استخدم رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس ابو مازن ونظيره الاسرائيلي ارييل شارون في اول بيانين سياسيين لهما معاً منذ قمة العقبة قبل نحو شهر كلمات منمقة ومختارة بعناية، أشار بها الرجلان الى عدم وجود "عداء" لدى شعب أي منهما تجاه شعب الاخر، محاولين بذلك فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الجانبين والتي شهدت سنواتها الثلاث الأخيرة فصلاً دموياً مريعاً. وبدا ان شارون حاول ان يقسم الفلسطينيين الى قسمين "جيدين وارهابيين" من خلال التركيز على اصراره محاربة "الارهاب حتى هزيمته المطلقة"، فيما شدد عباس على ان "الحوار والنقاش والتفاوض" تقود الى التقدم وان السلام الذي ينشده الفلسطينيون يجب ان يؤدي الى حقوقهم الوطنية، مشيراً بشكل خاص الى قضية الاسرى الفلسطينيين. وعرض عباس على شارون التأسيس لعلاقة "شراكة" بين الفلسطينيين والاسرائيليين بدعوته الى انشاء لجان مشتركة متخصصة. وقال ابو مازن مخاطباً شارون: "ان كل يوم يمر من دون اتفاق فرصة ضائعة وكل نفس تزهق مأساة انسانية… فكفى موت". واضاف ان "صراعنا معكم هو صراع سياسي سننهيه بالسبل السياسية. لا عداء لنا مع شعب اسرائيل ولا مصلحة لنا في استمرار النزاع معه". وقال شارون موجهاً حديثه الى عباس: "نحن نقف امام فرصة جديدة لمستقبل افضل مفعم بالتفاؤل والأمل للشعبين"، وكرر ما قاله عن نيته بذل "كل جهد ممكن من إجل التوصل الى تسوية سياسية تؤدي الى تهدئة وإن شاء الله الى سلام". وقال انه مستعد للقبول بحلول وسط حتى وان كان ذلك "بثمن باهظ". وقال موجهاً حديثه للفلسطينيين: "لسنا في حرب ضدكم ولا نريد ان نسيطر عليكم ولا ان نملي عليكم مصيركم". غير انه شدد في المقابل على ان "لا تسوية مع الارهاب" وان اسرائيل "ستواصل محاربته حتى الهزيمة المطلقة. لن يكون هناك سلام مع الارهاب". ثم ترأس عباس وشارون اول اجتماع فلسطيني - اسرائيلي موسع بدا انه سيطعم بطابع سياسي للمرة الاولى خلال اجتماعهما الثالث منذ تولي عباس منصبه الجديد. وشارك في الاجتماع، بالاضافة الى عباس من الجانب الفلسطيني، وزير الشؤون الامنية محمد دحلان ورئيس المجلس التشريعي احمد قريع ابو علاء ومن الجانب الاسرائيلي وزير الدفاع شاؤول موفاز والوزيران سلفان شالوم وايهود اولمرت. وجاء اللقاء بعد عقد لقاء أمني اسرائيلي - فلسطيني جديد في مدينة بيت لحم للتمهيد لإعادة انتشار الجيش الاسرائيلي في المدينة اليوم الاربعاء يبقي على الحواجز العسكرية الاسرائيلية في مداخلها ولا يتطرق الى البناء الاسرائيلي المتسارع لجدار الفصل الذي تقيمه اسرائيل في المنطقة والذي يقضم اجزاءً اضافية من اراضي المدينة ويضمها الى حدود بلدية القدس الاسرائيلية. وكان عباس أشار في بيان سياسي القاه صباح امس امام المجلس التشريعي الفلسطيني الى ان اللقاء مع شارون جاء "للتأسيس على الاتفاق الامني" بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وذلك بانشاء "عدد من اللجان المتخصصة في المجالات الأمنية والاقتصادية والقانونية والمالية وملف الاسرى وغيرها"، معرباً عن أمله بأن يسفر الاجتماع مع شارون عن بدء تنفيذ "خريطة الطريق". واتهم في الوقت ذاته الحكومة الاسرائيلية بالعمل على افشال مهمة الحكومة الفلسطينية من خلال تصعيدها عمليات التوغل والقتل وغيرها من الاجراءات الاحتلالية .وتوقع رئيس الوزراء الفلسطيني ان يسحب الجيش الاسرائيلي قواته الى حدود ما قبل ايلول سبتمبر عام 2000 خلال اربعة الى ستة اسابيع. وفي معرض رده على مساءلات اعضاء من المجلس التشريعي الفلسطيني ازاء اداء الحكومة الفلسطينية والتي ستتواصل اليوم الاربعاء أيضاً، قال عباس ان السلطة الفلسطينية حصلت على ضمانات من الادارة الاميركية ومن اعضاء اللجنة الرباعية الدولية بان تحفظات اسرائيل على "خريطة الطريق" هي "شأن اسرائيلي داخلي"، مشيراً إلى تأكيدات هذه الاطراف التزامها ب"خريطة الطريق". وأكد عباس ان قضايا الاسرى والافراج عنهم والاستيطان ووقف الاغتيالات ورفع الحصار عن الفلسطينيين بما في ذلك الرئيس ياسر عرفات ستتصدر جدول أعمال اجتماعه مع شارون. وكشفت مصادر اسرائيلية ان عباس سيعرض خلال اجتماعه مع شارون خطة أمنية فلسطينية شاملة تضمن استتباب الهدوء في كل الاراضي الفلسطينية حال انسحاب الجيش الاسرائيلي. ونقل عن مصادر سياسية رسمية اسرائيلية قولها ان الخطة المفصلة تتضمن عدد قوات الامن الفلسطينية وقطع الاسلحة التي بحوزتها اضافة الى المواقع المقترحة لانتشار هذه القوات. وجاءت تصريحات عباس المتفائلة بشأن قرب انسحاب الجيش الاسرائيلي من مدن الضفة الغربية وقراها مناقضة للتهديدات التي ادلى بها رئيس الاستخبارات الاسرائيلية شاباك آفي ديختر، والتي قال فيها ان الجيش لن يعيد انتشار قواته الا في حال اتخذت السلطة الفلسطينية خطوات جادة "لمحاربة الارهاب" وجمع اسلحة المسلحين في التنظيمات الفلسطينية كلها. وقال خلال اجتماع في جامعة تل ابيب امس انه امام السلطة اسبوعان إلى ثلاثة اسابيع لبدء نزع اسلحة كل الفصائل الفلسطينية. وبانتظار ما سيفضي اليه الاجتماع من نتائج عملية على الارض، يترقب آلاف الفلسطينيين من أهالي الأسرى والمعتقلين ما اذا كانت هذه اللقاءات ستسفر عن الافراج عن ابنائهم سيما بعد التصريحات التي ادلى بها مسؤولون اسرائيليون من بينهم شارون ورئيس الوفد الاسرائيلي المفاوض مع الفلسطينيين عاموس غلعاد الذي اشار الى ان لا نية لدى اسرائيل للافراج عن منفذي العمليات المسلحة والذين صدرت بحقهم احكام بالسجن وذلك في اشارة الى ما قاله شارون عن ان الحديث يدور عن الافراج عن معتقلين اداريين تحتجزهم اسرائيل من دون توجيه تهم ضدهم او محاكمتهم. ويقبع نحو 1100 من هؤلاء في السجون الاسرائيلية.