موجات الحرّ الشديد التي تغزو بلداناً اوروبية عدة لم تكتف باشعال حرائق كثيرة في الغابات والأقاليم فقط بل دفعت المواطنين الى مغادرة بيوتهم وهجر وظائفهم بحثاً عن ضفة نهر او "ملجأ" في قرية او زاوية ظليلة في الريف. ضفاف نهر السين في باريس تستعيد مشهداً قديماً راحت تلتقطه عدسات المصورين وتتناقله وكالات الأنباء: صغار وكبار يفترشون ضفاف النهر، كما كانت العادة في الأربعينات من القرن الماضي، هرباً من موجة الحر التي تهيمن على أوروبا ومناطق مختلفة من العالم، وبلغت الحرارة في العاصمة الفرنسية وبعض المدن 41 درجة. ويروي الباريسيون ان هذه الموجة هي الأشد التهاباً منذ صيف 1949. اما درجة الحرارة الأعلى التي سجلت في فرنسا فتعود الى العام 1923 حين بلغت في مدينة تولوز 44 درجة. ونقلت الصحف الفرنسية مخاوف العاملين في مراكز الأرصاد الجوية الذين حذروا مما سموه "بركاناً" قد تؤججه موجة الحر. وخلّفت موجة الحر التي تشهدها اسبانياوفرنساوألمانيا وسويسرا وبريطانيا والبرتغال منذ الأسبوع الماضي أضراراً كبيرة، وسجل ارتفاع في كمية مادة الأوزون في بعض مدن، جنوب شرقي النمسا ومدن بلجيكية، اضافة الى ظهور مشكلات خطيرة يسببها الجفاف في المناطق الريفية. واندلعت حرائق في غابات عدة في مختلف ارجاء اوروبا، وبلغ عدد ضحاياها في البرتغال 11 قتيلاً. أما في اسبانيا فتسبب القيظ الذي يضرب الأندلس حيث تتجاوز الحرارة 40 درجة منذ اسبوع، في وفاة سبعة أشخاص منذ الخميس الفائت ومعظمهم من المسنين. وازداد ارتفاع درجات الحرارة من الضغط على إمدادات الكهرباء في ايطاليا التي كانت شهدت انقطاعاً في التيار في الأسابيع الأخيرة. وفي صربيا يهدد الوضع المستمر منذ ايار مايو انتاج الطاقة الكهربائية التي خفضت بنسبة 60 في المئة، في حين سجّلت محاصيل القمح ادنى مستوياتها منذ نصف قرن. وأعلنت وزارة الداخلية في مقاطعة برلين ان الموظفين في المقاطعة التي تتألف من مدينة برلين معفيون من العمل في موجة الحر التي تشهدها البلاد، اذا تجاوزت الحرارة 29 درجة مئوية. وذكرت الوزارة بان هذه القاعدة مطبقة اصلا في برلين على المعوقين المعفيين من العمل في موجات الحر وتطبق ايضاً على التلاميذ الذين يسمح لمديري مدارسهم باعادتهم الى بيوتهم عند ارتفاع درجات الحرارة. والمعروف ان منظمة العمل الدولية اوصت بوقف العمل خارج المكاتب والغرف المبردة في الدول الحارة عندما تتعدى الحرارة خمسين درجة مئوية. وما زال الجفاف ينعكس سلباً على دول اوروبية عدة اذ تتوقع جمهورية تشيخيا تراجع منتجاتها من الحبوب في 2003 بنسبة 3.13 في المئة. وتشهد دول البلقان جفافاً غير معهود، وهو الأهم منذ مئة عام في صربيا ومنذ 50 سنة في كرواتيا. واضطرت رومانيا الى استيراد مليون طن من القمح. في حين تقدّر ألمانيا التي تتوقع تراجعاً في إنتاج الحبوب بين 10 و15 في المئة، قيمة الخسائر ببليون يورو. إلا ان معاناة الحر لم تقتصر على بعض الدول الأوروبية، فقد ذكرت وسائل الإعلام الكندية اخيراً ان نحو 10 آلاف أُجلوا من مناطق اتت الحرائق فيها على نحو 40 ألف هكتار من الغابات غربيّ كندا. وتتقدم الحرائق بسرعة تتجاوز خمسة كيلومترات في الساعة مستعرة بحرارة تربو على ألف درجة مئوية.