يتوافد الزوار من مختلف دول العالم الى المملكة المتحدة، وأكثر من نصفهم يتوجهون الى لندن التي تعج بالحركة والازدحام وتقدم كل ما يتخيله السائح… وأشياء لم يتخيلها ايضاً! ونصف زوار لندن هم من العائدين الذين سبق وان زاروا لندن وعادوا للتمتع بالمزيد من سحرها. وعلى رغم الضغط الحالي على السياحة العالمية بسبب الظروف السياسية المتقلبة في العالم، إلا ان السياح ما زالوا يختارون لندن كنقطة سياحية مفضلة. فقد تضاءل عدد الزوارمن 4.28 مليون عام 2001 الى 27.7 مليون في العام 2002 في ظل الهجمات على مركز التجارة العالمي في نيويورك. وفي العام 2003 تأثرت السياحة العالمية بسبب الحرب على العراق ومرض السارز الذي دفع الكثيرين للبقاء في بلادهم ومع ذلك ما زالت مطارات لندن مزدحمة وفنادقها محجوزة ومكاتبها السياحية حيوية… فما السبب؟ الجواب على هذا السؤال بسيط جداً: لا توجد مدينة في العالم تجمع بين الحداثة والتاريخ، بين الازدحام والهدوء، بين الغرب والشرق، بين الليل والنهار مثل لندن. ومن بين زوار لندن، نسبة 4 في المئة يأتون من الدول العربية. وعلى رغم ان هذه النسبة صغيرة، إلا أن وزارة السياحة البريطانية تؤكد: "انها نسبة مهمة جداً لنا… لأن الزوار من الدول العربية هم الذين ينفقون المال خلال زياراتهم، ولذلك نسعى لإرضائهم وتطوير علاقتنا بهم". المعالم السياحية المنظر المشهور في لندن يتضمن "بيغ بن" الساعة الشهيرة المجاورة للبرلمان البريطاني العريق، وخلفهما نهر التيمز الهادئ. بالقرب من "بيغ بن" توجد كنيسة "ويستمنستر" التي بنيت عام 1065 بطراز عريق وزخرفات في كل ركن من أركان جدرانها العالية. وهي ايضاً مكان تتويج الملوك، والاحتفال بالزيجات الملكية. واضيفت أخيراً الى المباني التي تتزاحم على ضفاف نهر التيمز "عين لندن" التي تعلو فوق المباني المنتشرة حولها، وتمكن المرء من رؤية العاصمة البريطانية من أعلى نقاطها. وعلى زائر لندن ركوب اكبر دولاب هواء في العالم، يحتوي على 32 عربة زجاجية يحس الراكب داخلها بأنه يطير فوق النهر لمدة 40 دقيقة. والرحلة بطيئة حتى لا يشعر الراكب بالتعب أو الدوران، ومن الضروري أخذ كاميرا لتصوير عاصمة الضباب وهي تبدو كمدينة للدمى من علو 135 متراً. وإلى جانب تلك المعالم، هناك كذلك قصر الملكة اليزابيث "باكنغهام" وسكن الأميرة الراحلة ديانا قصر "كينزينغتون". وقربهما حديقتان عامتان جميلتان، "سانت جيمز" و"هايد بارك". ومن الضروري قضاء الوقت في الحدائق العامة في لندن، والذي يزور حديقة "هايد بارك" عليه الركوب في أحد القوارب التي تمر ببحيرة ال"سربنتاين" في وسطها. ويجب زيارة حديقة "ريتشموند" العامة الواقعة في ضاحية لندن الجنوبية. وهذه الحديقة واسعة ومتروكة على شكلها الطبيعي، فيها بحيرة ومناطق مخصصة لأنواع الزهور والورود. ولكن اجمل ما فيها الغزلان التي تعيش فيها حرة وطليقة. وعادة ما يرى المرء مجموعة من الغزلان في إحدى ساحات الحديقة الخضراء. ويستطيع الزائر الاقتراب من الغزلان والتقاط الصور لها، إلا انه يجب الحذر من الاقتراب كثيراً إذ قد تعتبر ذلك تهجماً عليها. وتوجد معالم سياحية لندنية أخرى، ربما أقل شهرة، يجب التعرف عليها ايضاً. وتتوزع هذه المعالم في شوارع مختلفة في لندن، وهي عبارة عن أقراص مدورة زرقاء تحمل كل واحدة اسم أحد أبرز الشخصيات التي سكنت لندن سواء كانت سياسية، أم ادبية، أم علمية، أو أي شخص معروف من الطبيعي تذكره. وعندما ترى اللائحة الزرقاء التي تدل على سكن كارل ماركس في شارع "ديوك" في وسط العاصمة، وأخرى تشير الى فرجينيا وولف وسيغموند فرويد وبنجامين فرانكلين تحس بتاريخ هذه المدينة التي جمعت مختلف الاجناس، فقصدها من اراد الحرية والابداع. ويوجد اكثر من 800 لوحة زرقاء موزعة في شوارع لندن. وتفتخر لندن بعدد كبير من المتاحف التي تختص بكل ما يمكن ان يخطر على البال. فهناك متاحف تقليدية مثل "المتحف البريطاني" الذي احتفل اخيراً بمرور 250 عاماً على تأسيسه ويختص بالحضارات العالمية، من السومريين الى الازتك. ومن المدهش ان دخول متاحف لندن العامة مجاني، وذلك ضمن سعي الحكومة البريطانية الى اجتذاب الزوار الى متاحفها. ومن يريد زيارة متاحف مختلفة, هناك متحف "موفينغ ايميج" الصورة المتحركة الذي يختص بتاريخ السينما والتلفزيون وتطور الصورة المتحركة عبر العقود الماضية. ولالتقاط الصور بجانب العائلة المالكة البريطانية أو أشهر زعماء ورؤساء الدول أو ممثل افلام "جيمس بوند" بيرس بروزنان فيمكن الذهاب الى متحف الشمع "مدام توسود" الذي يضم تماثيل من الشمع هي صور طبق الاصل للشخصيات البارزة في عالم السياسة والفن والرياضة. ووسائل الترفيه في لندن لا تعد ولا تحصى, فعاشق السينما بإمكانه التفرج على احدث أفلام هوليوود في صالات السينما الكبرى في "ليستر سكوير" أو مشاهدة الروائع القديمة في "معهد الفيلم الملكي". ولمن يريد مشاهدة الافلام بطريقة مختلفة، عليه الذهاب الى سينما "أي- ماكس" في منطقة ووترلو التي تقدم الافلام المجسدة حيث يحس المشاهد انه يصبح جزءاً من الفيلم بالصوت والصورة 3-D. وتكثر المسارح في وسط لندن وضواحيها، ففي منطقة "هاي ماركت" عشرات المسارح التي تقدم العروض ليلاً نهاراً… وتتجدد العروض حسب الطلب، وتأتي من كل دول العالم لتقدم مسرحياتها الموسيقية والفكاهية والدرامية. التسوق التسوق في لندن سياحة بحد ذاتها… فبين شوارعها الراقية مثل "سلون ستريت" و"نيوبوند ستريت" إلى أسواقها المفتوحة مثل "بورتبيلو ماركت" و"كامدن ماركت" باستطاعة الزائر ان يقضي سفرته كلها بالتسوق… ولا يملّ من الشراء! وبإمكانك العثور على كل ما تريده، حتى ان كان نادراً اذا تحليت بالصبر ووسعت خيالك. فهناك مراكز التسويق الشهيرة مثل متجر "هارودز" الذي يضم تحت سقف واحد كل السلع الفاخرة والاسماء التجارية العالمية وشارع "اوكسفورد" الذي يحتاج اسبوعاً كاملاً لدخول "البوتيكات" في الزقاقات المتفرعة منه. ومن يهوى جمع التحف النادرة سيجد في لندن كل ما يشتهيه. فالخيارات واسعة بين المزادات العالمية التي تنظمها "سوذوبي" و"كريستي" اللتان تقدمان عروضاً على مدار السنة. كما ان المشتري على موعد مع أرقى وأغرب أنواع التحف في شارع "تشرتش" في منطقة "كينزينغتون" المليء بالمحلات الصغيرة والخاصة. ويقصد كثير من السيدات لندن للحصول على الملابس والأحذية والحقائب التي تتماشى مع احدث صرخات المودة وتحمل اسم اهم دور الأزياء الشهيرة. ففي "سلون" و"ريجنت" و"نيوبوند" متاجر لأشهر دور الأزياء العالمية، كما أن لندن تستضيف "أسبوع لندن للأزياء" كل عام لتحديد الصرعات التي سيتبعها من يهتم بالصرخات المتقلبة. ولكن يمكن للمتسوق توفير بعض المال اذا ما جاء خلال موسمي التخفيضات السنوية عند منتصف السنة ونهايتها. فخلال الصيف، تبدأ المتاجر بتخفيض ملابس الصيف الى نصف سعرها واحياناً 75 في المئة من سعرها الاصلي. وبعد الاحتفالات بأعياد الميلاد قبل نهاية السنة الميلادية، تقوم المتاجر بتخفيض أسعار سلعها ايضاً. والتسوق في تلك الأيام أروع ما يكون، إذ تكون لندن مزدانة ومبتهجة احتفالاً بأعياد الميلاد، وعلى رغم غروب الشمس عند الساعة الرابعة والبرد القارس في كانون الاول ديسمبر، إلا أن الاضواء التي تنير الشوارع تملأ الجو بالدفء بينما يسرع المتسوقون للحصول على افضل المشتريات بالأسعار المغرية. وتهتم المحلات اللندنية بعدم تكديس البضائع القديمة نسبياً، ولذلك توجد محلات خاصة لتصريف السلع التي لم يتم بيعها بكثرة، أو التي مضى الوقت التي كانت دارجة فيه. فتعتبر محلات "أوتليت" المكان الأنسب للحصول على الملابس بأسعار مناسبة جداً. ولكن من الممكن اضاعة الوقت في محلات تبيع بضائع قديمة وغير مرضية، لذا يجب التأكد من جودة البضاعة قبل التورط في الشراء، خصوصاً ان معظم هذه المتاجر لا يقبل استرجاع البضائع بعد البيع. وذلك على نقيض معظم اسواق لندن التي تقبل بارجاع البضائع غير المرغوب فيها خلال 14 أو 28 يوماً إذا كانت غير ملبوسة ومرفقة بفاتورة الشراء. حتى لو كتبنا المجلدات عن لندن، فإن احداً لا يستطع أن يكمل الحديث عن معالمها وسحرها… فالسياحة لا تنتهي، حتى لمن يقيم في المدينة على مدار السنة.