قديماً كانت هناك "كوميديا الأخطاء" لشكسبير، واليوم نتابع "تراجيديا الاخطاء" لجورج بوش وآرييل شارون وأبو عمار وآخرين. وفي حين ان "كوميديا الاخطاء" لم تتجاوز تاجراً له ابنان توأمان، لكل منهما عبد هو توأم الآخر بدوره، ويضيع احدهما بين سيراكيوز وإفسوس المتنافستين، فإن تراجيديا الاخطاء السياسية المرتكبة عبر قارات، ومسرحها فلسطين، تهدد شعباً بكامله، وربما شعوباً اخرى بعده، وقد يدفع الثمن في النهاية الطرف الاقوى الذي اخذته العزة بالإثم، وعاقب الضحية، وتستر على الجلاد، ما يعني اننا قد نكون مع الفصل الاول فقط من فاجعة من مستوى اغريقي. اخطأ ابو عمار بعرقلة عمل حكومة ابو مازن من اليوم الاول، وهو قبل تكليف ابو مازن تشكيل الحكومة مرغماً، ثم اتخذ كل قرار ممكن لادخالها في طريق مسدود انتهى باستقالة ابو مازن. ولو ان ابو عمار كان يملك خياراً آخر لهان الأمر، الا ان حكومة ابو مازن كانت فرصة للسير في طريق السلام، وأبو عمار غير مقبول اميركياً مهما حاول، ثم انه في اواسط السبعينات ومريض، ولن يعيش ألف سنة، على رغم انه يخطط لذلك على ما يبدو. وكنت اعتقد ان القضية الفلسطينية اهم من ابو عمار وأبو مازن وكل الابوات، الا ان الرئىس عرفات لا يعتقد ذلك، فتصرفاته في المئة يوم التي استمرت فيها الحكومة كانت ذاتية لا تخدم القضية. يكفي ان الرئىس عرفات اخرج جبريل رجوب من العمل في مؤامرة من دون سبب واضح، ثم اعاده الى العمل لمجرد مناكفة محمد دحلان، مع ان ابو رامي ليس من النوع الذي يدخل في مهاترات شخصية، او يقبل على نفسه ان يخدم طرفاً غير القضية. وأخطأ ابو مازن لأنه حاول ان يرضي الجميع، وخسر الجميع، وفي حين ان تعاونه مع حماس والجهاد الاسلامي كان معقولاً، فإن قاعدته في فتح، وهذه تخلت عنه بعد ان خدعت او انساقت وراء تهم تعيب من اطلقها اكثر ممن استهدف بها. وأخطأ كل من ردد تهم التخوين. فأبو عمار وأبو مازن ومحمد دحلان وجبريل رجوب وكل من مع هذا او ذاك وطنيون نذروا انفسهم لقضيتهم. وأسلوب التخوين حقير يعكس نفسيات مريضة. فالانسان الذي يتهم غيره بالخيانة يفعل لأنه مفتوح لارتكابها. وأخطأت حماس والجهاد الاسلامي، فهي لم تستطع في النهاية السكوت عن انتهاكات اسرائىل وخروقاتها، مع انها تعرف جيداً ان الهدف كان دائماً استفزازها للخروج من خريطة الطريق والعملية السلمية كلها. ومع انني اعرف ان القيادة لم تكلف رائد مسك تنفيذ العملية الانتحارية في القدس، فإن القيادة كانت تعرف عن غليان النشطاء امام الاستفزازات الاسرائىلية اليومية، وكان يجب ان تقدر ان بعضهم يفكر في عملية تتجاوز الخط الاحمر، وان تجتهد اكثر لضبط عناصرها حتى تستمر الهدنة، خصوصاً ان رائد مسك كان معروفاً بتخطيطه لعملية. وأخطأ آرييل شارون ومجرمو الحرب حوله خطأ قاتلاً باعتقادهم انهم يستطيعون ان يلحقوا هزيمة عسكرية بالفصائل الاسلامية كمقاومة او بالفلسطينيين كشعب، وان يفرضوا بعد ذلك السلام الذي يريدون عليهم، فالمقاومة الاسلامية لم تهزم حتى تستسلم، وقرار الهدنة كان دافعه فلسطينياً صرفاً هو تجنب وقوع حرب اهلية. اما الفلسطينيون فاسرائىل تستطيع ان تفرض عليهم "حلاً نهائياً" على الطريقة النازية، وما عدا ذلك فهم لن يقبلوا التخلي عن ارضهم او حقوقهم. آرييل شارون هو الذي قتل 21 اسرائىلياً في القدس وجرح مئة، عندما اقر اغتيال محمد سدر وسياسة الاغتيال كلها، كما قتل كل من راح في عملية انتحارية بعد ذلك. وأخطأ اليهود الاميركيون، او تلك الاقلية المتطرفة، منهم التي يقف بعضها الى يمين شارون وعصابته، ويشجعون مجرمي الحرب في اسرائىل على مواصلة جرائمهم. ودم اليهود في عملية القدس، وفي كل مواجهة، كدم العرب، على ايدي هؤلاء المتطرفين كما هو على ايدي شارون وموفاز ويعالون وداغان. ولا ادري كم سيقتل من الفلسطينيين والاسرائىليين قبل ان تقتنع حكومة شارون والمتطرفون في الادارة الاميركية وحولها ان لا حل عسكرياً ممكن التحقيق. وأخطأت ادارة الرئىس بوش باقرار "خريطة الطريق"، ثم اهمالها ما مكن آرييل شارون من تدميرها. شارون مجرم حرب وأبعد ما يكون عن صفة رجل سلام التي اطلقها جورج بوش عليه، وقد ارتكب استفزازاً بعد استفزاز وقتل ودمّر امام عيون المراقبين الاميركيين وتحت سمعهم، ولم تحاول الادارة الاميركية مرة ان تلجم الوحش الذي اطلقته حتى دمر العملية السلمية مرة اخرى. ومع اشتداد حملة الانتخابات الاميركية، فإن اهتمام الادارة بالموضوع سينخفض تدريجاً، ما يعني ان الوضع سيسوء، وفي حين سيدفع الثمن المباشر الفلسطينيون والاسرائيليون العاديون، فإن الولاياتالمتحدة ستدفع ثمناً اكبر من مصالحها في المنطقة. وأخطأ الاوروبيون ارضاء للولايات المتحدة، وكان يجب ان يسجلوا الحكومة الاسرائىلية، لا حماس، كمنظمة ارهابية. اعرف ان فصائل المقاومة الاسلامية تدرس الآن توسيع دائرة المقاومة، لتخرج من المواجهة مع اسرائىل، الا ان هذا موضوع ليوم آخر.