يواجه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير تحدياً كبيراً لزعامته عندما يمثل أواخر هذا الأسبوع أمام لجنة التحقيق القضائي المستقل برئاسة اللورد هاتون ليدلي بشهادته عن ملابسات انتحار خبير الاسلحة البريطاني الدكتور ديفيد كيلي، فيما أظهر استطلاع للرأي ان نسبة الثلثين من الرأي العام تعتقد ان حكومة بلير خدعتها بتضخيم ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية. يأتي ذلك في وقت كشفت لجنة التحقيق عن أكثر من تسعة آلاف صفحة من الوثائق السرية التي تتعلق بملابسات الازمة، وسمحت اللجنة في شكل غير مسبوق، بنشر تلك الوثائق على الانترنت، وبينها واحدة تظهر ان عائلة خبير الاسلحة طلبت من الحكومة معرفة من يشن حملة اعلامية لتلطيخ سمعته، مشيرة بأصابع الاتهام الى وزارة الدفاع. وكشفت الوثيقة التي نشرتها صحيفة "ذي ميل اون صانداي" ان بيتر جاكوبسن محامي عائلة كيلي، قدم نيابة عن ارملة الخبير الراحل جانيس وبناته الاربع، استفساراً عن "الجهة التي اصدرت تعليمات بتسريب معلومات الى الصحافة" عن كيلي، مشيراً الى انه على علم بأن "تقارير صحافية استندت الى مصادر مجهولة في وزارة الدفاع"، تضمنت انتقادات لكيلي ومزاعم بأنه يخضع لتحقيقات بسبب تسريباته المتكررة للصحافة. ويعتقد ان الخبير البريطاني تعرض لحملة رسمية بعدما اتضح انه المصدر الرئيسي لمعلومات وردت في تقرير اعده الصحافي اندرو غيليغان لشبكة "بي بي سي" عن تضخيم حجم التهديد العراقي . ويبدو ان كيلي عمد الى الانتحار في 17 تموز يوليو الماضي، بعد تعرضه لضغوط كبيرة، اهمها تسريب اسمه كمصدر لتقرير ال"بي بي سي". واستنكرت عائلة كيلي واوساط الرأي العام مواصلة لندن الحملة على الخبير حتى بعد انتحاره، ما اضطر الناطق باسم رئاسة الوزراء للاعتذار. وفي غضون ذلك، كشفت احدى الوثائق التي نشرتها صحيفة "ذي صنداي تايمز"، ان وزارة الدفاع بحثت امكان السماح لشرطة "اسكوتلانديارد" باستجواب كيلي في شأن تسريبه معلومات استخبارية أخرى عن العراق الى مراسل ال"بي بي سي". ورأت "ذي صنداي تايمز" ان هذا يوضح ان الضغوط التي كان يتعرض لها كيلي في الأيام التي سبقت انتحاره، ربما كانت أكبر بكثير مما كان معروفاً من قبل. واشارت الصحيفة الى ان الوزارة اتهمت كيلي "زوراً" بتسريب وثيقة توضح ان لا روابط بين العراق وتنظيم "القاعدة"، ما يقوض مرة أخرى صدقية الحكومة حول مبررات الحرب على العراق. وأوضحت وثائق أخرى نشرتها لجنة التحقيق على الانترنت ان بلير ومعاونيه أداروا عملية الكشف عن هوية كيلي للصحافة، في وقت كانت ال"بي بي سي" ترفض بشدة أن تفصح عن مصدر تقرير غليغان. كذلك اوضحت وثائق أخرى أن وزير الدفاع حاول فرض قيود على لجنة الاستخبارات والأمن في مجلس العموم البريطاني التي تعقد اجتماعاتها بشكل سري، وذلك لمنعها من استجواب كيلي في شأن وجهة نظره حول ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية الذي أصدرته الحكومة في أيلول سبتمبر الماضي. ومن المؤكد ان بلير الذي عاد أخيراً من عطلة استغرقت ثلاثة أسابيع في جزر الكاريبي، يشعر بالقلق عندما يطالع نتيجة الاستطلاع الذي اوضح ان نسبة 56 في المئة من الناخبين يوجهون اللوم الى الحكومة البريطانية بالنسبة الى انتحار كيلي. كذلك من المقرر أن يدلي وزير الدفاع البريطاني جيفري هون بشهادته أمام اللجنة يوم الخميس المقبل، اي قبل بلير بيوم واحد، فيما تزايدت التكهنات بأن هون سيكون "الضحية الأولى" للأزمة والمسؤول الاول عن إساءة معاملة كيلي الذي كان يعتبر من أبرز الخبراء في العالم في الأسلحة البيولوجية العراقية.