يبدو أن اتهام العراقيين، والتحامل عليهم، صارا "موضة" هذه الأيام. وآخر ما قرأته في "الحياة" في هذا الشأن هو مقال للسيد عبدالله الأشعل أشار فيه الى أن "المقاومة العراقية" ضد الجيش الأميركي هي عمل مشروع، شجعه ودعا إليه أهل السنّة في العراق وعارضه أهل الشيعة، على زعمه، وذهب الى أن علماء الدين السنّة أصدروا فتوى تهدر دم اليهودي الذي يبتاع عقاراً عراقياً. وللحقيقة أقول انني قرأت هذه الفتوى، ولكنها لم تكن للسادة العلماء السنّة، بل هي للسيد الحائري، وهو من كبار علماء الشيعة. ولا أدري إن كان الأشعل يقصد فتوى الحائري، أم أن هناك فتوى للعلماء السنّة ولا أعلم بها. على أية حال يبدو كلام الأشعل بعيداً من بعض الحقائق العراقية، ولا أعلم إذا كان مرد ذلك بعده عن الشأن العراقي وتأثره بالإشاعات التي صاحبت سقوط صدام، أم انه ينتمي الى "اللوبي الصدامي" الذي يخترق الوسط الثقافي العربي. وأياً كان الأمر، فالمشكلة تجاوزت التنظير، سيما ان العراقيين فهموا جيداً ما يحيط بهم، ولم تعد لتنطلي عليهم الأقاويل والأفكار والمقاصد غير الواضحة. وقبل الخوض في الموقف من "المقاومة" أود لفت نظر الأشعل لبعض القضايا التي يبدو أنها غابت عن ذهنه، ساعة كتابته مقاله. أولى هذه القضايا أنه نسي أن شيعة العراق لم يدعوا أميركا ولا سواها، للحضور الى المنطقة، بل الذي دعاها هو صدام نفسه، بسياساته الرعناء التي أدخلت منطقة الخليج العربي في نفق من التوتر طوال العقدين الماضيين. والقضية الأخرى هي أن شيعة العراق كانوا مهددين بالقتل، والمقابر الجماعية التي تكتشف كل يوم خير دليل على ما أقول. فلا يصح أن نطالب قوماً، أو طائفة قتل منها هذا العدد، وهُجر منها أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، بالدفاع عن نظام القاتل والمُهجّر، أليس كذلك؟ وقد قال العرب أن العاقل من اختار أهون الشرين. ولا نقاش في أن قوات الاحتلال أهون كثيراً من نظام البطل القومي صدام حسين. وإن قلت لي إنهم جاؤوا ليسرقوا نفطنا، تحت غطاء الحرية والديموقراطية، فاعلم أيها السيد أن صدام سرق نفطنا، وبدد ثرواتنا، ولم يزل يقتل فينا. فأيهما أرحم، سارق قاتل أم سارق فقط؟ ولو عدنا للمقاومة التي انبهرت بها جنابك، ودعوت لها، فهل تنكر ان هذه المقاومة قتلت مديرة الكهرباء في بغداد، وأحرقت أنابيب النفط مرات، ودمرت محطات توليد الكهرباء وتنقية المياه، وهو أسلوب نعرفه جيداً، نحن العراقيين! إنه أسلوب بعثي حاقد على العراق والعراقيين. وقد أيد صدام هذه الأفعال في رسالته المرتجفة الأخيرة، وهدد الذين يشون بهؤلاء المخربين، وتوعدهم بالانتقام، الأمر الذي يعني أن هؤلاء الذين يقاومون الاحتلال هم من أعوان الرئيس المخلوع. العراق - عباس سرحان صحافي