننا أن نوافق الغرب كلامه إذا قال ان النظام في البلاد العربية غير صالح، قد تكون هناك نواقص وظروف لم يتم تجاوزها، وقد تكون ثمة معطيات، هم لا يرونها. متى تودون انسحاب القوات الأميركية من العراق؟ - أعتقد ان مسألة الانسحاب ليست مسألة رغبة متى نريد أو لا نريد، ينبغي أن تخضع لقياسات العراقيين أنفسهم. العراقيون هم في مرحلة بناء سياسي جديد، وهذا لا يمكن أن يأتي بين ليلة وضحاها، لا بد من أن يأخذ الوقت الكافي. أنا أعتقد أن كل الدول العربية مجتمعة الآن في قرارة نفسها لا تريد أن تغادر القوات الأميركية العراق في هذا الوقت، لأن مغادرتها في هذا الوقت وبإجماع الآراء ستعرض العراق لمزيد من الأزمات الداخلية. في أي جدول زمني معقول تتصورون خروج القوات الأميركية؟ - الى أن تتولى السلطة حكومة ديموقراطية منتخبة ضمن إطار الدستور وضمان أن الأرض العراقية أصبحت مطمئنة ومستقرة. في هذا الوقت يجب ألاّ يكون هناك مبررات لبقاء القوات البريطانية والأميركية والقوات الأخرى المتعددة الأطراف الموجودة الآن. أنا لا أريد أن أجتهد، لكن في حالات شبيهة حصلت في عدد من دول أخرى في العالم ليس أقل من سنتين. هل ترى أن هناك استعداداً لدى البعض في مجلس التعاون الخليجي لتقديم قوات أو أموال في هذه المرحلة باعتبار أن يتم الانسحاب بعد سنتين؟ - هذا ليس الأمر المطلوب. المطلوب أن تتمكن القوى السياسية العراقية في ذاتها من بناء العراق الجديد. العراق يزخر بالامكانات، القوى السياسية فيه ناضجة وليست حديثة العهد. وما هي مسؤولياتكم كدول جوار؟ - مسؤولياتنا كدول جوار هي أن نطمئن الى أن العراقيين متحدون في ما بينهم وانهم راضون عما يعملون من أجله، وأنا أعتقد أن العراق ليس في حاجة الى وصاية أحد، لا من دول الجوار ولا من غيرها. إنما وجود القوات الأجنبية، هو واقع يعيشونه نتيجة ثلاثين عاماً من المد والجزر في العراق. هناك حملة من أوساط أميركية، على بعض الدول العربية بينها كسورية والمملكة العربية السعودية وأيضاً على إيران. ماذا ترى وراء هذه الحملة هل تشعر أن هناك أهدافاً مغرضة في حق المملكة من جانب السياسة الأميركية الرسمية أيضاً؟ - أعتقد أن حتى الإدارة الأميركية أعربت عن عدم رضاها عن الحملة التي تشن على المملكة العربية السعودية بالذات في وسائل الإعلام الأميركية، وأعتقد أن هناك الكثير من عدم الوضوح من هذه الوسائل، أو قد تكون الحملة في بعض الجوانب مقصودة، وهذا أيضاً جزء من الحوار السياسي. ماذا تعني بذلك؟ - يعني أن الحملات الإعلامية والتصريحات، والتصريحات المضادة هي جزء من العملية السياسية، أي من الحوار السياسي، إذا أردت أن أوضح هناك أطراف قد تكون تحاول التأثير في طرف آخر من طريق الحملات الإعلامية السياسية. هل ترى ان في ذهن الإدارة الأميركية إجراء تغيير في دول المنطقة عبر الفوضى أو عبر قوة عسكرية؟ - أعتقد ان المسألة إذا كانت لها علاقة بالمصالح الاقتصادية، فليس هناك أحد في حاجة الى استخدام وسائل غير شرعية من أجل حماية هذه المصالح، المصالح هي أصلاً موضع احترام من جانب الحكومات. الفوضى هي التي لا تحمي المصالح، أما المصالح فيجب أن تحمى من جانب الحكومات على أساس قاعدة من الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. فلو عمّت الفوضى الشرق الأوسط، كيف تستطيع أميركا أن تحمي مصالحها؟ هناك كلام عن استهداف سورية وعن استهداف إيران، أترى أنكم تفعلون ما فيه الكفاية لإقناع الأميركيين بأن الفوضى ليست لمصلحتها؟ - كما ذكرت لك، في قاموس السياسة في الوقت الحاضر هذا النوع من الإعلام وسيلة سياسية لتأثير كل طرف في الآخر. هذه وسائل من وسائل التأثير في السياسة، مسألة التغيير، هذه مسألة تقال، لكن لا يمكن أن نقيس كل شيء على الوضع في العراق، وضع العراق مختلف تماماً، أنت تعلمين أن العراق دخل في حروب عدة أدت به الى هذا الوضع الذي هو فيه، وهذا الوضع لا ينطبق على أي دولة أخرى في الشرق الأوسط، إنما الحوار والضغوط المتبادلة أمور وقتية ومرحلية، وهي ليست المرة الأولى، لكن يجب ألاّ نربط حينما نرى هذا النمط من السياسة أو هذا النمط من وسائل الإعلام أن نربطها وكأنها وسيلة من وسائل تغيير الأنظمة، أعتقد مهما كان الأمر، فإن الشعوب العربية لن تقبل بهذه البساطة أن يأتي تغيير من الخارج. الإدارة الأميركية قررت عدم التعاطي مع الرئيس ياسر عرفات واشتراط أن تقوم أي حكومة فلسطينية بما عليها القيام به بموجب "خريطة الطريق" من دون مطالبة اسرائيل بخطوات موازية. ماذا تفعل الدول العربية لمواجهة ذلك؟ - أولاً، معلوم ومعروف والأمر لا يحتاج الى تحليل ان الولاياتالمتحدة الأميركية تنحاز الى إسرائيل مئة في المئة، هذا كلنا نعلمه في العالمين العربي والعالمي، والفلسطينيون يعلمونه قبل غيرهم، وإسرائيل تعتمد في كل سياساتها على الموقف الأميركي وهذا أيضاً معلوم. إذن السياسة الأميركية التي نريدها أن تكون متوازنة هي في غير وارد، فسياسة الولاياتالمتحدة ليست سياسة إدارة معينة بعينها، بل السياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة هي أن تقف الى جانب اسرائيل وأن تضمن سلامتها وأمنها، وبالتالي إذا علمنا هذا عندئذ يبقى علينا أن نتصرف بشيء من الحكمة والتبصر في هذا الأمر. أعتقد أنه الى حين ما وصلت الحال الى هذا، أصبح من المستحيل أو يكاد يكون مستحيلاً أن يتمكن الفلسطينيون أو أي طرف فلسطيني من إقامة نوع من المفاوضات المعقولة المركزة مع الإسرائيليين، هذا الأمر الآن فيه شيء من الاستحالة، وقد يكون من المناسب أن مستقبل المفاوضات قد يكون بين الجامعة العربية وإسرائيل. ماذا تقصد بذلك؟ هل تقترح شيئاً جديداً الآن؟ - أنا لا أقترح شيئاً، لكنني أعتقد أن في حال استحالة المفاوضات لا يمكن الولاياتالمتحدة أن تتعامل مع السلطة الفلسطينية الحالية وفي المستقبل والله أعلم. فالحل الوحيد إذاً هو في أن تقوم الجامعة العربية بإجراء المفاوضات المطلوبة المؤدية الى السلام بين العرب وإسرائيل في المستقبل. هل تعني أن يقوم مثلاً الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عمرو موسى بالتفاوض مع الحكومة الإسرائيلية أو قيام الجامعة العربية... - أعني ان الجامعة العربية تمثل الدول العربية مجتمعة وان هذه القضية تمثل أيضاً اهتمامات الدول العربية، هي على جدول أعمال الجامعة العربية على المستويات كافة ولمدة 55 عاماً. خلال الخمس عشرة سنة الماضية، قامت الدول العربية بجهد هائل لكي يستطيع الفلسطينيون أن يكون لهم كيان وان يتفاوضوا مع إسرائيل، وقد حصل ذلك، وتفاوضوا في مراحل عدة ووصلوا الى ما وصلوا اليه الآن وهو ان الاسرائيليين في المقدمة وطبعاً مدعومون من دول أخرى، يبدو أنهم ليسوا على استعداد أن يواصلوا هذه المفاوضات مع الفلسطينيين، وبالتالي قد يكون من المناسب أن الدول العربية هي التي تفاوض. ماذا سيحصل لو طرد الرئيس ياسر عرفات؟ ماذا ستفعلون؟ - أنا شخصياً لا أتوقع أن يحصل هذا الأمر، لكن إذا أخرج الرئيس ياسر عرفات من فلسطين، سيعود مرة أخرى إذا أعطاه الله العمر، كما عاد الكثير من زعماء العالم الثالث بعدما طردوا من أوطانهم وقد عادوا الى بلدانهم منتصرين وبترحيب واسع، لكن ليس الأمر هكذا، الأمر ان الفلسطينيين في حال يرثى لها من العذاب من جانب اسرائيل هذه الحال يجب ألاّ تستمر على هذا النمط.