يشكل نشاط السفر والسياحة في الولاياتالمتحدة صناعة ضخمة يزيد حجم أعمالها السنوي على نصف تريليون دولار وتتصدر مثيلاتها في العالم قاطبة وفق مقياس انفاق السياح الدوليين. الا أن الأزمة التي تعيشها الولاياتالمتحدة منذ أحداث 11 أيلول سبتمبر عام 2001 وما ترتب عليها من اجراءات أمنية غير مسبوقة أعاقت بالتأكيد حركة تدفق السياح والمسافرين الدوليين، وجعلتها في ما يبدو شديدة الحساسية لمنافسة متعاظمة في بعض مناطق العالم وفي مقدمها الشرق الاوسط. أكد رئيس اتحاد صناعة السفر الأميركية وليم نورمان مدى عمق الأزمة عندما كشف أن حصة أميركا في سوق السفر والسياحة الدولية انخفضت الى أدنى مستوى لها على الاطلاق. وفي مكاشفة أشد صراحة قال ان "السياح الأوروبيين أصبحوا يفضلون الذهاب الى تونس ومصر وتايلاند على المجيء الى أميركا وبات سياح آسيا وأميركا الجنوبية يفضلون أوروبا على أميركا وحتى السياح الكنديين صاروا يفضلون أميركا الجنوبية على الولاياتالمتحدة". وعزا نورمان في بيان أصدره الاتحاد الاسبوع الماضي سبب انكماش حصة أميركا من السياحة الدولية الى الضغوط الاقتصادية التي عادة ما تدفع السياح لاختيار الرحلات الأقرب والأقل كلفة، لكنه لم يقلل من أهمية تعاظم المنافسة الدولية معترفاً بأن صناعة السفر والسياحة الأميركية تعاني منذ عقد كامل وأن متاعب الاقتصاد العالمي و"الأحداث العاصفة" التي مرت بها أميركا في العامين الماضيين زادت من حدة هذه المعاناة. واعتادت صناعة السياحة الأميركية الانفراد بحصص كبيرة من المصادر الرئيسية المصدرة للسياح، وعلى سبيل المثال بلغت حصتها من سياح كوريا الجنوبية عام 1997 زهاء 57 في المئة ومن سياح البرازيل 50 في المئة وكانت حصتها من سياح ألمانيا عام 1992 أقل بقليل من 26 في المئة واقتربت حصتها من سياح بريطانيا من 30 في المئة وتجاوزت في حال السياح اليابانيين نسبة 40 في المئة. لكن نورمان أشار الى ان أميركا خسرت حتى نهاية العام الماضي 37 في المئة من حصتها في سياح هذه البلدان مجتمعة. وحسب وزارة التجارة الأميركية تكبدت صناعة السفر والسياحة الأميركية ما لا يقل عن نصف خسائر حصتها بعد أحداث أيلول عام 2001، التي جاءت في الأسابيع الأخيرة لموسم السياحة الصيفي لذلك العام، لكنها خفضت عدد السياح الدوليين للعام بأكمله بنسبة 16 في المئة، ما يعادل خسارة زهاء أربعة ملايين سائح دون حساب الزوار الكنديين والمكسيكيين الذين يشكلون نصف اجمالي عدد السياح والزوار الدوليين، اذ انخفضت تدفقاتهما الى أميركا بنسبتي ثمانية وسبعة في المئة على التوالي. وأظهرت أحدث تقارير مكتب صناعات السفر والسياحة التابع للوزارة أن العام الماضي لم يكن أفضل كثيراً من سابقه، اذ تراجع تدفق السياح الدوليين ثانية وبنسبة 12 في المئة هذه المرة. وبالأرقام انخفض عدد السياح الدوليين من 26 مليون سائح عام ألفين الى 19 مليون سائح عام 2002 كذلك انخفض عدد الزوار الكنديين والمكسيكيين في الفترة نفسها من 25 الى 22.8 مليون سائح، ما رفع الخسائر الاجمالية للعامين الأخيرين الى 17.8 في المئة، أي تسعة ملايين سائح. وأكدت تقارير منظمة السياحة العالمية أن الانعكاسات السلبية لأحداث أيلول طاولت غالبية دول العالم في عام 2001 لكنها أوضحت في المقابل أن متاعب صناعة السياحة الأميركية استمرت على رغم ما وصفته المنظمة المشار اليها الانتعاش غير المتوقع الذي حققته السياحة الدولية العام الماضي عندما ارتفع عدد السياح الدوليين الى 715 مليون سائح مسجلاً زيادة بنسبة 3.1 في المئة على عام 2001. وكشفت التقارير كذلك جانباً من مبررات الحساسية التي أبداها رئيس اتحاد صناعة السفر الأميركية ازاء تعاظم المنافسة الدولية ولا سيما العربية، اذ أن المنطقة حققت أعلى معدلات النمو العالمية في اجتذاب السياح الدوليين ليس في عام 2002 فحسب بل طوال أعوام العقد الماضي. ومقارنة بمتوسط نمو عالمي لا يزيد كثيراً على ثلاثة في المئة للعام الماضي ومتوسط مقداره 4.3 في المئة للفترة من عام 1990 الى عام الفين، بلغت نسبتا النمو المقابلتين للمنطقة العربية 10.6 و 9.7 في المئة على التوالي. وأفادت منظمة السياحة العالمية أن معدلات النمو القوية لعقد التسعينات والعامين الأخيرين رفعت حصة الشرق الأوسط في السياحة الدولية من تسعة ملايين سائح عام 1990 الى 24.1 مليون سائح عام 2002، ما ساهم في زيادة انفاق السياح الدوليين في المنطقة الى 16 بليون دولار. وفي الفترة نفسها ارتفعت حصة الدول العربية في شمال أفريقيا من 8.4 الى 10.1 مليون سائح يقدر ما أنفقوه في العام الماضي بنحو 6.8 بليون دولار. ويبدو أن موسم الصيف الجاري يحمل المزيد من التطورات الايجابية لصناعة السياحة العربية سيما مع اشتراك منطقة الشرق الأوسط وأوروبا بتسجيل أعلى درجة في مؤشر آفاق السياحة الذي أعلنت منظمة السياحة العالمية نتائجه الاسبوع الماضي في بيان صحافي. ومقارنة بمتوسط عالمي مقداره 3.6 نقطة على سلم من خمس نقاط حصلت المنطقة على 3.8 نقطة مقارنة ب3.7 نقطة في حال الأميركتين وأفريقيا و3.1 نقطة بالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. ولفت الأمين العام للمنظمة فرانشيسكو فرانيالي الى أن نتائج مؤشر آفاق السياحة تعكس توقع خبراء السياحة بحدوث تحسن تدرجي في الاقتصاد العالمي واستمرار انفراج التأزمات الجيوسياسية وانحسار مرض الالتهاب الرئوي الحاد سارز، لكنه أكد أن الأسعار ستستمر في لعب دور مهم في خيارات السياح، ملمحاً الى أن المقاصد السياحية المنخفضة الكلفة مثل الشرق الأوسط، حيث بلغ متوسط انفاق السائح 520 دولاراً عام 2001 مقابل 1800 دولار في أميركا، مهيأة للاستفادة أكثر من غيرها. وعلى النقيض من الآفاق المتوقعة للشرق الأوسط، لم يبد المحللون في اتحاد صناعة السفر الأميركية ووزارة التجارة الكثير من التفاؤل في حدوث تطورات ايجابية في حصة أميركا من السياحة الدولية في السنة الجارية، الا أن تقاريرهم تشير الى أنهم يتوقعون حدوث زيادات دراماتيكية في عدد السياح القادمين من الشرق الأوسط اعتباراً من السنة المقبلة وبنسبة نمو سنوية تراوح بين تسعة و10 في المئة حتى سنة 2006. ويصعب تصور الأسس التي اعتمدها المحللون في توقعاتهم وان كان من الواضح أن ما لا يقل عن نصف الزيادة المتوقعة ستأتي من السياح الاسرائيليين الذي يشكلون تقليدياً أكثر من نصف السياح القادمين من الشرق الأوسط. وساهمت الانتفاضة الفلسطينية وأزمة الاقتصاد الاسرائيلي في خفض أعدادهم بنسبة 14 في المئة العام الماضي. لكن تحقق التوقعات بالنسبة للسياح القادمين من الدول العربية سيشكل البداية لتعويض خسائر كبيرة نسبياً. وشهدت السياحة العربية الى أميركا معدلات نمو عالية في النصف الثاني من التسعينات كان من محصلتها أن ارتفع عدد السياح العرب من 189 ألف سائح عام 1994 الى 285 ألف سائح عام ألفين، الا أن صناعة السفر والسياحة الأميركية خسرت أكثر من هذه الزيادة الضخمة في عام واحد وهو العام الماضي حين انخفض عدد المسافرين العرب الذين دخلوا الأراضي الأميركية الى 144 ألف مسافر غالبيتهم من رجال الأعمال وطلبة الجامعات.