يقول المثل الجزائري الشهير "همّ يبكّي، وهمّ يضحّك". قد تنطبق هذه المقولة على النكت السياسية والاجتماعية التي يستخرجها الشباب الجزائري من بطن الألم... فعلى رغم الأزمات المتعاقبة التي تخبطت فيها البلاد، نجحت فئة من الشباب وبخاصة العاطلين من العمل في رسم البسمة على وجوه آلاف المواطنين وحتى كبار المسؤولين الذين أصبحوا ينتظرون بشغف آخر ما أنتجه "المنكتون". هؤلاء البطالون ، أو كما يشتهرون في قاموس الشارع الجزائري باسم "الحيطيست" وبسبب جلوسهم لساعات طويلة أمام الحائط جعلوا من التنكيت مهنة لهم على غرار مهنة تأليف الأغاني التي تردد في ملاعب كرة القدم... وعلى رغم أن هذا "العمل" لا يعود عليهم بأي أرباح مادية تساعدهم على سد حاجاتهم البسيطة أو حتى شراء السجائر، غير أن في المقابل يسمح لهم بالترويح عن أنفسهم من خلال انتقاد الأوضاع السياسية لبلادهم بطريقة تثير الضحك. يقول البطال "رابح مصمودي" إن التنكيت يعتبر من أفضل وسائل الترفيه التي يلجأ إليها الشباب خلال جلساتهم اليومية في الشارع، لا سيما في ظل غياب مرافق تسلية عمومية... وأضاف: "أنا شخصياً أسهمت في التنكيت على المسؤولين، لأنني بصراحة أرفض الواقع الذي أعيشه، كما أنني لا أرى داعياً في أن يحكم بلادنا أشخاص لا يتفهمون أوضاع الشباب على رغم أننا نمثل الغالبية في المجتمع"... وكشف "رابح" في دردشة مع "الحياة" عن مشروع يحلم بتحقيقه، قائلا: "إنني أفكر مع مجموعة من أصدقائي بجمع كل النكت السياسية في كتاب، وسنقوم ببيعه في السوق، ونحن متأكدون من أنه سيكسر الدنيا". ويرى "إسماعيل طلاي" الصحافي في جريدة "الشروق" أن انتشار النكتة السياسية في المجتمع الجزائري مرتبط أساساً بشخصيات الحكام، وبالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، وأوضح ل"الحياة": "معروف أن النكتة السياسية يلجأ إليها الجزائريون كلما اشتدت أزماتهم، بدليل أنها عرفت انتشاراً منقطع النظير خلال فترة حكم الرئيس الأسبق "الشاذلي بن جديد"، حيث عانى الشعب خلال تلك الفترة من أزمات اجتماعية خطيرة، تسببت في تفجير ما يسمى بانتفاضة عام 1988. وأضاف: "خلال الثمانينات كانت السلطة تشجع التنكيت، مثلما شجعت انتشار موسيقى الراي بقصد الترويح عن الشعب... وعلى رغم أن النكت السياسية كانت تنتشر بطريقة سرية تفادياً للاصطدام مع السلطات، غير أن كبار المسؤولين في الدولة كانوا يحرصون على الاستماع إلى آخر ما أنتجه الشباب من نكت عن الرئيس أو عن أوضاع البلاد، ليتمكنوا من معرفة الأفكار والآراء المتداولة". وتابع "إن مضمون النكتة السياسية حالياً تغير كثيراً مقارنة مع الماضي، بما يؤكد التحول الذي شهدته البلاد من انفتاح سياسي وإعلامي، حيث أصبحت الآن أكثر جرأة وقسوة لا سيما إذا تعلق الأمر بالرئيس". ومن جهتها تعتبر "حياة حوسين" خريجة معهد علم الاجتماع بجامعة الجزائر أن لجوء الشباب وخاصة البطالين منهم إلى التنكيت أمر طبيعي، في ظل الظروف الاستثنائية التي مرت بها الجزائر، وأضافت: "إن هؤلاء الشباب الذين يقضون معظم أوقاتهم في الشوارع من دون عمل، تجدهم يبحثون عن أي طريقة للتعبير عن المكبوتات وكشف المسكوت عنه، سواء من خلال الكتابة على جدران الأحياء أو المدارس أو الملاعب الرياضية، أو من خلال التنكيت على الأوضاع التي يعيشونها في ظل الأزمات التي مرت بها بلادهم"... وأوضحت ل"الحياة" أن الشباب الجزائري الذي يعاني من الكثير من المشكلات يحاول أن يحكي معاناته بطريقة تجعل المتلقي يستقبل الرسالة وهو يضحك، وتضيف : "لقد أثبتت سنوات الإرهاب بأن الشاب الجزائري تعلم إخراج النكتة من قلب المآساة، بدليل انتشار المئات من النكت عن الجماعات المسلحة والحواجز المزيفة". وإذا كان شباب غرب الجزائر، وبالتحديد أبناء مدينة "وهران" 400 كيلومتر غرب العاصمة قد نجحوا مؤخراً في التربع على عرش النكتة في الجزائر، من خلال انتقاد جيرانهم أبناء مدينة "معسكر"... فإن شباب منطقة الشرق كانوا السباقين بالتنكيت على الرؤساء المتعاقبين على بلادهم، بخاصة خلال فترة الثمانينات من القرن الفائت، باعتبار أن الفترة التي سبقتها، كان يصعب خلالها انتقاد الشخصيات السياسية لا سيما إذا تعلق الأمر بالرئيس، ولهذا لم تشهد فترة حكم الرئيس الراحل "هواري بومدين" انتشارا" لظاهرة التنكيت على المسؤولين. وعلى العكس تماماً كان الرئيس الأسبق "الشاذلي بن جديد" من أشهر الرؤساء في عالم النكتة السياسية، حيث تقول الإشاعات إنه صاحب المليون نكتة... كان آخرها تلك التي تقول إن "الشاذلي" طلب من أحد مستشاريه أن يجمع له جميع النكت التي تنتقده ليرميها في البحر، وعندما نفّذ المستشار الطلب، تفاجأ الجزائريون بخروج السمك يضحك من البحر... وتقول نكتة أخرى إن نجل الرئيس هدد والده بالانتحار في حال استمرار هذه النكت التي تسيء للعائلة، فرد "الشاذلي" منفعلاً: "إنني أحذرك، إذا انتحرت فسأقتلك". بحلول سنوات التسعينات التي شهدت خلالها الجزائر أزمة دموية عنيفة، تغير مضمون النكتة في الجزائر، وأصبح معظمها يحكي معاناة الشعب في ظل اتساع دائرة التطرف الديني، وما أدى إليه من تراجع لشهرة النكت التي تنتقد الرؤساء وكبار المسؤولين في الدولة... وعلى رغم بشاعة ظاهرة الإرهاب غير أن ذلك لم يمنع الشباب من تحويل بعض مشاهد المأساة إلى نكت تفجر ضحكات الجزائريين حتى ولو كانوا من ضحايا الجماعات المسلحة. ولعل أشهر نكتة في تلك الفترة واحدة تقول "إن جماعة إرهابية نصبت حاجزاً مزيفاً في أحد طرق العاصمة، وكان من بين الضحايا رجل وزوجته، فسأل أحد الإرهابيين الزوجة عن اسمها فردت عليه "اسمي عائشة"... حينها انفجر صاحب السؤال بالبكاء وقال لها: "هذا الاسم يذكرني بوالدتي رحمها الله لذلك فلن اسمح لنفسي بذبحك"، وبعدها توجه بالسؤال نفسه إلى الزوج فرد عليه قائلاً: "في الحقيقة أنا اسمي محمد لكن أصدقائي ينادونني عائشة". ومباشرة بعد وصول "عبد العزيز بوتفليقة" إلى سدة الحكم، وجد الجزائريون أنفسهم يتناقلون نكتاً عن رئيسهم... وعكس مضمون أكثرها الشخصية المختلفة التي تميز "بوتفليقة" عن رؤسائهم السابقين، حيث يعتبرون أنه حطم الرقم القياسي في إلقاء الخطب عبر التلفزيون، وفي السفر داخل البلاد وخارجها. فاشتهرت نكتة تقول إن الرئيس تلقى رسالة من أحد المواطنين الفقراء رجاه فيها منحه سكناً، فرد عليه: "كيف تريدني أن أساعدك، وانا أسكن تارة في الطائرة وتارة أخرى في مبنى التلفزيون؟".