فيما توقعت مصادر أمنية إسرائيلية وفلسطينية أن يكون جيش الاحتلال بدأ في ساعة متقدمة من مساء أمس، أو على أبعد تقدير صباح اليوم، إعادة انتشاره شمال قطاع غزة، عمدت إسرائيل إلى التشكيك بجدية نيات السلطة الفلسطينية "تفكيك البنى التحتية" لفصائل المقاومة المسلحة وأخذت تعدّ الأعذار لاعفائها من التزامها اتفاق نقل المسؤولية الأمنية للفلسطينيين في المناطق التي سيخليها الجيش، بل وعملت على الحصول على ضوء أخضر أميركي لتفتح نيرانها، مجدداً على الفلسطينيين "في حال تبين لها أنهم لم يفوا التزاماتهم ولم يشرعوا في ضرب البنى التحتية لحركة حماس". تواصلت في ساعات بعد ظهر أمس الاجتماعات الأمنية في حاجز ايرز في قطاع غزة بين كبار الضباط الميدانيين الإسرائيليين والفلسطينيين لبلورة التفاصيل الأخيرة المتعلقة بانسحاب جيش الاحتلال من بيت حانون شمال قطاع غزة، وتسلم قوى الأمن الفلسطينية المسؤولية عنها، ولترتيب أساليب التنسيق الأمني الميداني بين الجانبين القائم على تبادل المعلومات الاستخباراتية لإحباط عمليات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية. وجاءت هذه الاجتماعات في ختام لقاء عقد بين قائد قوات الاحتلال في القطاع البريغادير غادي شماني، وقائد قوات الأمن الفلسطيني اللواء عبدالرزاق المجايدة، اتفق فيه على المشروع بتطبيق الاتفاق الذي أبرمه منسق شؤون الاحتلال ميجر جنرال عاموس غلعاد ووزير الدولة الفلسطينية لشؤون الأمن محمد دحلان الجمعة الماضي حول نقل المسؤوليات الأمنية إلى الفلسطينيين في المناطق التي يخليها جيش الاحتلال. وقال المجايدة للإذاعة الإسرائيلية الناطقة بالعربية إن لقاءه المسؤول العسكري الإسرائيلي كان ايجابياً يبعث على التفاؤل، مضيفاً ان قوات الأمن الفلسطينية جاهزة لتحل محل جيش الاحتلال في المواقع التي يغادرها. وذكرت مصادر صحافية أن الاجتماع أفضى إلى بدء انسحاب الجيش من شمال القطاع، متوقعة أن يستمر 24 ساعة. كما اتفق على منح الفلسطينيين تسهيلات، اعتبرتها صحيفة "معاريف" شكلية، في معبري رفح وكارني والسماح ل10 آلاف عامل فلسطيني و5 آلاف تاجر بدخول تخوم إسرائيل وإلغاء القيود المفروضة على سفر الفلسطينيين، دون سن الخامسة والثلاثين إلى الخارج. إلى ذلك، لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق نهائي في شأن محور طريق صلاح الدين الذي يربط شمال القطاع بجنوبه. وبحسب مصادر صحافية إسرائيلية، فإن إسرائيل ترفض إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل أن تغير المسار الأصلي للطريق بهدف إبعاد الفلسطينيين من المستوطنات القائمة على أراضي القطاع. وأضافت ان النية تتجه لشق طريق التفافية على مستوطنة "كفار دروم" تحول دون "احتكاك" الفلسطينيين بجيش الاحتلال وحواجزه القريبة من المستوطنة. رايس تلتقي أقطاب الدولة العبرية في غضون ذلك، عقدت مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض كوندوليزا رايس سلسلة لقاءات مع أركان الدولة العبرية بدأتها بلقاء رئيس الوزراء ارييل شارون ثم وزراء الحكومة المصغرة للشؤون الأمنية والسياسية، فرؤساء أجهزة الأمن المختلفة، وختمتها بلقاءين منفصلين مع وزير الخارجية سلفان شالوم ووزير الدفاع شاؤول موفاز. وقالت تسريبات صحافية إن شارون اطلع رايس على تفاصيل الاتفاق الأمني مع الفلسطينيين، وأبلغها نيته تقديم المزيد من التسهيلات للفلسطينيين واطلاق عدد آخر، لم يحدده، من المعتقلين والسجناء، والسماح بإعادة ترميم مطار غزة الدولي. وزادت ان شارون بحث أساساً في احتمالات فشل الاتفاق مع الفلسطينيين وإمكان أن تستغل التنظيمات المسلحة الهدنة المتوقع الإعلان عنها لإعادة ترتيب صفوفها واستعادة قوتها العسكرية "فيما تتجنب السلطة الفلسطينية مواجهة هذه التنظيمات ولا تفي بالتزامها في "خريطة الطريق" نزع الأسلحة عنها"، واضافت ان شارون سعى الى الحصول على تفهم اميركي لموقفها القائل انه في مثل هذه الحال فإن اسرائيل ترى انها في حلّ من التزامها بنود الاتفاق الأمني وانه يحق لها "إعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل الاتفاق". ولم يرشح شيء عن رد رايس على طلب شارون "الذي يخشى ان تكبّل أيدي اسرائيل في المستقبل اذا تحقق الهدوء والتزمت الحركات الفلسطينية المسلحة وقف النار من دون ان يتم تفكيك بناها التحتية"، على ما أوردت اذاعة الجيش، لتضيف ان شارون حمّل رايس رسالة لتنقلها الى الفلسطينيين تقول ان اسرائيل لن تقبل بتنفيذ المراحل المقبلة الواردة في "خريطة الطريق" اذا لم يحاربوا الفصائل المسلحة ويجردوها من اسلحتها، متوقعاً ان تبدأ هذه الحرب بعد شهر من بدء تنفيذ الاتفاق الأمني والاعلان عن الهدنة. رايس تنتقد اقامة "الجدار الأمني" الفاصل الى ذلك، أفادت المصادر الصحافية ان رايس ابلغت الحكومة الاسرائيلية المصغرة موقف الإدارة الاميركية من اقامة "السياج الأمني" الفاصل بين اسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 والقائلة بأنه محاولة لرسم الحدود السياسية "وان ثمة اشكالاً في مواصلة بناء الجدار". ورد شارون بالقول ان اسرائيل لن تتردد في اتخاذ خطوات "تضمن أمن اسرائيل" حتى بثمن خلافات اسرائيلية - اميركية، مضيفاً ان الجدار ليس سياسياً انما أمني للحؤول دون قيام الفلسطينيين بالتسلل الى اسرائيل لارتكاب عمليات انتحارية. "شاباك" لا يثق بالفلسطينيين وأبرزت الصحف العبرية الصادرة امس ما وصفته الخلاف في وجهات النظر بين شعبة الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن العام شاباك في شأن اتفاق نقل المسؤوليات الأمنية للفلسطينيين، ونقلت عن الأولى قناعتها بأن رئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن ووزيره محمد دحلان أخذا يستبطنان، وتحت الضغوط الاميركية، ضرورة القيام بنشاط جدي ضد فصائل المقاومة الفلسطينية، فيما يشكك جهاز الأمن العام بنيتهما الامتثال للاملاءات بشن حرب على هذه الفصائل، أما قيادة الجيش فتميل الى الاعتقاد بأن الاتفاق الأمني مع الفلسطينيين لن يصمد طويلاً "وإذا ما صمد فعلاً فسيكون ذلك بمثابة معجزة". ونقلت صحيفة "هآرتس" عن أوساط أمنية ان لا مؤشرات جدية لدى الفلسطينيين الى نيتهم إلقاء السلاح واحترام بنود الاتفاق الأمني، وان اكثر من 60 انذاراً متوافرة لدى اجهزة الأمن الاسرائيلية باحتمال تنفيذ عمليات تفجيرية وهجمات مسلحة. اسرائيل ترفض الهدنة وكررت محافل سياسية اسرائيلية الترتيلة الجديدة بأن الهدنة الفلسطينية لا تعني اسرائيل بتاتاً "بل لا تساوي قيمة الورقة المكتوبة عليها". واضافت ان اسرائيل لم تكن معنية منذ بداية الأمر بمثل هذه الهدنة لاعتقادها انها تستهدف ابقاء خيار "الارهاب" في يد التنظيمات المسلحة لتلجأ اليه اذا رأت انها لم تحقق اي مكاسب من خلال الاتفاقات المبرمة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.