يرى وزير الاعلام الفلسطيني نبيل عمرو ان زيارة "ابو مازن" لواشنطن "ناجحة"، فيما يشدد مستشار الرئيس الفلسطيني نبيل ابو ردينة على ترجمأ اقوال الرئيس الاميركي الى "افعال". الاثنان محقان سواء كانا ينظران الى نتائج المحادثات الاميركية الفلسطينية من زاوية واحدة او من زاويتين مختلفتين. فالزيارة يمكن اعتبارها ناجحة في أمرين محددين: الاول، انها أعادت العلاقة بين الطرفين بعدما امعن الاسرائيليون في تقطيعها وتحطيمها. وبعد نحو ثلاثة اعوام اتخذت فيها الادارة الاميركية كل انواع المواقف المخزية وأذعنت لكل نزوات الاجرام الشارونية. والثاني يتمثل في مشروع المجموعة الاقتصادية المشتركة التي رُسمت لها اهداف تنموية يحتاجها الشعب الفلسطيني بعد كل هذا الدمار الذي ارتكبه مجرمو الحرب الاسرائيليون في مدنهم وقراهم وحقولهم ومصانعهم ومدارسهم. مع ذلك يجب ألا ينسى أحد ان وصول "ابو مازن" الى البيت الابيض لم يتم بلا ثمن، بل انتظر بوش وأعوانه حتى ينجز شارون وموفاز كل خططهما الارهابية، واعطوهما كل الوقت اللازم وكل التغطية الضرورية دولياً ليبقيا خارج كل محاسبة. بل أصرّ الاميركيون على ان يلتزم الفلسطينيون شروط شارون، التي جعلوها شروطهم هم ايضاً، قبل ان يصبح "ابو مازن" مقبولاً ومؤهلاً لتلقي دعوة الى واشنطن. وعلى رغم ادراك الاميركيين ان عزل ياسر عرفات أمر منافٍ للمبادئ التي طالما دافعوا عنها، الا انهم تبنوا هذا العزل لأن شارون اعتبره خطاً احمر بل عنواناً لأي "انتصار" يمكن ان يدّعيه، علماً بأنه وعصابته استطاعا ان يتثبتا من أن هذا الانتصار كان وهمياً. عدا ذلك، كان واضحاًً ان المسائل التي طرحها رئيس الوزراء الفلسطيني واعتبر معالجتها عنصراً مهماً في تسهيل مهمته لم يستطع ان ينال فيها اكثر من تفهّم اميركي لن يقرن ب"افعال". فالرئيس بوش ينظر الى المعتقلين الفلسطينيين بعيني شارون نفسه. ومن كان لديه معتقلون في غوانتانامو ويعاملهم على النحو اللانساني المعروف مع العلم بأن معظمهم يصعب اثبات تورطه في اي عمل ضد الولاياتالمتحدة، او في اي عمل يمكن تصنيفه بأنه ارهابي، لا يستطيع ان يلوم شارون وعصابته على المعايير التي يتبعانها في تصنيف الرهائن الفلسطينيين. وفي اسوأ الاحوال يستطيع بوش اعتبار قضية الرهائن "ثنائية"، اي انها لا تحل الا بين الفلسطينيين والاسرائيليين انفسهم، حتى لو كان هذا الحل جوهري لحسن سير "خريطة الطريق" التي بات تنفيذها عنصراً اساسياً في "البزنس" العسكري والسياسي الاميركي في المنطقة. لا يختلف الامر بالنسبة الى الاستيطان والمستوطنات فالاميركيون يقولون بوجوب وقف الاستيطان لكنهم لا يبدون حرصاً على ان يكونوا مقنعين. فبين اللهجة الحاسمة والمتشددة في كلامهم عن "الارهاب" وبين اللهجة المبتورة والمحايدة في الكلام عن المستوطنات، يفهم الاسرائيليون ان هامش المناورة والاحتيال لا يزال واسعاً ومتاحاً. ليس في التراث السياسي الاميركي اي موقف واضح ونهائي ازاء المسوطنات، كما هو في القرارات الدولية التي احتقرتها الولاياتالمتحدة ومنعت تنفيذها. بل هناك مسايرة بينة للمواقف الاسرائيلية، وهناك سرقة سابقة وحالية للارض الفلسطينية لا تملك الولاياتالمتحدة ولا ترغب في وقفها فعلاً. نأتي الى "الجدار" الذي سماه بوش "مشكلة"، واعتبر انه يحول دون بناء الثقة. كان موقفه مائعاً ولا يعتد به اسرائيلياً. واذ قال شارون ان الجدار "ضرورة امنية" فلا يبقى امام بوش سوى ان ينحني، فعندما يتحدث الاسرائيليون عن أمنهم تعودت واشنطن ان تخرس، حتى انها لا تميّز بين أمن يستخدم "الجدار" ذريعة لنهب مزيد من الارض والتحايل على رسم للحدود مستقبلاً وبين أمن يكتفي باجراءات محددة. لم يقل بوش ان هذا الجدار غير مقبول، ولم يقل انه لن يؤخذ في الاعتبار في رسم الحدود، ولم يقل انه عار على حليفه الاسرائيلي ان يبني "جدار برلين" جديداً في حين ان الولاياتالمتحدة حاربت نصف قرن لإزالة "جدار برلين" القديم، ولم يقل كما قال لابتزاز الفلسطينيين وترهيبهم ان واشنطن تربط اي مساعدة لاسرائيل بإزالة هذا الجدار مع علمه ان اموالاً اميركية ساهمت وتساهم في بنائه.