بدأت كبريات شركات الطيران الأميركية الموسم السياحي للسنة الجارية برفع أسعار الرحلات الترفيهية في خطوة هي الأولى منذ شهور لكنها جاءت على خلفية توقعات متفائلة لوزارة التجارة بحدوث تحسن في حركة السياحة الداخلية وتدفق السياح الدوليين إلى أميركا بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر التي ألحقت خسائر مؤذية بالصناعات المرتبطة بالسياحة والسفر وبشكل خاص النقل الجوي وعمالقة الترفيه مثل مجموعة "والت ديزني". ويأمل خبراء التوقعات في مكتب السفر والسياحة التابع لوزارة التجارة أن تجتذب أميركا وآلتها الترفيهية الضخمة في الموسم السياحي الجديد الذي بدأ رسمياً الاسبوع الماضي 46.7 مليون سائح من الدول المجاورة مثل كنداوالمكسيك ومناطق ما وراء البحار ومن ضمنها الدول العربية، ما سيعني في حال حدث ذلك فعلا تحقيق زيادة في عدد السياح الدوليين بنسبة 2.2 في المئة بالمقارنة مع عام 2001. ستأتي بريطانيا، كعادتها، في مقدم الدول المصدرة للسياح إلى أميركا ويتوقع مكتب السفر والسياحة أن يرتفع عدد السياح البريطانيين في الموسم الجاري بنسبة 5.1 في المئة عن الموسم الماضي ليصل إلى 4.4 مليون سائح كما يُتوقع أن تحتفظ اليابان بمرتبتها الثانية وترسل 4.2 مليون سائح، بنسبة زيادة تقترب من 3 في المئة فيما سيُسجل السياح البرازيليون زيادة بنسبة 4.9 في المئة ويتوقع أن يبلغ عددهم 597 ألف سائح. وحسب تقديرات إتحاد صناعات السفر من شأن التطورات العددية المتوقعه في حركة السياحة أن تؤدي إلى زيادة مبيعات الشركات الأميركية الناشطة في هذا المجال الحيوي بنسبة 6.7 في المئة، ما يعادل 5 بلايين دولار، إذ يتوقع أن ينفق السياح الدوليون في موسم السياحة الجاري 77.7 بليون دولار مقابل 72.8 بليون دولار في الموسم الماضي وذلك علاوة على نفقات السفر التي يقدرها مكتب السفر والسياحة بنحو 20 بليون دولار. لكن التوقعات المتفائلة عى رغم أهميتها لا تبدو مريحة لصناعة السفر والسياحة الأميركية التي تكبدت خسائر فادحة بسبب الآثار الاقتصادية المباشرة لأحداث أيلول، ولا تزال بياناتها المالية تعاني بحدة لدرجة أن دونالد كارتي المدير التنفيذي لشركة "أميركان إيرلاينز"، أكبر شركات الطيران التجاري الدولية، غامر بالمطالبة بتخفيف إجراءات أمن المطارات المشددة التي تعتبر العدو الأول للسفر والسياحة. وجاءت التصريحات التي أطلقها كارتي الاسبوع الماضي متناقضة مع استمرار التحذيرات الرسمية من الهجمات الإرهابية، إلا أنها تزامنت مع إعلان المجموعة القابضة "إي إم آر" التي تملك "أميركان إيرلاينز" وكذلك شركة "إيغل" و"تي دبليو إي" خسائر بمبلغ 575 مليون دولار في الفصل الأول من السنة الجارية، وتوقعها نتيجة سلبية أخرى في الفصل الجاري بسبب تباطؤ حركة سفر رجال الأعمال وإرتفاع كلفة العمالة والأمن والتأمين. ولا تخف شركات الطيران الأميركية الحاجة الملحة للعودة إلى الربحية سيما أن أرباحها الصافية التي انخفضت من 5 بلايين دولار عام 1999 إلى أقل من نصف هذا المبلغ عام ألفين تلاشت تماماً تحت تأثير التباطؤ الاقتصادي، وتحولت بمساهمة عامل إضافي تمثل في أحداث أيلول إلى خسائر بمبلغ يناهز 7 بلايين دولار العام الماضي وذلك على رغم تلقيها 5 بلايين دولار بشكل تعويضات من الحكومة الفيديرالية. وللتخفيف من وقع الخسائر لجأت شركات الطيران ومعها شركات إنتاج الطائرات، التي فقدت الكثير من العقود والخيارات كنتيجة لمتاعب الأولى، إلى الحل السحري الأميركي بامتياز وهو تسريح زهاء 190 ألف عامل في الفترة من 11 أيلول إلى 31 آذار مارس الماضي حسب دراسة حديثة أشارت كذلك إلى بعض الخسائر الملموسة التي لحقت بصناعة السياحة ومن ضمنها تسريح 120 ألف عامل في الفترة نفسها. وطاولت الخسائر الفنادق والمطارات ووكالات السفر وتأجير السيارات وحتى عمالقة الترفيه مثل "والت ديزني" التي لم تخف هي أيضا عدم ارتياحها لتوقعات الموسم السياحي الجديد بعدما انخفضت أرباحها الصافية في الشهور الستة المنتهية في 31 آذار الماضي بنسبة تزيد على 50 في المئة بالمقارنة مع الفترة المقابلة وبعدما نجم جزء كبير من هذه التطورات السلبية، التي جاءت أصلا بعد عام صعب من الخسائر، عن انخفاض عام في عدد رواد حدائق ومنتجعات المجموعة ونسبة إشغال فنادقها وإنفاق زوارها. لكن خبراء التوقعات نبهوا إلى أن تقديراتهم ليست متينة بالقدر المطلوب وعلى سبيل المثال توقع اتحاد صناعات السفر أن إنفاق السائح الأميركي الذي انخفض بحدة من 483 بليون دولار عام ألفين إلى 448 بليون دولار العام الماضي سيرتفع السنة الجارية إلى 454.2 بليون دولار مسجلاً زيادة بنسبة 6.7 في المئة. إلا أن أحدث مسح للآراء أجراه الاتحاد المذكور أظهر أن السائح الأميركي الذي يساهم بنحو 6 في المئة من الناتج المحلي سيقلص إنفاقه في الموسم الجاري بنسبة قد تصل إلى 9 في المئة. وتبدو التوقعات المرتبطة بالسياح الدوليين أقل متانة إذ تتركز التقديرات المتفائلة في السياحة من كنداوالمكسيك التي تقل طاقاتها الانفاقية بكثير عن السياحة الدولية، وستأتي أكبر زيادة من المكسيك حيث يتوقع أن يرتفع عدد السياح المكسيكيين بنسبة 6 في المئة إلى زهاء 10 ملايين سائح، كما سيرتفع عدد السياح الكنديين إلى 14 مليون سائح محققاً زيادة بنسبة واحد في المئة وذلك بعدما خفضت أحداث أيلول عدد السياح المكسيكيين والكنديين بنسبتي 7 و 8 في المئة على التوالي الموسم الماضي. وعلى صعيد مناطق ما وراء البحار، التي تقدم لصناعة السفر والسياحة الأميركية زهاء 85 في المئة من عوائدها، ستترافق الزيادات المتوقعة في عدد السياح البريطانيين واليابانيين والبرازيليين بانخفاضات موازية بحيث لا يتوقع حدوث أي تحسن في حركة تدفق السياح الدوليين على رغم انخفاض عددهم بنسبة 14 في المئة في الموسم الماضي، كما أن عدد السياح الا وروبيين الذي إنخفض العام الماضي بنسبة 15 في المئة سينخفض من جديد في الموسم الجاري وإن كان بنسبة واحد في المئة، فقط ليصل إلى 9.8 مليون سائح. ومن المناطق الرئيسية يتوقع أن يفد إلى أميركا في الموسم الجاري 6.6 مليون سائح آسيوي ما سيعني تحقيق زيادة بنسبة 3 في المئة عن العام الماضي الذي سجل انخفاضاً بنسبة 16 في المئة، كذلك سيرتفع عدد السياح من منطقة أوقيانوسيا بشكل طفيف بعدما انخفض بنسبة 15 في المئة في فترة المقارنة بينما سيتراجع عدد السياح القادمين من أميركا الجنوبية المثخنة بالمشاكل الإقتصادية بنسبة 3 في المئة مضيفاً إلى انخفاض مماثل بنسبة 11 في المئة. ولم يدع خبراء التقديرات مجالا للشك بأن تفاؤلهم الحذر ينسحب على عدد السياح القادمين من الشرق الأوسط الذي تضاعف في فترة التسعينات ثم انخفض من زهاء 700 ألف سائح عام ألفين إلى 650 ألف سائح العام الماضي، ويتوقع الآن أن ينخفض من جديد إلى 550 ألف سائح في الموسم الجاري ما سيؤدي إلى انخفاض تراكمي قد تبلغ نسبته الفعلية نحو 22 في المئة، وإن كان يمكن أن تقفز إلى أعلى من ذلك بكثير لولا أن أحداث أيلول وقعت في نهاية الموسم السياحي. سياح الشرق الاوسط إلا أن التوقعات المتعلقة بعدد السياح الشرق الأوسطيين تأخذ في الاعتبار زيادة محتملة في عدد السياح الإسرائيليين قد تصل نسبتها إلى 14 في المئة حسب أحدث معدلاتها السنوية، ما سيترتب عليه حدوث إنخفاض أكبر بكثير من المتوقع في عدد السياح من الدول العربية لا سيما أن السياح الإسرائيليين شكلوا قرابة 46 في المئة زهاء 325 ألف سائح من العدد الإجمالي لعدد السياح الذين قدموا إلى أميركا من المنطقة عام ألفين. وأفادت معطيات أولية لوزارة التجارة أن السياح القادمين من الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبلغ عددهم عام ألفين 410 آلاف سائح أنفقوا في أميركا العام المذكور زهاء 3 بلايين دولار، ومن شأن الانخفاض الحاد المتوقع السنة الجارية أن يضع علامة استفهام كبيرة على هذا الإنفاق السياحي سيما أن بعض المراقبين يؤكد أن حركة السياح العرب ستكون محكومة ليس فقط بدعوات المقاطعة في الدول العربية بل أيضا بمدى القلق من التعرض، في أميركا نفسها، للمضايقات التي تغذيها حملات إعلامية مستمرة ستكون صناعة السفر والسياحة الأميركية أكبر ضحاياها.