معظم العرب يكرهون الغرب وأميركا بالذات لأسباب كثيرة، منها ما يعود الى أيام الحروب الصليبية والأندلس وأخيراً قضية فلسطين والعراق. لستُ هنا بوارد الدخول في هذه المعمعة التاريخية ولكن من أجل التاريخ أيضاً، يجب على العرب أن يتذكروا بأنهم قد غزوا واستعمروا أجزاء مهمة من أوروبا قبل مئات من السنين على بدء الحروب الصليبية. ان الغرب وأميركا بالذات، وبسبب تعاظم قوتهم المادية والمعنوية خلال النصف الثاني من الألفية الثانية، كأي قوى بشرية تقوم بأعمال السيطرة والاستعمار، هكذا فعل من قبلهم الآشوريون والرومان والاغريق والفرس والعرب والتتار والعثمانيون وغيرهم... ومرة أخرى لستُ هنا بوارد تعداد مضار ومنافع السيطرة والاستعمار. لكن خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بدأت الشعوب والقوى القاهرة والمقهورة بمحاولة بناء عالم جديد، وأصبح التنافس وهو من طبيعة البشر ينتقل تدريجاً من ميادين الحروب الى ميادين الابتكار والاقتصاد والتجارة، وتقدمت العلوم والاختراعات بشكل لم يسبق له مثيل، خاصةً عالم الفضاء والاتصالات والطب، حيث اخترع الكومبيوتر والانترنت والفضائيات من خلال الأقمار الاصطناعية، واكتشف العديد من العقاقير والمضادات الحيوية التي قضت على الكثير من الأمراض وزادت من معدل عمر الإنسان. بصورة عامة أخذ العالم يسير الى الأمام بخطة أكثر ثباتاً، وازدهرت التجارة لتساقط الحواجز الجمركية وسرعة النقل. مع هذا فالعالم العربي توقف عن النمو الحقيقي عدا الاستهلاكي منه وذلك منذ نكبة فلسطين عام 1948. من ذلك الزمن وبحجة تحرير فلسطين والقضاء على عملاء الاستعمار، استولى على معظم الدول العربية أُناس غالبيتهم من العسكر أقل ذكاءً وأكثر طغياناً، فتراجع النمو الاقتصادي والعلمي وأصبح في آخر السلم بالنسبة الى مناطق العالم وذلك بحسب التقرير الأخير للأمم المتحدة. منذ العام 1948 انطلقت الفاشية العربية البدائية من قمقمها معززة بجنودها المتخلفين من ضباط وأحزاب رجعية تسمي نفسها أحياناً تقدمية ومتحالفة أحياناً أخرى مع الإسلام الأصولي، وليس لها ما تقدم لشعوبها غير الشعارات الفارغة كالصمود والتصدي، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فاستشرى الفساد، وكانت دائماً مندحرة في حروبها الدونكيشوتية مع أي قوى خارجية ما عدا شعوبها حيث كانت دائماً منتصرة عليها. نشاهد سقوط شعارات ومبادئ التطرف في معظم أنحاء العالم، لكنها تعلو عندنا الى درجة ان الكثر من البسطاء والجهلة غسلت أدمغتهم بصورة كئيبة وأصبحوا وقوداً لهذا التطرف. عند الحوار مع الكثير من الناس عندنا، وحتى الذين يدعون الثقافة، عن سبب تأخرنا، يأتيك الجواب جاهزاً ناجزاً: بأن الغرب وأميركا بالذات لا يسمحون للعرب والمسلمين بالتقدم. إذا كانت هذه الجدلية صحيحة فلماذا تقدمت ولو نسبياً بعض الدول العربية والإسلامية أمثال ماليزيا وامارة دبي. لقد أنجز الغرب والولايات المتحدة بالذات انجازات حضارية كبيرة خلال القرن الماضي، أما نحن العرب وكثير من المسلمين، فأصبحنا في أحسن الأحوال مستهلكين لتلك الانجازات والاختراعات، نرفضها في البداية بدعوى انها لغرض السيطرة علينا، ثم نُقبل على استهلاكها وفي كثير من الأحيان نسترُ استعمالها، والأمثلة على ذلك كثيرة: 1 - اختراع وسائل البث الإذاعي ثم التلفزيوني والفضائيات، ثم وسائل الاتصال الالكتروني، وقد أساء معظم العرب استعمال تلك الوسائل كثيراً، حيث أصبحت تستخدم كمنابر للتطرف الديني والتحريض السياسي وتناقل المعلومات غير الصحيحة أو المبالغ بها، كذلك قسم من الشباب يقضي أوقاتاً طويلة على الانترنت في مشاهدة الصور الخليعة خصوصاً في المجتمعات المتزمتة التي تؤدي الى الحرمان. فقبل وسائل الاتصالات الحديثة المرئية منها والمسموعة، كان لنا علماء دين متنورون أمثال محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وبعد هذه المعمعة في وسائل الاتصال أصبح لنا شيوخ أمثال بن لادن والظواهري وغيرهما كثر ممن نشاهد ونسمع على الفضائيات العربية. 2 - تطورت الأسلحة خلال القرن الماضي بشكل كبير وغير مسبوق ومنذ عام 1948 وحتى الآن احتلت مشتريات الأسلحة لدول الشرق الأوسط الصدارة بين دول العالم، حيث بلغت في الفترة ما بين عامي 1995 و1997 نحو 38 في المئة من مشتريات السلاح في العالم، مقارنة ب3 في المئة ثلاثة في المئة فقط لدول أميركا الجنوبية، وذلك بحسب تقرير الخارجية الأميركية Military Expenditures and Armes transfesrs 1998 معظم ذلك بحجة تحرير فلسطين ومقاومة الأعداء، وقد استعملت اما ضد الشعوب أو في الحروب الأهلية أو للاعتداء على الجيران. أما اسرائيل فما زالت الأقوى. 3 - وحتى في الحقل الطبي اكتشف البنسلين والمضادات الحيوية، مما أنقذ الملايين وربما البلايين من البشر من أمراض كانت قاتلة كالتيفوئيد وكثير من أمراض الأطفال، ونتيجة لذلك اختل التوازن الديموغرافي في كثير من بلدان العالم الثالث، خصوصاً في الدول العربية، إذ استمر الانجاب بصورة كبيرة وبتشجيع من الحكام الجهلة أحياناً مع خفض في الوفيات، خصوصاً بين الأطفال، مما جعل نسبة الزيادة السكانية السنوية تتراوح بين 3 الى 5 في المئة أي ان تعداد السكان في بعض الدول العربية أخذ يتضاعف كل 16 سنة. مما يؤدي الى مشكلات اجتماعية وسياسية وبيئية ليس في استطاعة الحكومات والشعوب التصدي لها. هذه بعض الأمثلة على اكتشافات واختراعات القرن الماضي وكيف أسيء استعمالها عندنا. لنقف لبرهة ونسأل أنفسنا نحن العرب ومعظم المسلمين، ماذا قدمنا لأنفسنا وبقية العالم، منذ بداية الثورة الصناعية وحتى الآن من علوم انسانية واختراعات وأمور حضارية أخرى؟ الجواب وللأسف: صفر تقريباً!! واشنطن - زهير عبدالله