دعا قياديون في جبهة الانقاذ الاسلامية الجزائرية المحظورة كلاً من زعيم الجبهة عباسي مدني ونائبه علي بن حاج اللذين اطلقا الاربعاء الماضي، الى "التضحية بحقوقهما الى حين" والتزام فرضه عليهما المدعي العسكري من تقييد لحرياتهما المدنية والسياسية "أملاً بمراجعة هذه الجبهة مواقفها". واعتبر هؤلاء القادة ان الافراج عن مدني وبن حاج بعدما انهيا عقوبة بالسجن مدة 12 عاماً، يشكل في ذاته "فاتحة خير تعد بداية موفقة نحو خروج البلاد من أزمتها والانطلاق في نهضتها التي طالما حلمت بها أجيال الجزائر المكابدة". ووقع البيان الذي صدر، مساء الجمعة، كل من عبدالقادر بوخمخم، علي جدي وكمال قمازي الذين اطلقوا العام 1994، اضافة الى عمر عبدالقادر الذي غادر الجزائر في كانون الأول ديسمبر 1999 ورابح كبير ومراد دهينة اللاجئين في أوروبا. وذكرت مصادر قريبة الى قادة "الانقاذ" ان مدني وبن حاج قبلا الاستجابة كلية للتدابير الواردة في مذكرة المدعي العسكري، ما يعني انهما سيلتزمانها حتى اعلان المبادرة "الانقاذية" لوقف العنف والذي قد يتم خلال أسابيع. وفي حال حصول ذلك ستكون المرة الأولى التي يعلن فيها قادة "الانقاذ" ادانتهم أعمال العنف بعدما فشلت السلطات في تحقيق ذلك خلال جولات الحوار معهم في تشرين الأول اكتوبر 1994 وحزيران يونيو 1995. عفو رئاسي وتشير مصادر سياسية الى أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ربما تعهد باصدار عفو رئاسي يرفع بموجبه "الممنوعات" التي أصدرها المدعي العسكري في حال اعلان مدني وبن حاج مبادرة وقف العنف الموجهة الى عناصر الجماعات المسلحة. وحمل البيان القياديين في "الانقاذ" ثلاثة مطالب أساسية وجهت الى مدني وبن حاج، وهي ضرورة "الاحتفاظ بحقيهما في التصريحات الإعلامية الى حين حتى لا ينجرا الى كشف ما عندهما من حقائق ومعطيات ما يمكن أن يزيد الوضع استفحالاً. والجزائر في حاجة الى هدوء وأمن واستقرار، والى من يأخذ بيدها الى بر الأمان" و"أخذ المدة الزمنية اللازمة للاطلاع على الأوضاع العامة من كل جوانبها ومحاورة أهل العلم والرأي والطبقة السياسية"، و"التضحية ببعض حقوقهما المشروعة من أجل المصلحة العامة لاقامة الحجة على من أصدروا البيان المقيد للحريات وتمكينهم من مراجعة موقفهم". ودعا موقعو البيان الرأي العام الجزائري والدولي الى "التساؤل عما يهدف اليه البيان القاضي بحرمان الشيخين من حقوقهما السياسية والمدنية والذي يعتبر خرقاً للدستور والقانون وحقوق الانسان ويشكل سابقة خطيرة في حق مساجين الرأي والسياسة". بيان مزراق وتزامن البيان مع آخر أصدره مدني مزراق "الأمير" السابق ل"الجيش الاسلامي للانقاذ" وهو الجناح العسكري للجبهة انتقد فيه موقف السلطات في التعامل مع كل من مدني بن حاج. ورأى مزراق الذي استفاد من تدابير العفو الرئاسي في كانون الثاني يناير 2000، ان الحكم الجزائري باصداره، من خلال المدعي العسكري، قائمة الممنوعات على مدني وبن حاج يكون "لغم حياة الشيوخ الإعلامية والدعوية والسياسية بعد خروجهم من غيابات السجن". ودعا السلطات الى ضرورة "الاعتراف بحقوقهما الوطنية والاستفادة من استعدادهما القوي للمساهمة في وقف النزيف الدموي وتحقيق الأمن والاستقرار، والتعاون جميعاً سلطة ومعارضة على النهوض بالجزائر نحو العافية والرقي". ورأت أوساط سياسية ان لجوء "قادة الانقاذ" في الداخل والخارج الى اصدار بيان مشترك يؤشر أولاً الى رغبتهم في الانضواء تحت لواء ما يعرف ب"المرجعية التاريخية". ولاحظت ان خروج أعضاء بارزين في "الانقاذ" عن صمتهم لمطالبة قادة الجبهة رسمياً التزام مجموعة من المطالب التي تضمن لهم عدم وضعهم مجدداً تحت الاقامة الجبرية يعكس شعوراً مشتركاً بضرورة استجابة "قواعد اللعبة" التي حددتها السلطات، وهي تمكينهم فقط من حرياتهم للمساهمة في وقف اعتداءات الجماعات الاسلامية المسلحة، من خلال اطلاق مبادرة تهدف الى اقناع عناصر الجماعات المسلحة لوضع السلاح. وقد جاء البيان ليؤكد تصريحات كل من عبدالقادر بوخمخم وعلي جدي، الجمعة الماضي، في شأن التحضير لاطلاق مبادرة لوقف العنف. وبادر بن حاج الى اطلاق اشارات ايجابية للسلطات عندما تخلى عن المساجد التي كان يصلي فيها مطلع التسعينات حيث كان ينتظره آلاف المعجبين، وقرر أداء صلاة الجمعة الماضي، للمرة الأولى منذ خروجه من السجن، في مسجد عبدالحميد بن باديس في حي ديار الشمس المحسوب على نشطاء حركة مجتمع السلم المعتدلة.