بدا أمس ان "عراق غيت" تشهد بداية فصل جديد، إذ تلقى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ضربة أخرى، بعدما تأكد أن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية ام آي 6 السير ريتشارد ديرلوف قرر التقاعد باكراً، ما يثير مزيداً من الشكوك في صدقية الحكومة البريطانية، في اطار استغلالها معلومات الاستخبارات المتعلقة بالعراق. وأفادت صحيفة "ذي أوبزرفر" المعروفة بولائها لحزب العمال الحاكم، في تقرير نشرته في صفحتها الأولى، ان من المعتقد أن ديرلوف أبدى استياءه من الانهيار الواضح في العلاقات بين جهاز الاستخبارات الخارجية ومقر رئاسة الوزراء، على خلفية قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية والمبالغة في تقويم خطرها. وأشارت الصحيفة الى انه كان متوقعاً بقاء ديرلوف 58 سنة في منصبه سنتين، لكنه سيتقاعد أوائل 2004. وهو أمضى ما يزيد قليلاً عن أربع سنوات في المنصب الحساس. ورأت الصحيفة ان تقاعده قد يؤدي الى "تفاقم أزمة الثقة" في سياق الاتهامات الموجهة الى مقر رئاسة الوزراء باستغلال المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل العراقية. كما توقعت الصحيفة أن يؤدي تقاعد ديرلوف الى دخول بلير في معركة حقيقية مع أجهزة الاستخبارات، محورها اختيار الشخص الذي سيخلف الأول. وأبلغ ضباط حاليون في الاستخبارات الخارجية وآخرون متقاعدون الصحيفة أنهم يفضلون اختيار مرشح من داخل الجهاز لرئاسته، أي ان يكون متمسكاً بمبدأ عدم التدخل السياسي في عمل الجهاز. لكن مصادر حكومية أفادت ان بلير يفضل اختيار جون سكارليت رئيس لجنة الاستخبارات المشتركة التي تحلل المعلومات الاستخباراتية وتقومها قبل عرضها على رئيس الوزراء. ويرى بعض رجال الاستخبارات ان سكارليت أصبح "ملوثاً على نحو مدمر"، لأنه كان صادق على مضمون الملف الذي أصدرته الحكومة في أيلول سبتمبر الماضي، ويحذر من أن الرئيس المخلوع صدام حسين يمكنه نشر أسلحة كيماوية وبيولوجية خلال 45 دقيقة. ولفتت الصحيفة الى أن سكارليت أصبح مقرباً جداً من بلير، بعدما كان ضمن "الحلقة الضيقة" التي أحاطت به خلال الأزمة العراقية. وأكدت وزارة الخارجية البريطانية التي يتبعها جهاز الاستخبارات الخارجية ان ديرلوف سيتقاعد العام المقبل، لكن ناطقاً باسم الوزارة نفى بشدة انه سيتقاعد باكراً بسبب الخلافات مع الحكومة حول العراق. وأوضح الناطق ان ديرلوف عندما يتقاعد في آب أغسطس 2004 وليس مطلع العام المقبل، يكون أمضى خمس سنوات في منصبه مشدداً على أنه لا يزال يتمتع بثقة وزير الخارجية جاك سترو وحكومة بلير. في الوقت ذاته، واصلت الصحف البريطانية نشر تفاصيل جديدة عن أزمة "انتحار" الدكتور ديفيد كيلي خبير الأسلحة البيولوجية البريطاني الذي كان مصدر تقرير ل"هيئة الاذاعة البريطانية" بي بي سي، اعتبر ان حكومة بلير بالغت في تقويم أخطار الأسلحة العراقية من أجل اقناع الرأي العام بضرورة شن الحرب على العراق. وكتبت صحيفة "ذي ميل أون صنداي" ان "شقراء غامضة" "اتلفت وثائق في مكتب مساعد لكيلي". ونسبت الى مصدر دفاعي غير رسمي ان عنصراً في قوة الحرس الخاص بوزارة الدفاع البريطانية شاهد هذه المرأة وهي تغادر مكتباً في الطابق الرابع من مبنى "متروبول" القريب من المبنى الرئيسي لوزارة الدفاع، بعد يومين فقط على العثور على جثة كيلي في غابة قرب منزله. وأكدت الشرطة آنذاك انه انتحر بقطع شرايين يده اليسرى. وتابعت الصحيفة ان "المرأة الغامضة" ليست من العاملين في الوزارة، بينما سرت تكهنات في الوزارة بأن الشقراء تعمل لحساب احد أجهزة الاستخبارات البريطانية، وكانت تسعى الى اتلاف أي أدلة مثيرة للاحراج، تتعلق بكيلي وملابسات انتحاره. ونفت وزارة الدفاع أول من أمس تقارير أفادت ان الوثيقة التي اتلفت تتعلق ب"الخطة الإعلامية" التي تتناول كيفية الرد على أسئلة الصحافيين الذين توصلوا الى هوية كيلي، قبل تأكيد "بي بي سي" إثر وفاته انه كان مصدر تقريرها عن تلاعب رئاسة الوزراء بالمعلومات الاستخباراتية لتضخيم خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية. وسلطت صحيفة "ذي صانداي تلغراف" الأضواء مجدداً على وزير الدفاع جيفري هون الذي يوجه اليه اتهام بأنه ربما لعب دوراً في كشف هوية كيلي، في اطار الصراع مع "بي بي سي" ومحاولة اتهامها بأنها هي التي ضخمت في رواية الخبير عن الأسلحة ودور "داونينغ ستريت" في هذه الأزمة. وكشفت الصحيفة ان هون تعرض لانتقادات حادة من زملائه الوزراء، بعدما تبيّن انه ينوي السفر الى أميركا في اجازة مع عائلته، على رغم ان وزراء بريطانيين حذروه من أن هذه الخطوة ستكون "عملاً لا ينم عن حساسية"، لأنه بذلك لن يتمكن من المشاركة في جنازة كيلي بعد غد. ويواجه هون ضغوطاً مكثفة للاستقالة بسبب دوره في أزمة كيلي، خصوصاً إذا أثبت التحقيق القضائي الذي سيجريه القاضي اللورد هونون أي مسؤولية له أو وجه اللوم اليه.