"لو انجبت صبياً لما طلقني زوجي"، تقول عائشة التي وضعت مولودها الخامس انثى بألم وحسرة. وتضيف ان زوجها ينوي الارتباط بأخرى مطلقة لديها ثلاثة صبيان نزولاً عند رغبة اهله لتلد له صبياً يساعده في إدارة اعماله ويرث امواله التي يرفض ان تذهب يوماً الى زوج ابنته. وترى ان قيمة المرأة ومستقبلها محكومان "بعدد ابنائها الذكور او تظل وضيعة ومهانة". حال عائشة ليست شاذة في مدينة حلب، يبدو ان "عقدة" انجاب المولود الذكر تتحكم في مصير الكثير من العلاقات الزوجية والأسرية وتعيد توزيع الأدوار والمكانة الاجتماعية في هذه البيئة المحافظة، على رغم ما أتاحته وسائل الاتصال الحديثة من انفتاح على باقي المجتمعات والشعوب. واعتبر بعضهم المسألة "ردة وعودة الى الجاهلية". وتولي بعض الأسر الحلبية اهمية كبيرة لجنس المولود، حتى ان "معظم النساء الحوامل يراجعن الطبيبة الاختصاصية لمعرفة جنس الجنين وليس لأعراض مرضية او بهدف مراقبة الحمل" كما تعترف احدى الطبيبات، منوهة بأن كثراً منهن يضعن حملهن في البيت بمساعدة قابلة قانونية في حال كان المولود انثى. ويسترعي اهتمام الزائر لأي مستشفى مختص بالتوليد عبارة "مبروك الصبي، يعيش ويربى في عزك ودلالك"، اضافة الى الحفاوة الكبيرة من الأب والأهل ومظاهر الفرح المبالغ فيها، في حين تتوارى الوجوه وتظل مكفهرة كظيمة في حال كان المولود انثى او تغيب المراسم المعتادة بعد الولادة في اقل تقدير. وجرت العادة ان يحتفى بالمولود الذكر مدة ثلاثة ايام يعرض فيها الطعام ومختلف أصناف الحلويات وتنحر الخراف لتوزع لحومها على الأقارب والأصدقاء وتدعو ام الصبي النساء الى حفلة استقبال داخل بيتها او في صالة افراح يقدم فيه ما لذ وطاب. ومن اهم المناسبات لدى الحلبيين ختان ابنائهن الذكور وما يرافقها من زينة وبهجة وولائم، وغالباً ما يحتكر الذكور الاحتفال بأعياد الميلاد بحسب قول غادة قابلة قانونية. وتعرّض يحيى 27 عاماً للمقاطعة من اهله لأنه ضرب تقليد العائلة بعرض الحائط "طلبوا مني ان ارسل زوجتي الى بيت اهلها لتلد عندهم بحسب العرف المتبع لدينا بعدما اصطحبتها والدتي الى الطبيبة وتيقنت من انها ستلد انثى". وأشار الى ان علاقته بذويه ظلت فاترة الى ان "رزقنا الله بصبي بعد عام ونصف العام رحمة بزوجتي التي لم تبخل بالدعاء طوال تلك المدة". ونشب خلاف بين منى مدرّسة وزوجها كاد ان يفكك رابطة الزواج "بسبب تمييزه في شكل جلي وصارخ بين ابنائنا الذكور والإناث لجهة التعليم والملبس والخروج من البيت... بحجة ان المكان الذي يناسب الفتاة هو بيت زوجها فقط ودائماً ما يردد المثل الشائع "همّ البنات للممات"، ما عرّض حياتنا الى قلاقل وجعل خصوصياتنا في متناول الجميع". ولا تزال العائلة التي تضم بين صفوفها اعداداً كبيرة من الشبان والرجال موضع تفاخر ومباهاة: "الشبان عزوة يحفظون شرفنا ويصونون كرامتنا فنزداد مهابة في اعين الناس" وفق قول محمود عزالدين 36 عاماً، مالك بقالية الذي يؤثر ان تكون "خلفته" من الذكور فقط "لكن، لا اعتراض على حكمة الله". واستشهد برواية عن احد اقاربه الذي حدد نسله "ليس عن ايمان وقناعة بهذا الأمر بعد ان رزق بصبيين، بل خشية ان تلد له زوجته إناثاً". ومهما يكن، يظل للزوجة التي تلد ذكوراً وضع خاص ومميز ومكانة لائقة بين قريناتها بخلاف التي تلد إناثاً "حيث تضع يدها على قلبها خوفاً من ان يقترن زوجها بغيرها اذا وصل عدد بناتها الى نصف دزينة مثلاً، كما حدث معي "بحسب قول ابو عبدو 42 عاماً، سائق سيارة اجرة مبرراً الأمر بأنه بحاجة الى "ولد يحمل اسمي من بعدي" مؤكداً في الوقت ذاته بأن "لكل قاعدة شواذ"!