بجهد مشترك بين قسم السمعيات والبصريات في السفارة الفرنسية في عمان ولجنة السينما في مؤسسة شومان والقسم الثقافي في أمانة عمان الكبرى، أقيم كما في كل سنة المهرجان التاسع للفيلم العربي - الفرنسي. وعرضت الأفلام في مركز الحسين الثقافي هذه السنة بعدما كانت تعرض في المركز الثقافي الملكي في عمان خلال السنوات الماضية. ولوحظ بعض التغيير في برنامج العرض إذ أن الأفلام العربية الفرنسية في الثامنة مساء ما أوحى بأن الجهات المنظمة ترغب في التركيز على الأفلام العربية أكثر من الأفلام الأجنبية. بدأ المهرجان بالفيلم الفلسطيني "عرس رنا" من إخراج هاني أبو أسعد مساء السبت تلاه فيلم فلسطيني آخر هو "تذكرة إلى القدس" من إخراج رشيد مشهراوي. هذان الشريطان سبق أن عرضا في أكثر من مناسبة وتمت الكتابة عنهما، لكن يمكن إضافة أنهما إضافة الى أشرطة أخرى من إخراج مشهراوي وغيره من المخرجين الشباب الفلسطينيين تأتي ضمن ما يمكن تسميته بالظاهرة الاستثنائية اذ تحقق السينما الفلسطينية وبخاصة إذا تذكرنا شريط "يد الهية" لإيليا سليمان، نجاحات عربية وعالمية مرموقة في الوقت الذي لا توجد تقاليد ولا بنى تحتية ولا نجوم في عالم السينما الفلسطينية. "لما حكيت مريم" مساء الثلثاء عرض الفيلم اللبناني "لما حكيت مريم" للمخرج أسد فولادكار الذي أثار نقاشاً واسعاً وصلت أصداؤه إلى الصحف الأردنية. وكان هناك شبه إجماع بين الحضور، وهم عادة من المثقفين المتابعين لشؤون السينما، أن النصف الأول من الفيلم كان عادياً بل مملاً ورتيباً وأنه فقط في الربع ساعة الأخيرة انقذ المخرج الفيلم بمشاهد ولقطات استثنائية مؤثرة. وفي نهاية عرض الفيلم وضمن النقاش المفتوح الذي كان يجري مع المخرج، تحدثت عن ما سميته بفقدان الوحدة الأسلوبية في الفيلم، إذ بدا أقل من عادي في نصفه الأول، ومحلقاً في نصفه الأخير، لكن المخرج لم يعلق واكتفى بالقول بأن الفيلم حاز على أربع عشرة جائزة، الأمر الذي أرجعه البعض إلى أن موضوع الفيلم الذي هو دفاع عن المرأة الشرقية قد يكون لعب دوراً في تزكية الفيلم في المهرجانات باعتبار أن هذا الموضوع يظل ساخناً ورابحاً دائماً... خورما طفل المقابر من إخراج التونسي جيلاني السعدي المقيم عادة في باريس والذي حضر عرض الفيلم، وهو بالمناسبة فيلمه الروائي الأول بعدما كان أنجز عدداً من الأفلام التسجيلية القصيرة أثناء إقامته في فرنسا. موضوع الفيلم هو الفتى اليتيم خورما الذي يكاد اسمه يعني التافه أو عديم الأهمية باللهجة التونسية والذي يساعد العجوز "أبو قلب" المسؤول عن مهنة الموت في البلدة التونسية شمال تونس... إذاً فمهمة خورما هي الاهتمام بالموتى ومساعدة سكان البلدة مقابل القليل من المال. تمضي الأيام وخورما شبه الأبله يتلقى الإهانات مع المودة من مجايليه الشباب إلى أن يجن معلمه الأطرش "أبو قلب" فيعهد الى خورما تولي أمور الموتى فيفاجئ الجميع بقدرته على التنظيم، لكنه يرتكب حماقة فيعاقبه وجهاء البلدة بربطه على عمود قرب البحر ودهن جسده بمادة تجتذب الناموس حيث يمضي ليلته في عذاب إلى أن يفك قيده مساعده الشاب ثم يمضي خورما هائماً على وجهه. هذا الفيلم هو الأول للمخرج أثار إعجاب الجميع بحيويته وصدقه وإجادة الممثلين لأدوارهم وبخاصة الشاب الذي لعب دور خورما والذي قال المخرج أنه ممثل مغمور. "صندوق الدنيا" نقفز الآن إلى الفيلم الأخير "صندوق الدنيا" للمخرج السوري أسامة محمد الذي أخرجه بعد خمس عشرة سنة من إطلاق فيلمه الأول "نجوم النهار" والذي أعتبر واحداً من أجمل الأفلام السورية وأهمها في وقته. والفيلم مقاربة لسيرة الطفولة للمخرج في بلدته في الشمال السوري البعيد. واعترف أنني لم استسغ المزيج من هذا الأسلوب المتحذلق، الفانتازي، الإنطباعي، الحسي، السوريالي ووجدته زائداً وغير ضروري مستذكراً أن الفن يجب أن يبعث المتعة وأن يكون ممتعاً بالحد الأدنى من الوضوح. هنا أثرت ما سميته بإرهاب الفنان الذي يصعّب الأمر على الجمهور وعلى نفسه عندما لا يستطيع أن يبني مشهداً عادياً من دون أن يشحنه بالتغريب والاستعراض ومحاولة الإبهار... فلماذا كل هذا؟ إضافة إلى أن الصوت كان هامساً طيلة الوقت فلم نفهم شيئاً من الحوار باستثناء أزمة الفيلم اذ يتساءل أحد أفراد العائلة: شو؟ فيجيبه الآخر على الفور: شو شو؟ وتكرر هذا الأمر طيلة عرض الفيلم، فلماذا هذه الشو المزعجة؟.