تبددت أحلام العديد من المواطنين السوريين بالحصول على منزل بسعر مناسب بعد ارتفاع الأسعار في دمشق اكثر من 15 في المئة خلال الشهور الأخيرة على خلفية تراجع التوتر في منطقة الشرق الأوسط. وعزا متعاملون في سوق العقارات الارتفاع إلى عودة المغتربين السوريين من الخارج وتوظيف قسم كبير من أموالهم في شراء العقارات والى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملة السورية بعد ان وصل في فترة سابقة إلى نحو 58 ليرة سورية لكل دولار، ما دفع عدداً من الناس إلى التخلص من السيولة لديهم بشراء المنازل خوفاً من هبوط قيمة الليرة السورية بشكل اكبر. ولفتوا إلى ان التهديدات الأميركية المتكررة ساهمت في الفترة الماضية في احداث جمود في سوق العقارات، ولكن "السوق عادت وانتعشت وتحركت معها الأسعار بعد ان خفت حدة التهديدات". وقال صاحب مكتب عقاري في مخيم اليرموك، أحد أحياء دمشق الشعبية، محمد العابد ل"الحياة": "تحسنت سوق العقارات بعد المرسوم الذي أصدره الرئيس بشار الأسد ومنع بموجبه البناء في مناطق السكن العشوائي المخالفات، التي لعبت دوراً كبيراً في التأثير في حركة العمران في البلاد خلال العقود الأخيرة لان المنزل في منطقة المخالفات كان يباع بربع القيمة، والمنزل الذي كان سعره مليون ليرة سورية 20 ألف دولار اصبح سعره الآن نحو 1.1 مليون ليرة، بزيادة نحو 10 في المئة". وأضاف: "الأسعار لا تزال مرتفعة مقارنة بدخل المواطن السوري وخصوصاً الطبقة المتوسطة، ولكي تنكسر الأسعار لا بد من الاستمرار في بناء الوحدات السكنية للشباب والعمل على استخدام الريف بشكل افضل". وكان تجار البناء والوسطاء لعبوا في الأعوام الماضية دوراً كبيراً في الحركة العمرانية في سورية، ما رفع أسعار المنازل وخلق أزمة سكن لا تزال قائمة حتى الآن، اذ يصل سعر متر المنزل على المخطط في منطقة كفر سوسة، إحدى المناطق الصاعدة في دمشق، إلى نحو 32 ألف ليرة سورية 600 دولار ويباع للمواطن بعد إنشائه على الهيكل بنحو 40 ألف ليرة سورية. ويصل سعر بعض الشقق في حي المالكي الراقي إلى نحو 50 مليون ليرة في بلد لا يتعدى متوسط دخل الفرد فيه شهرياً اكثر من 100 دولار أميركي. ويسود اعتقاد لدى العديد من المعنيين ان المشكلة "ليست أزمة سكن أو إسكان وإنما مشكلة تسكين أو سكن أو إسكان"، اذ يعتقد هؤلاء ان المساكن الجاهزة للسكن متوافرة بما يزيد على حاجات السكان البالغ عددهم حوالى 18 مليون نسمة ولبضع سنوات مقبلة، وهناك اكثر من 350 ألف شقة خالية في دمشق وحدها. ويرجعون سبب الأزمة إلى السعر الرائج الذي تتجاوز قيمته أضعاف الكلفة الأساسية والذي لا يتناسب مع ضعف القدرة الشرائية لدى طالب السكن. وقال صاحب "مكتب الشام للعمران" في حي المزة، مازن حمصي: "اصبح هناك اقبال على العقارات في دمشق وخصوصاً من قبل المغتربين في دول الخليج العربي وأميركا وأوروبا، ما سبب ارتفاع الأسعار حالياً لان قسماً كبيراً منهم يشتري المنازل ليس بغرض السكن وانما من اجل ان يكون لديهم منزل في سورية". ولفت الى ان الأسعار ارتفعت في منطقة دمر وكفر سوسة بنسب تصل الى 20 في المئة "والمنزل الذي كان سعره في تلك المناطق ثمانية ملايين ليرة على الهيكل اصبح سعره الآن نحو 10 ملايين ليرة، في حين لا يزال المنزل في مناطق ريف دمشق يباع بسعر الكلفة نفسها". ويعتقد متعاملون في السوق ان الضريبة التي تفرضها الحكومة السورية على بيع المنازل لا تزال تلعب دوراً في حركة البيع والشراء، لانه لا توجد نسب محددة للضريبة وإنما هناك لجنة تخمين من مديرية المالية التي تحدد ما يتوجب دفعه في حال تم بيع أي عقار من دون ان تكون هناك نسب ثابتة ومعروفة لدى المواطنين. وتصل الضريبة على بعض العقارات في منطقة كفرسوسة مثلا إلى نحو 20 ألف دولار . وأدى ارتفاع الضريبة الى اتباع التجار أساليب ملتوية للتهرب من الضريبة عبر بيع المواطنين شققاً سكنية قبل بنائها بحجة انهم مساهمون في العقار المشيد. وفي محاولة لحل أزمة السكن لدى جيل الشباب، أطلقت الحكومة العام الماضي مشروعاً لبناء عشرة آلاف وحدة سكنية صغيرة جاهزة لا تتجاوز مساحتها 70 متراً مربعاً في كل من دمشق وحلب وحمص واللاذقية وحماه، ستلبي طموح حوالى 25 ألف مكتتب عليها. وقالت مصادر حكومية "ان الشقق الجديدة ستباع لهم بسعر الكلفة التي تقدر بنحو 10 آلاف دولار". وتأتي هذه الخطوة استجابة لمطالب عدد كبير من الشباب بإحياء "مبادرة السكن الشبابي" بعدما اصبح إيجاد مسكن حلماً لدى العديد منهم، وخصوصاً ذوي الدخل المحدود نتيجة غلاء الأسعار وسط ارتفاع معدل النمو السكاني إلى نحو 2.3 في المئة.