تزداد الحرارة سخونة تحت طاولة الاعلام السوري: ملفات، ندوات، لجان رسمية، اجتماعات لخبراء الرعيل القديم، حماس من الجيل الجديد. والهدف المعلن هو تطوير الاداء وتقريب المسافة بين ضفتين: السياسة والاعلام. يجري كل ذلك في "وضح النهار" وتحت مظلة الحكومة وفي احد مراكزها الثقافية بعدما كانت النقاشات المدنية تجري في الظل وفي منازل نشطاء و"معارضين". كان آخر تلك "المبادرات" ندوة نظمها قبل يومين اتحاد الصحافيين وأدارها المدير العام السابق ل"الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون" الدكتور فايز الصايغ بمشاركة تأريخية - تطلعية من حسين العودات وتجريبية - انتقادية من ابراهيم ياخور ومداخلات من قبل "معارضين" مثل ميشيل كيلو وأنور البني، و"مشاغبين" مثل حكم البابا ومحمد منصور، و"ملتزمين" مثل هشام بشير والياس مراد. البيان الرسمي الذي بثته "الوكالة السورية للأنباء" سانا اكتفى بأن هدف الندوة كان "ايجاد السبل الكفيلة بتطويرالاعلام في سورية بما يخدم قضايانا الوطنية والقومية والاجتماعية والثقافية والوسائل التي من شأنها ان ترفع من سوية العمل الصحافي في سورية لمواكبة الاعلام الدولي بتقنياته وقدرته على الانتشار"، من دون أي ذكر لنصوص المداخلات او نشرها في الصحف الرسمية… المطلوب تطوير أدائها. لكن ما دار كان جريئاً إلى درجة ان أحد المواقع الالكترونية السورية قال امس ان المناقشات أدت الى "كسر الاعلاميين حاجز الخوف"، لأن المداخلات كانت "مفاجئة في صراحتها وتفاصيلها" بدءاً من ورقة العودات عن قانون المطبوعات الصادر قبل سنتين وانتهاء بكلام البني وكيلو، بحيث "برع الدكتور الصايغ في تجاوز مآزق حقيقية ودقيقة". وبعد إقراره بأن وجود "قانون يعني تقييد الحرية" في أي مكان في العالم وانه "تم اختراع ربط الحرية بالمسؤولية لتبرير الممارسات ضد الإعلاميين"، قال العودات: "لدينا قانون للمطبوعات ظالم ويقيد الحرية. تكفي مقارنته بقانون السلطان العثماني عبدالحميد 1876 الذي نص على تقديم علم وخبر فقط للحصول على الترخيص بعد توفر شروط أخرى. بينما يسمح قانون مطبوعاتنا لرئيس الوزراء بعدم إعطاء موافقة لمطبوعة على رغم اكتمال كل الشروط ومن دون أن يقدم أي سبب وأي تفسير. كما لا يحق لطالب الرخصة الاعتراض أمام المحاكم، ولا يحق له إعادة تقديم الطلب إلا بعد عام كامل!". وعن ملكية وسائل الاعلام، قال العودات إن الحكومة قامت ب"اغتصاب الملكية من الدولة وبذلك أصبحت الصحف إعلاناً للحكومة فقط ولا تمثل شرائح المجتمع كافة التي تمول تلك الصحف من خلال دفعها للضرائب"، بحيث صارت الحكومة "وكل معارفها وتابعيها والمحسوبين عليها أصحاب قرار فيما يكتب وينشر ما أدى لترسيخ مبدأ الولاء وانتفاء مبدأ الكفاءة والعدل ودفع نحو عدم تطوير الذات". وإذا كانت المشكلة في قانون - مرسوم المطبوعات، فإن "معالجة هذا الواقع لا تتم بالتزيين والترقيع والدوران حول الموضوع"، بل بالبدء بتغيير هذا التشريع "تغييراً حقيقياً ليعيده على الاقل كقانون السلطان عبدالحميد"، وبالتالي تطلب المسؤولية من الصحافيين "فقط عندما تعطى الحرية كاملة" وصولاً إلى "إعادة الاحترام للمهنة بدل الولاء". و"أقسم" ياخور من تجربة طويلة في الإعلام الرسمي ان ما يجري هو "حوار طرشان"، بحيث يتم "تقريب السيئين وإبعاد الكفوئين" من "غير الحزبيين وبعض الحزبيين أصحاب المواقف وكل من يأبى ممارسة الدسيسة وكتابة التقارير". لم يوافق على ذلك الياس مراد لأن "العديد من المواقع المفتاحية والإدارية في صحيفة البعث يشغلها غير حزبيين"، مع كونها ناطقة باسم الحزب الحاكم منذ 1963، عندما ألغيت جميع الصحف الخاصة، لكن كيلو الذي توقع منه الصايغ "مداخلة رفيعة بمستوى ما نقرأ لك"، أكد وجود "تفرقة بين المحررين الحزبيين والمستقلين وإلا لما صدر القرار 408 عن قيادة البعث الذي نص على عدم التفرقة وفقاً للإنتماء السياسي عند الاختيار للمناصب بل اعتماد مبدأ الكفاءة". ورداً على التساؤل عن أسباب عدم نشر اشخاص مثل البني وكيلو في الصحف الوطنية، قال الاخير: "اسمحوا لنا بالنشر في صحفنا ولن ننشر في الصحف العربية". اما الثاني فقال: "ليس هناك إعلام في سورية، بل أشبه بالاعلان، لأنه لم يصل الى هذا المستوى، لأن صناعة الاعلان هي علم له مقوماته". وبعدما لاحظت ديانا جبور عدم "وجود أي من مديري وسائل الاعلام الرسمي كي نحاورهم"، باستثناء حضور معاون الوزير طالب قاضي أمين، أعربت عن الخشية من أن تكون هذه الجلسة مثل مسرحية "يعيش يعيش" عندما يقول المسؤولون: "دعهم يقولون ما يريدون ونحن نفعل ما نريد". لكن ما دار في الندوة يؤكد وجود رغبة فعلية ل"تطوير الاداء الاعلامي" والزام القيمين على الاعلام الرسمي به في ضوء ما قيل من ان "مقترحات خطية" أعدت الى الجهات الوصائية لن تكون وزارة الاعلام بينها باعتبار انها "طرف وليست حيادية"، ذلك بالتزامن مع اجتماعات "لجنة تطوير الاعلام" التي شكلت أخيراً من خبراء ومديرين اعلاميين عقدوا اجتماعات مع وزير الخارجية فاروق الشرع ومسؤولين كبار. وقال الصايغ ل"الحياة": "ليس هناك أحد ضد النظام. وما قيل لا يؤذيه أبداً، بل بالعكس. هناك واقع لا بد من التعامل معه، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، مختلف عما سبقه. وبعد 11 أيلول سبتمبر مختلف عما سبق التفجيرات… والآن هناك احتلال للعراق" الواقع على الحدود الشرقية لسورية التي "تجاورها" إسرائيل جنوباً.