أن تكون لباريس أو مدريد أو واشنطن مصالح في تحقيق انفراج في العلاقات بين المغرب والجزائر، لا تكفي في حال عدم توافر ارادة سياسية تضع البلدين على سكة الانفراج. لكن التداخل في الموقف اقليمياً ودولياً يدفع في اتجاه تراجع الأزمة المستعصية بين البلدين الجارين، أقله معاودة ترتيب الاوضاع في منطقة شمال افريقيا على خلفية تداعيات الأزمة العراقية. وقد يكون لباريسومدريد اكثر من مبرر للربط بين التسوية الاقليمية لمشاكل شمال افريقيا وتوزيع المكاسب حيال السيناريوات المطروحة لحل ازمة العراق. وراهنت فرنسامرات على مقايضة جوانب من نفوذها في المغرب العربي بالصورة الأخرى للنفوذ في الشرق، بخاصة العلاقة مع العراق، في حين اضطرت اسبانيا التي كانت صورتها العربية انتقلت الى الواجهة بعد مؤتمر مدريد للسلام، للتعايش مع الأزمة بأقل مقدار من الحضور، ولكن من دون اغفال التركيز على مصالحها في شمال افريقيا وان بلغ الأمر تأزيم علاقاتها مع الجار الجنوبي للمغرب. لكن واشنطن في دخولها على خط أزمة جزيرة "ليلى" ارادت تأكيد أن لا شيء قابل للتغيير في شمال افريقيا من دون ضوء أخضر أميركي، لذلك جاءت وساطتها حول الجزيرة، لكنها لم تفعل الشيء ذاته ازاء قضية الصحراء. ومع ادراك ان ملف الصحراء القابل للاشتعال في اي لحظة اخطر من الصراع على جزيرة غير مأهولة، فإن واشنطن لم ترد في أي فترة ان تحسم النزاع لمصلحة أي طرف، بل أبقته مفتوحاً للضغط على الاوروبيين بخاصة فرنسا، لكنها في الوقت ذاته حافظت على توازن في العلاقات بين المغرب والجزائر. حتى حين ذهب مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز الى الجزائر والرباط في اطار مشاورات حول أزمتي العراق والشرق الأوسط، قايض في الجزائر صفقة أسلحة اميركية بتطمينات سياسية للمغرب حول خطة الحل الثالث لقضية الصحراء. واللافت في خضم هذه التطورات أن زخماً جديداًَ في نيات البناء المغاربي عاد الى الظهور. فالجزائر لا تريد هذه المرة اضاعة فرصة انعقاد قمة مغاربية في حضور العاهل المغربي الملك محمد السادس، وبدت اكثر اطمئناناً الى ان الانشغال الدولي بالعراق لن يدفع مجلس الامن الى اقرار حل أخير من الخيارات المطروحة لمعالجة قضية الصحراء. والحال ان المغرب المتحالف مع باريس يسعى الى الاستفادة من الرهان الفرنسي، مع ابقاء علاقاته مع واشنطن عند درجة اكبر من التفاهم. ولا يعني بدء الإعداد للقمة المغاربية في تونس سوى ان الطريق اصبح معبداً أمام ترتيبات الوضع في منطقة شمال افريقيا في سباق مع الزمن يضع الازمة العراقية في مقدم الانشغالات. لكن هذه السيناريوات لا ترجح بدء العد العكسي للمصالحة المغربية - الجزائرية، فقضية الصحراء كانت مطلوبة في مرحلة الحرب الباردة، وستظل كذلك وقتاً أطول يستفيد من مناخ التهدئة ولا يحسم.