لعب تجار البناء والسماسرة في الاعوام الماضية دوراً كبيراً في الحركة العمرانية في سورية ورفع أسعار المنازل ما ادى الى أزمة سكن يتلمس معطياتها تجار البناء والمواطنون في الوقت نفسه. ويخيم الكساد على حركة البيع والشراء في سوق الشقق السكنية وأصبحت المنازل المعروضة للبيع اكثر من المنازل المطلوبة للشراء على رغم استمرار تراجع أسعار العقار في دمشق وعدد كبير من المدن السورية وتدهور أسعار الشقق الكبيرة بنسب تصل إلى 50 في المئة والصغيرة بنسبة 40 في المئة. عزا خبراء اقتصاديون الانخفاض في اسعار العقار إلى تحول التجار عن هذا النوع من الاستثمار، الذي كان يشكل اكثر المجالات التي تحقق أرباحا سريعة في الأعوام العشرة الماضية، وتوجههم إلى مجالات استثمارية أخرى على خلفية الإجراءات الاقتصادية التي قامت بها الدولة في العامين الأخيرين والتي أدت إلى فتح مجالات جديدة أمام رأس المال. ويسود اعتقاد لدى عدد من المعنيين بالأمور السكانية ان المشكلة ليست أزمة سكن او إسكان إنما مشكلة تسكين أو سكن وإسكان، ويعتقد هؤلاء ان المساكن الجاهزة للسكن متوافرة بما يزيد على حاجات السكان البالغ عددهم حوالى 18 مليون نسمة ولبضع سنوات مقبلة وفي دمشق وحدها اكثر من 350 ألف شقة خالية. ويرجعون سبب الأزمة إلى السعر الرائج الذي تتجاوز قيمته أضعاف الكلفة الأساسية الذي لا يتناسب مع ضعف القدرة الشرائية لدى طالب السكن. ويرى أصحاب المكاتب العقارية ان أسعار الشقق عادت إلى الانخفاض بشكل لافت بعدما سجلت ارتفاعاً مبالغاً فيه في الاعوام الماضية وتحولت آنذاك إلى حقل للمضاربات المالية الأمر الذي أوصل سوق العقار إلى الأزمة الراهنة. ولا يزال الشلل يضرب عمليات البيع والشراء بعدما امتصت حركة البناء كتلة نقدية كبيرة. وقال كمال تاجا ل"الحياة" ان الأسعار "انخفضت في ضواحي دمشق مثل المعضمية وقدسيا بنسبة 40 في المئة وان المنزل الذي كان سعره ثلاثة ملايين ليرة اصبح الآن لا يساوي اكثر من مليوني ليرة. أما في أحياء دمشق فانخفض سعر المنزل باكثر من 40 ألف دولار أميركي للشقة". وعزا السبب إلى عدم وجود سيولة مالية لدى الناس والى الاوضاع السائدة في المنطقة والتخوف من احتمال ضرب العراق إضافة إلى العراقيل التي لا تزال توضع في طريق تملك الأجانب للمساكن حيث يحتاج الأجنبي إلى موافقات رسمية ربما تأخذ اكثر من ثلاثة شهور كي يستطيع تملك منزل، وأحياناً يحتاج إلى حكم قضائي وهذا الأمر يؤثر في حركة البيع والشراء. واعرب أسامة الحو عن اعتقاده ان الأسعار استقرت ولا يمكن ان تتراجع اكثر من ذلك وقال: "ان سبب الجمود في سوق العقارات يعود إلى الضريبة المرتفعة التي تفرضها الدولة على العقارات التي لا تزال تلعب دوراً كبيراً في حركة البيع والشراء لانه لا توجد نسب محددة للضريبة، وهناك لجنة تخمين من مديرية المال تقوم بتحديد ما يتوجب دفعه في حال تم بيع أي منزل من دون أن تكون هناك نسب ثابتة ومعروفة لدى المواطنين". وتابع: "إذا أراد مالك منزل في منطقة كفر سوسة مثلاً ان يبيع منزله فإن ضريبته الحالية تبلغ نحو 20 ألف دولار أميركي مما يجعله يفضل ابقاء منزله مغلقاً، وفي حال تم التوصل إلى حل لموضوع الضريبة الحالية وتحديد نسب ثابتة على البيع والشراء ربما يساهم ذلك في خفض أسعار المنازل اكثر وتحريك سوق العقارات الجامد". ومتوسط كلفة مسكن مساحته 100 متر مربع في منطقة جيدة من دمشق يصل الى نحو 250 ألف ليرة سورية ويحتاج إلى اكساء نحو 700 او 800 ألف ليرة لكن يطرح للبيع في سوق العقارات بستة ملايين ليرة وسطيا الدولار يساوي 50 ليرة ويصل سعر بعض العقارات في وسط دمشق الى اكثر من 1.5 مليون دولار. تجمعات الفقر وأدى ارتفاع أسعار المنازل في العاصمة وبعض المدن السورية إلى دفع المواطنين الوافدين من بقية المحافظات إلى إقامة تجمعات سكانية عشوائية وصلت فيها الكثافة السكانية الى حد الإشباع، ولا تزال تلك التجمعات تربك المخططين وتكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات سنوياً عبر المد غير النظامي للكهرباء والماء. واشارت دراسة أعدتها محافظة دمشق إلى أن حوالى 36 في المئة من سكان العاصمة يعيشون في تجمعات عشوائية بلغ عددها 43 تجمعاً مخالفاً تفتقر إلى ابسط الشروط الصحية للإقامة فيها. وفي محاولة لحل أزمة السكن لدى جيل الشباب أطلقت الحكومة مشروع بناء عشرة آلاف وحدة سكنية صغيرة جاهزة لا تتجاوز مساحتها 70 متراً مربعاً في كل من دمشق وحلب وحمص واللاذقية وحماه. وامر الرئيس السوري بشار الأسد اخيرا بقبول جميع المكتتبين الذين بلغ عددهم نحو 25 الف مكتتب وقالت مصادر حكومية ان الشقق الجديدة ستُباع إلى المواطنين بسعر الكلفة الذي يقدر بحدود 10 آلاف دولار أميركي. وتأتي هذه الخطوة استجابة لمطالب عدد كبير من الشباب بإحياء مبادرة "السكن الشعبي" بعدما اصبح إيجاد مسكن حلماً لدى عدد كبير منهم، خصوصا ذوي الدخل المحدود نتيجة غلاء الأسعار وسط ارتفاع معدل النمو السكاني بنسبة 2.3 في المئة. وتتزامن خطوة "السكن الشعبي" مع مبادرة المصرف العقاري بإعطاء قروض تراوح بين 50 و80 في المئة من كلفة المسكن الحقيقية وبذلك تكون العلاقة أصبحت مباشرة بين متبني المشروع ومنفذه ومموله وذوي الدخل المحدود بعيداً عن الاتجار بالعقارات واحتكارها لاقامة مساكي بأسعار مناسبة تمول وتسدد بالشراكة بين الدولة والمواطن.