بين “الذكر” و “الأنثى” تبقى رغبة العوائل العراقية في الحصول على أبناء وأحفاد “جامحة” إلى درجة تتسابق فيها بعض تلك العوائل على حث زوجات أبنائهم لزيارة عيادات أطباء الولادة والمستشفيات الحكومية لغرض المعاينة في الشهور الاولى من فترة الحمل، والكشف فيما إذا كان الجنين الذي تحمله تلك النسوة “ذكرا” أم “أنثى”. ورغم أن هذه الرغبة تسبب بعض الحرج والمشكلات أحيانا للكثير من النسوة، خصوصا إذا ما كانت المرأة حاملا ب “أنثى”، إلا أن حجم الإقبال على عيادات الأطباء المختصين بالكشف عن ما تحمله بطون تلك النسوة، وتحديد فيما إذا كان جنس المولود القادم “ذكرا” أم “أنثى” عن طريق أجهزة السونار، يزداد يوما بعد آخر، حسب أولئك الاطباء، وهو مما جعلها توصف ب “الظاهرة” من قبل أوساط المجتمع العراقي. الحاج أبوأحمد الرجل الستيني، الذي رزق بولدين وبنتين هم نتاج حياته الاسرية وأصبحوا “أغلى ما لديه”، وتزوجوا جميعًا باستثناء أصغرهم “أنس” الذي مازال طالبًا في الجامعة، يعلق هذه الظاهرة، بالقول: “لدي من الاحفاد ستة جميعهم من الاناث، وبالرغم من حبي لهن الا أنني أتوق لصبي يحمل اسمي من بعدي”. ويضيف: “قبل أيام رزق ابني البكر أحمد بالبنت الثانية، ورغم حزني قليلًا كون المولود لم يكن ذكرًا، إلاّ أنني لم أصرح بذلك إلا لزوجتي التي أحست بذلك وهي تقول ليّ (إن الله سوف يرزقنا على وجهها الخير، لا فرق بين البنت والولد يا حاج)، وكانها قرأت ما بداخلي”، مؤكدا بانه ترك “الامر إلى الله عسى أن يمن علي بحفيد صبي”. إنجاب الإناث حمل الكثير من المعاناة للمرأة أكثر مما حمله للرجل، فالمجتمع العراقي كغيره من المجتمعات الشرقية يتباهى كثيرا عند قدوم الصبي الاول، وكأنه علامة يمن وبركة، كما أن التقاليد والأعراف المتوارثة عن الأجداد تتحدث بأن من يرزق صبيًا في باكورة زواجه سيكتب من المحظوظين في حياتهم، لاسيما وأن أغلب تلك العادات تروج لفكرة مفادها بأن “من يكثر لديه البنون يكونون له عزوة وسند عند الكبر”. وعن هذه المعاناة تقول الموظفة الحكومية سمر سعد (40 عاما): لقد تزوجت منذ 11سنة، ولي من البنات خمس، رزقت بهن بعد عدة محاولات مني ومن زوجي رغبة منا في إنجاب صبي، وفي كل مرة وقبل أن يحين موعد الولادة أذهب لعيادة الطبيب لإجراء الفحص الدوري ومعرفة فيما إذا كان الجنين الذي أحمله ذكرا أم أنثى”. وتضيف: “لكن دائما ما أصاب بخيبة أمل بعد أن تخبرني الطبيبة بأنني أحمل في أحشائي أنثى، وهو ما يدفع والد زوجي بالإلحاح على ولده الوحيد بأن ينجب ذكرًا، وفي كل مرة نزور فيها بيت العائلة تكون هناك مشكلة حتى بت أتجنب الذهاب إليهم تفاديًا لتكرار مناقشة الأمر”. وتتابع حديثها بلغة تكتنفها الحسرة والألم “إلى أن جاء زوجي في يوم من الأيام وأخبرني بأنه سيضطر إلى الزواج من امرأة ثانية نزولًا عند رغبة ابيه، لا سيما وأن والده من الأثرياء ماديًا، وكون زوجي ولده الوحيد بين أربع بنات، وفعلًا تم زواج زوجي من إحدى قريباته، وحصل على ما أراده والده بعد أن أنجب من زوجته الثانية صبيًا، فأصبحت مع الايام ألوم نفسي وبناتي على الحظ العاثر، الذي ألّم بنا بعد أن كنا عائلة واحدة”