كانت الذكرى السنوية الثانية لارهاب 11 أيلول سبتمبر في نيويورك وواشنطن مناسبة لترديد مزيد من أفكار المؤامرة التي سمعنا أكثرها، بما في ذلك ان الموساد وراء الارهاب. غير ان اتهام الموساد متوقّع لأن بعضنا رفض ان يصدّق ان عرباً ومسلمين مثلهم يرتكبون مثل هذه الجريمة الفظيعة، ولأن اتهام الموساد يناسبنا جميعاً. أقول: يا ليت، فالموساد ارتكبت كل جريمة ممكنة، ولكن ليس بينها هذه الجريمة. وأكمل بنظريات مؤامرة أخرى، وبعضها من مصادر بارزة في حقلها، ومثلاً فإن روميرو، نائب رئيس جامعة "نيو مكسيكو تك" تكنولوجيا يصرّ على ان متفجرات وضعت داخل برجي مركز التجارة العالمي لضمان سقوطها. ثم هناك صفحات على الانترنت يزعم بعضها ان البنتاغون لم تضربه طائرة ركاب، وإنما أصيب بصاروخ، وأن الاتصالات الهاتفية الأخيرة من ركاب الرحلة 93 التي سقطت في بنسلفانيا مزوّرة. وقد أجرى البروفسور ألكسندر ديودني، من جامعة واترلو في أونتاريو، تجارب ليثبت ان الهواتف المحمولة لا تعمل من طائرة نفاثة في الجوّ. وبعض المؤامرات يُظهر خيالاً واسعاً، وهناك تعليمات على الانترنت تظهر ان ورقة العملة من فئة عشرين دولاراً، اذا طويت بشكل محدّد، يظهر عليها برجان يحترقان. وأغرب من ذلك ان الولاياتالمتحدة مطبوعة مرتين على فئة العشرين دولاراً هذه، والكلمات تضمّ بالانكليزية حروف اسم أسامة... غير ان كل ما سبق تضاءل أمام تهمة أطلقها مايكل ميتشر، وهو نائب عمالي بريطاني ووزير سابق عمل مع توني بلير ست سنوات، قبل ان يخرج في تعديل وزاري قبل ثلاثة أشهر. ميتشر، وهو وزير بيئة سابق جعلته وظيفته من المسؤولين عن الطاقة النووية في بريطانيا، كتب يقول ان الحكومة الأميركية تعمّدت السماح للإرهابيين بتنفيذ هجماتهم لتمكينها من تنفيذ خطة للسيطرة على نفط الشرق الأوسط. وكتب ميتشر رأيه هذا في "الغارديان" ثم في "الديلي ميل"، وسأل لماذا لم تُؤمر الطائرات الحربية باعتراض سبيل الطائرات المخطوفة صباح 11 أيلول، قبل سنتين؟ وأجاب بأن السبب إعطاء الادارة الأميركية فرصة لبسط هيمنتها على الشرق الأوسط والعالم. أعرف ان عرباً ومسلمين يصدّقون كلام ميتشر، غير انني لا أصدّقه، وإنما وجدته مهماً، لأن الوزير السابق توكأ في اتهاماته على عمل مشروع "القرن الأميركي الجديد"، وهو مؤسسة أبحاث للمحافظين الجدد أشرت إليها بتفصيل في حلقاتي عن الموضوع، وقلت في حينه ان 25 شخصية سياسية وفكرية أميركية وقعت في 3 حزيران يونيو 1997 إعلان مبادئ المشروع، وكان بين الموقّعين ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفوفيتز وايليوت أبرامز وجيب بوش وزالماي خليل زاد وفرانك غافني ولويس ليبي ودونالد كاغان. وفي حين ان تشيني ورامسفيلد وآخرين صقور حقيقيون، فإن الآخرين عملاء لاسرائيل تحت شعار الصقور. وكنت نشرت حلقاتي في حزيران الماضي، وجاء عضو الكونغرس رون بول، وهو جمهوري من تكساس، فكتب في 12 تموز يوليو مقالاً موسّعاً زاد فيه كثيراً على ما اخترت، خصوصاً لجهة التهم. وجاء ميتشر بعدنا وقال ان مشروع القرن الأميركي الجديد يهدف الى بسط هيمنة أميركية على العالم، واستشهد بما نشر المشروع عن ان العملية ستستغرق أمداً طويلاً "الاّ اذا وقع حادث هائل من نوع بيرل هاربور"، أي الهجوم الياباني على الميناء الأميركي في هاواي الذي دخلت الولاياتالمتحدة بسببه الحرب العالمية الثانية. وكان إرهاب 11 أيلول الحادث الذي انتظره المحافظون الجدد، فهوجمت أفغانستان، مع وجود مبرر أكيد لإطاحة نظام "طالبان" وتدمير "القاعدة". ثم جاءت الحرب على العراق من دون سبب أو تبرير، فنظام صدام حسين مجرم ولكن لا علاقة له بإرهاب "القاعدة"، وتبيّن الآن انه لم يكن يملك أسلحة دمار شامل يمكن ان يهدد بها أحداً. بل ان الرئيس بوش اعترف قبل أيام، رداً على سؤال ان لا علاقة لنظام صدام ب"القاعدة". كُنت أراجع ما سبق عندما وقعت فجأة على زاوية تتعلّق بالأمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز، رحمه الله، فهناك كتاب جديد بعنوان: "عندما نامت أميركا"، من تأليف جيرالد بوزنر، وهو ليكودي شاروني آخر من عصابة المحافظين الجدد اياها. وكُنت قرأت جزءاً من الكتاب، ورأيته مهماً، فأرسلته الى مسؤول صديق مع ملاحظات للردّ على معلومات كاذبة واردة فيها. غير انني وجدت بعد ذلك ان الأميرة لمياء بنت مشعل بن سعود، أرملة الأمير أحمد، أصدرت بياناً تنفي فيه ما ردّد المؤلف من كذب عن زوجها الراحل، فهو جعل للأمير أحمد علاقة بالارهاب، بل زعم انه لم يمت في المستشفى في حضور أطباء معروفين وممرّضين وممرّضات، بل قُتل. عرفت الأمير أحمد بن سلمان باستمرار منذ كان طالباً في الولاياتالمتحدة، ورأيته قبل شهر من وفاته المفاجئة، وكان دائماً سفير نيات حسنة لبلاده لدى الولاياتالمتحدة، كما تقول الأميرة لمياء في بيانها. وقد كان انتصار خيله في اثنين من سباقات "التاج الثلاثي" الكبرى سنتين متتاليتين، بينها الفوز بالداربي سنة 2002، إنجازاً رياضياً غير مسبوق قصر عنه الأميركيون المتفرّغون لسباقات الخيل، وأكسبه شعبية ومعجبين عبر الولاياتالمتحدة. ثم يأتي كاتب ليكودي منحطّ ليطلع بنظرية مؤامرة ممجوجة يسيء فيها الى سمعة الأمير الراحل، والى صداقته مع الولاياتالمتحدة، وإلى أسرته وأطفاله، ولأسباب لا أستطيع شرحها بأفضل من مثل شعبي لبناني هو: "مش رمانة، قلوب ملانة"، فأقول ردّ الله كيدهم الى نحرهم.