لماذا على تاريخنا أن يُكتب ب"صراحة" أكبر في اللغات الأجنبية؟ لماذا لا يمكن الكتابة بالعربية مثلاً أن أم كلثوم وهي شابة كانت تحبّ بشرة صديقتها ولم تكن تحب من الرجال إلاّ الشعراء. معلومة تتداولها "همساً" بالعربية المصادر العليمة من معاصري "كوكب الشرق". ويقولون إن رواية "أم" للكاتب والصحافي اللبناني الأصل سليم نسيب، وبالتالي المسرحية المقتبسة عنها، لم تأتيا بجديد يُذكر. هي معلومة لا تزيد الى أم كلثوم الصوت ولا تنتقص منها ولكنّها تزيد الى أم كلثوم الثقافة والتاريخ وتنتقص منها معلومة صحيحة كانت أم خاطئة تم تسجيلها بالفرنسية. الصحافي الذي في سليم نسيب بحث مكوّنات نصّه ودوّنه أما الروائي الذي فيه فعلق في سحر صوتها حتى ذاب، إذ كتب "كنّا ملايين وملايين من البشر معلّقين بشفتيها..." واستفاض فيها "هي" و"الكلمة" و"اللحن". وعلى هذا الثلاثي، إضافة إلى الراوي، عُقد العرض الذي افتتح "مهرجانات جبيل 2003" يوم الجمعة الفائت. مشاهد متقاطعة قدّمت صفحات من فترة تاريخية مجبولة بالانتصارات والهزائم والخيبات. ربطها بعضها ببعض الصوت البديع للمغنية عفاف رضى والذي بدا يتصاعد في قوته وثباته و... حلاوته، مرافقاً تطوّر غناء أم كلثوم. صوت عفاف كان وحده من دون آلات مصاحبة يصطدم بسور قلعة جبيل التاريخية ويرتدّ على المشاهدين مواسياً ومعزّياً. ودارت سيرة نص المسرحية للمؤلف المصري عادل حكيم على شخصية أحمد رامي الشاعر الذي رافق كوكب الشرق في مشوارها الطويل والمتنوّع. أحمد رامي المتيّم الولهان بما ينبعث من حنجرة محبوبته. ذلك الموتور المهووس شكّل محور المشاهد التي دارت حوله محطات مسيرة أم كلثوم وتحوّلاتها. في بداية العرض تجلّى الراوي في شخصيات عدّة واستطاع أن يختزل هي والكلمة واللحن ويمرّر القول بليونة وخفّة دم. لكنّه غاب من صلب العرض ليعود ويظهر في آخره. وهو الأمر الذي أوقع العرض في مطوّلات تاريخية كان من الممكن تفاديها على لسانه، مثلما حصل في البداية، وإن كانت تلك المطوّلات لقيت استحساناً عند المشاهدين الفرنسيين عرضت المسرحية في مدن عدّة في فرنسا. هؤلاء المشاهدون الذين ربما وجدوا في العمل بعض "الغرابة" أو "الاكزوتيكية" الشرقية. وهي النظرة الغربية عينها على مجتمعاتنا والتي عالجها النص ونبذها من خلال شخصية الراحل عبدالوهاب الذي ألبسه المخرج عاشور ثوب المناضل ضد الجمود. كان لا ضير في اختزال الكلام الكثير الذي غصّ به العرض، وكانت "كوكب الشرق" لتظل لامعة من استقلال مصر حتى ما بعد حرب أكتوبر مروراً بسقوط الملكية والثورة والناصرية وتأميم القناة والنكسة... اجتهد الممثلون والممثلات كثيراً وأدّوا أدوارهم على خيط رفيع فصل بين الاندماج الجوّاني واللعب البرّاني. ذلك النوع من اللعب الذي عكس المضمون ومثّله. ولفت وجود الممثلة اللبنانية كارول عبّود بينهم. حلّت فجأة محل ممثلة حامل وتدرّبت خمسة أيام على دور برعت فيه.