تتدحرج فضيحة "عراق غيت" ككرة الثلج التي يزداد حجمها كلما زادت سرعتها، وألقى الرئيس الأميركي جورج بوش أمس ومساعدوه المسؤولية عن الخطأ في المعلومات الاستخباراتية التي تضمنها خطابه نهاية العام الماضي عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، على عاتق أجهزة الاستخبارات، فيما اشتد الهجوم في بريطانيا على رئيس الوزراء توني بلير بسبب شكوك بتلاعبه بتقارير الاستخبارات لتبرير الحرب. قال الرئيس بوش أمس في اوغندا ان اجهزة الاستخبارات الاميركية اعطت الضوء الاخضر لخطابه حول وضع الاتحاد في كانون الثاني يناير الماضي والذي اكد فيه ان العراق حاول الحصول على اليورانيوم من افريقيا. واوضح ان "أجهزة الاستخبارات وافقت على الخطاب الموجه الى الامة الذي ألقيته. كان خطاباً الى الشعب الاميركي يعدد المخاطر التي يمثلها نظام صدام حسين". وتابع: "اتخذت حكومتي الاجراءات المناسبة حيال هذه المخاطر والنتيجة ان العالم بات اكثر امناً وسلاماً". وأدلى الرئيس الاميركي بهذه التصريحات بعد محادثات اجراها مع نظيره يويري موسيفيني في رابع محطة من جولته الافريقية. وجاءت تصريحاته بعدما اعلنت كوندوليزا رايس مستشارة الامن القومي الاميركي أمس ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي آي إيه وافقت على ما ورد في خطاب حال الاتحاد الذي القاه بوش واتهم فيه العراق بالسعي الى شراء اليورانيوم من افريقيا. وقالت للصحافيين المرافقين لبوش على طائرة الرئاسة التي اقلته الى اوغندا "سي آي ايه أقرت الخطاب بالكامل... لو كان مديرها قال احذفوا هذه من الخطاب، لكان حدث ذلك". وكانت شبكة "سي بي إس" التلفزيونية بثت ليل الخميس ان البيت الابيض تجاهل طلب الاستخبارات اسقاط اتهام بوش العراق من خطاب حال الاتحاد. وأضافت ان "سي آي إيه" فحصت اجزاء خطاب الرئيس التي تتعلق باسلحة الدمار الشامل لتدقيقها، وحذر المسؤولون في الوكالة مجلس الامن القومي في البيت الابيض من ان المعلومات ليست اكيدة بما يكفي للاعلان صراحة ان العراق حاول شراء اليورانيوم من افريقيا. وأضاف التلفزيون ان مسؤولين في البيت الابيض جادلوا بأن وثيقة اصدرتها الحكومة البريطانية تحتوي على ذلك الزعم واذا كانت الورقة منسوبة الى بريطانيا فانها بالتأكيد دقيقة. وزاد ان مسؤولي الوكالة اسقطوا اعتراضاتهم. وتعكس الجلسة المطولة التي عقدتها رايس مع الصحافيين حول قضية اليورانيوم محاولة من البيت الابيض للدفاع عن بوش في مواجهة اتهامات بأنه ضلل الرأي العام. وقالت ان وكالة الاستخبارات المركزية فحصت الاشارة الى اليورانيوم الافريقي. واضافت: "جرت بعض المناقشات في تلك الاشارة المحددة لتعكس على نحو أفضل ما الذي تعتقده وكالة الاستخبارات وتم اقرار الكلمة... بادخال تعديل على هذه الجملة... وتم اقرار الخطاب". وقالت ان وزارة الخارجية أعربت عن تحفظات عن المعلومات الخاصة باليورانيوم الافريقي، لكن معلومات الاستخبارات الاشمل كانت تشير الى ان هناك اسباباً تدعو الى الاعتقاد بأن العراق يحاول الحصول على اليورانيوم. وأضافت ان "أحداً لم يعبر عن أي شكك لبوش في معلومات الاستخبارات". ودعا النائب الديموقراطي جون كيري احد المنافسين المحتملين في انتخابات الرئاسة المقبلة، بوش الى اجراء تحقيق شامل في مستوى معلومات الاستخبارات الاميركية. وكان وزير الخارجية كولن باول دافع أول من أمس بشدة عن تبرير حكومته للحرب، رافضاً اي اشارة الى ان الشعب الاميركي جرى تضليله او خداعه باعتباره "استنتاجا مبالغا فيه ومضخما ومشوشاً". وقال: "لم يبذل اي جهد او محاولة من الرئيس او اي شخص آخر في الادارة لتضليل او خداع الشعب الاميركي". واضاف ان "الرئيس كان يطرح ما بدا انه بيان معقول في ذلك الوقت". وتابع: "لكن الاعتقاد بأننا اتجهنا عمداً الى ادخال تلك الجملة المفردة في خطاب حال الاتحاد لخداع الشعب الاميركي او تضليله استنتاج مبالغ فيه ومضخم". وزاد: "وفي وقت لاحق عندما تمعنا في الامر وراجعنا كل شيء نعرفه عن القضة المتعلقة باسلحة الدمار الشامل شعرنا انه ليس من المناسب ان نستخدم هذا المثال بعد ذلك لانه لم يصمد امام اختبار الزمن". وأكد ان المعلومات جاءت من اجهزة الاستخبارات الاميركية والاجنبية و"احيانا كانت تصمد واحيانا لا". واضاف انه كان هناك من الادلة ما يكفي على اليورانيوم الافريقي لدرجة ان تصريح بوش "لم يكن خيالياً". وتابع: "انه قطار متحرك وانت تحاول على الدوام ان تبرهن ما هو صحيح وما هو خطأ. وغالباً لا تكون الامور على درجة كبيرة من الوضوح. وعليك ان تجتهد". وقال: "يمكننا ان نزيل ذلك التصريح من خطاب حال الاتحاد الى الابد ولكنني لا اعتقد بأنه يقلل من صدقية الرئيس". وعلى الصعيد ذاته ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أمس ان "سي آي إيه" حاولت من دون جدوى في ايلول سبتمبر الماضي اقناع الحكومة البريطانية باسقاط فقرة من وثيقة استخباراتية رسمية لشراء العراق يورانيوم من افريقيا. ونقلت عن مسؤول كبير في الادارة الاميركية مطلع على البرنامج قوله: "تشاورنا في الوثيقة ونصحنا بعدم استخدام تلك المعلومات". الا ان الحكومة البريطانية رفضت الاقتراح الاميركي، وقالت ان لديها معلومات استخباراتية منفصلة لا تتوافر للولايات المتحدة. وأفادت انه في ذلك الوقت كانت وكالة الاستخبارات المركزية تستكمل تقديراتها السرية حول برامج العراق للاسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية. وعلى رغم ان تقرير "سي آي إيه" تطرق الى محاولات العراق شراء يورانيوم من ثلاث دول افريقية، الا انه حذّر من ان المحللين في وزارة الخارجية الاميركية يشككون في دقة تلك المعلومات في ما يتعلق بالنيجر، وموظفو الوكالة اعتبروا ان التقارير حول الدول الافريقية الاخرى "غير واضحة". كوك وبلير وفي لندن وصف وزير الخارجية البريطاني السابق روبن كوك أمس التبرير الذي قدمه بلير للحرب على العراق بانه "سخيف". وقال في مقال نشرته صحيفة "ذي اندبندنت" في صدر صفحتها الأولى ان بلير "رأى في آذارمارس ان تأكيد ان صدام حسين لا يمتلك اسلحة للدمار الشامل سخيف. وهذا الاسبوع اصبحنا نقر بأن حكومته تقبل بصحة هذه الفكرة". واضاف ان "تبرير الحرب بدأ يظهر سخيفا". ويأتي تصريح كوك الذي انسحب من الحكومة بسبب معارضته مشاركة بلاده في الحرب الى جانب الولاياتالمتحدة ضد العراق، بعد ان اكد بلير أول من أمس ان الادلة على وجود اسلحة للدمار الشامل في العراق ستكتشف. وقال "أكدوا لنا ان صدام حسين يمتلك اسلحة للدمار الشامل ومستعد لاستخدامها خلال 45 دقيقة". واضاف "اذا كانوا يقولون اليوم ان هذه التأكيدات باطلة، فان الحاجة إلى تدخل عاجل وتبرير الحرب ينهاران"، مؤكداً انه "لا مبرر للحرب في غياب اسلحة الدمار الشامل". وتابع "قريباً سنشهد جهودا لتبرير الحرب بتغيير النظام بدلاً من ازالة اسلحته". وقال ان "هذه الحرب تم تدبيرها في واشنطن وأوحت بها مجموعة من المحافظين الجدد والملتزمين لاسباب تتعلق بالاستراتيجية الاميركية في الخارج وبالسياسة الداخلية". وكتب ان بلير "يجب ان يعترف بصراحة امام الذين دعموه انه لم يكن هناك خطر حقيقي ومباشر، وان يتعهد باجراء تحقيق للبحث في ما جرى ويتخذ قراراً حازماً بالبقاء بعيداً الى حد كاف عن المحافظين الجدد الذين يحيطون بالبيت الابيض". وفي تطور خطير أعلنت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني انها ستفتح من جديد تحقيقها حول الملف الذي أصدرته حكومة بلير عن أسلحة الدمار في أيلول سبتمبر العام الماضي، والمزاعم القائلة بأنها بالغت في اخطارها لاقناع الرأي العام بضرورة العمل العسكري ضد العراق. وتسعى اللجنة الآن بعد اصدارها تقريرها الذي برأ الحكومة من هذه التهمة الى استجواب الدكتور ديفيد كيلي حول اللقاء الذي عقده مع مراسل "بي بي سي" للشؤون الدفاعية أندرو غليغان قبل اذاعة هذه الاتهامات باسبوع واحد. وأصبحت الحكومة مقتنعة بأن كيلي كان مصدر تقرير "بي بي سي" وأن الاذاعة بالغت في مدى المرتبة الرفيعة التي يحتلها كيلي الذي عمل مستشاراً لوزارتي الدفاع والخارجية. وكان قبل ذلك من بين مفتشي الأممالمتحدة عن هذه الأسلحة وزار العراقمرات خلال تلك الفترة التي كان فيها مفتشاً. وتنفي الحكومة اليوم أن كيلي كان من بين الذين أعدوا هذا الملف المثير للجدل. وكانت "بي بي سي" رفضت تماماً أن تؤكد أو تنفي ما اذا كان كيلي هو مصدر هذه الاتهامات. من جانبه نفى رئيس الوزراء الاسترالي جون هاورد أمس اتهامات المعارضة بأنه ضلل البرلمان بشأن قدرات العراق النووية قبل الحرب ورفض الاعتذار لاي شخص. ويتعرض هاورد لضغوط بسبب اتهامات حزب العمال في بلاده بانه "لم يكن دقيقا في قول الحقيقة" بعد ان تم الكشف عن ان مكتب التقييم الوطني، جهاز الاستخبارات الرئيسي في استراليا، كان يعلم بشكوك واشنطن حول تطلعات العراق النووية. وكشف المكتب هذا ا لاسبوع انه كان على علم منذ كانون الثاني يناير بأن وزارة الخارجية الاميركية شككت في المعلومات عن سعي العراق لشراء يورانيوم من افريقيا، الا انه لم يمرر تلك المعلومات الى رئيس الوزراء. لكن هاورد نفى التلميحات الى ان موظفي المكتب حجبوا عنه تلك المعلومات عمداً.