بدت أوروبا مجدداً كأنها تعيش فيلم كوارث. ثلاثة آلاف ضحية للقيظ في فرنسا. ليس الرقم صغيراً، والكارثة حقيقية، ذلك أن الضحايا ليسوا كل قائمة ضحايا الصيف اللاهب، فهناك ضربات اخرى: حرائق غابات في اسبانيا والبرتغال، ارتفاع الحرارة في المانيا إلى أعلى درجاتها منذ العام 1730، وفي بريطانيا منذ العام 1870، تقرير يُنذر بذوبان ثلوج القطب الشمالي بعد قرن، تزعزع نُظُم الأمان في المفاعلات الذرية الفرنسية التي تُزَوِّد البلاد بثمانين في المئة من احتياجاتها من الكهرباء. ويتذكر الجميع ما حدث في الصيف الماضي، حين غرقت أوروبا بموجة امطار غير مألوفة، أدت الى كوارث وفيضانات اجتاحت مدناً بأكملها. صيف للقيظ القاتل بعد صيف لمطر الفيضانات. مسلسل رعب متكرر، والأرجح ان الخيط الذي يَصِل هذا المسلسل هو… يد الانسان. وفي العقدين السابقين، لم يقلق الأجندة العالمية شيء اكثر من انذارات متكررة من علماء المناخ بأن الثورة الصناعية أدت الى تلوث عميم في مناخ الأرض، وتَراكم في غلافها الجوي، "غشاء" من عوادم المصانع والسيارات وسواها. تحت هذا الغشاء، أخذت حرارة الجو في الارتفاع مترافقة مع تقلُّب حاد ومتطرف في مناخ الارض، وذَوبان في ثلج القطبين، وتغيُّر في التيارات الكبرى في البحار والمحيطات وغيرها. وتوصلت الدول الصناعية الى بروتوكول لخفض التلوث وُقِّع في مدينة "كيوتو" اليابانية، وما ان وصل جورج بوش الابن الى الرئاسة حتى بادر الى مسح توقيع سابقِه بيل كلينتون عن ذلك الميثاق البيئي. دخلت البيئة الى اجندة السياسة من باب واسع. الأرقام الرسمية لضحايا موجة الحرارة القوية التي تجتاح اوروبا منذ شهر، قفزت إلى ثلاثة آلاف ضحية. وفي تصريح الى صحيفة "لوموند"، قال وزير الصحة الفرنسي جان - فرانسوا ماتيه إن القيظ يشكل "وباء حقيقياً". وقارن الامر مع ما حدث في شيكاغو في 1995 عندما توفي 700 شخص في ثلاثة ايام بفعل حرارة في الصيف كانت سابقة. والحال ان الأرقام الرسمية لم تزد على الخمسين قبل يومين! ورفض الوزير فكرة تقديم الاستقالة، في وقت أعلن جان بيار رافاران، رئيس الوزراء الفرنسي، "خطة بيضاء" للطوارئ الطبية. وسمح عمدة باريس برتراند ديلانوي بدفن الموتى في الخامس عشر من آب اغسطس الذي يصادف ذكرى انتقال السيدة العذراء، وهو من الأعياد الدينية القليلة المعتمدة كعطلة رسمية في البلاد. ونشبت خلافات في فرنسا قبل يومين، حين اتخذت الحكومة قراراً استثنائياً بالسماح للمفاعلات برمي الماء الذي يستعمل في تبريدها قبل أن تنخفض درجة حرارته. الهدف هو الحد من موجة جفاف احواض الانهار والبحيرات. لكن الماء الحار لا يناسب الاحياء المائية ويهددها بالموت الجماعي. كذلك ترى مجموعات بيئية وسياسية ان رقم ثلاثة آلاف ضحية لا يمثل الحقيقة، لأنه اعتمد تقارير وفيات المستشفيات ولا يشمل من هم خارجها. ومعظم من ماتوا هم من كبار السن الذين لم تتخذ الحكومة أي اجراء لمساعدتهم اثناء موجة القيظ، علماً أن موضوع المتقاعدين يحتل منذ فترة أولوية النقاش الداخلي الفرنسي.