في اليوم نفسه لإعلان الرئيس الأميركي جورج بوش، بعد القمة الأميركية - الأوروبية، ان "تفكيك حركة حماس بات هو المحك الآن"، نفذت اسرائيل محاولة اغتيال جديدة لأحد كوادر الحركة، أدت الى استشهاد مدنيين وجرح 14 آخرين. قد تكون حجة الإسرائيليين ان العملية جاءت رداً على محاولة "حماس" قتل جنود اسرائيليين قبل ساعات فأصيب احدهم. لكن في وسع الفلسطينيين ان يرفعوا ايضاً حجة ان عمليتهم جاءت بعد اغتيال احد قادة "كتائب عز الدين القسّام" في الخليل عبدالله القواسمي. وفي اليوم التالي لإعلان بوش، اي الأربعاء، شن الإسرائيليون حملة اعتقالات في الخليل شملت 150 شاباً من المدينة... لا حاجة للتكرار ان المسؤول عن هذه الحلقة المفرغة هو الجانب الإسرائيلي، وأن الإدارة الأميركية ما زالت تعلن تمسكها بتطبيق "خريطة الطريق"، في وقت تقدم التغطية الكاملة لقيام اسرائيل بخرقها... منذ ان حاولت اغتيال القيادي في الحركة عبدالعزيز الرنتيسي بعد ساعات من قمة العقبة التي يفترض ان تكون أطلقت آلية تطبيقها. فالخريطة نفسها تنص على "ألا تتخذ الحكومة الإسرائيلية اجراءات تضعف الثقة، بما في ذلك عمليات الإبعاد والهجوم على المدنيين ومصادرة منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم...". إلا ان اسرائيل لا تتوقف عن القيام بعمليات كهذه، فتحول دون التوصل الى هدنة... وتبني وقائع تمنع قيادة "حماس" وغيرها من قبول هذه الهدنة امام كوادرها وجمهورها. وتنص الخريطة على ان تبدأ اجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية "بعد اعادة بنائها وتركيزها بشن عمليات مستمرة لمواجهة جميع المتورطين في الإرهاب وتفكيك البنى التحتية للإرهابيين وقدراتهم"... ويعلم الرئيس الأميركي ان اجهزة الأمن الفلسطينية لم تبنَ بعد، إذا سلّمنا بأن هذا التفكيك هو عملية امنية، فيما هو في الواقع عملية سياسية، ولا يمكن إلا ان تكون كذلك... بل ان هذه الأجهزة تحتاج الى 400 مليون دولار للتدريب والتجهيز... كما طالب وزير الشؤون الأمنية محمد دحلان. لا يرف جفن لبوش، في نقضه المتواصل ل"خريطة الطريق". وهو يترك للإسرائيليين ترتيب عمليات الخرق. حتى العبارة التي استخدمها في قمة العقبة، عن الأراضي الفلسطينية "المتصلة"، والتي اثارت جدلاً اضطر الناطق باسمه الى توضيحها، يجرى التخلي عنها في المفاوضات الأمنية القائمة بين السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي على انسحابه من غزة، إذ يصر العسكريون الإسرائيليون على الاحتفاظ بحواجزهم الممتدة على الطريق التي تفصل هذا القطاع، من اقصى شماله الى اقصى جنوبه. في هذه الحال يبدو بوش، الذي يريد امتحان قدرة السلطة الفلسطينية على تفكيك "حماس"، كأنه يخوض بنجاح الامتحان مع صديقه آرييل شارون واللوبي الإسرائيلي الليكودي في واشنطن. فالالتباسات التي تتضمنها "خريطة الطريق" تتيح له تقديم الواجبات الفلسطينية فيها، على الخروقات الإسرائيلية المتواصلة لها، ما دام همه الرئيس إرضاء هذا اللوبي بدلاً من دفع شارون الى وقف العنف لفتح الطريق لعودة السلطة الفلسطينية الى الإمساك بزمام الأمور. فشارون، ورجاله في مجلس الأمن القومي ومكتب مستشارة الرئيس كوندوليزا رايس مثل اليوت ابرامز وغيره يدركون جيداً ان تفكيك "حماس" لا يمكن ان يتم إلا بتسوية سياسية، اقلها إشراك الأخيرة في السلطة، تمهيداً لدمج فصيلها العسكري، او جزء منه في اجهزة هذه السلطة، بناء على هذه التسوية. وهناك محطتان للقيام بذلك: إما تغيير في حكومة محمود عباس لتوسيع التمثيل فيها بناء لآفاق الهدنة المنوي إعلانها على الصعيد السياسي، او انتظار الانتخابات الفلسطينية التي تنص عليها الخريطة، والتي لا بد من ان تحصل فيها "حماس"، وغيرها من التنظيمات، على نسبة من التمثيل، يمكن ان تقود الى اشتراكها، وغيرها من الفصائل، في حكومة فلسطينية ائتلافية تخوض المفاوضات والتي تنص عليها الخريطة نفسها... لكن إبعاد السياسي عن الأمني بالنسبة الى شارون وبوش هو الهدف في هذه المرحلة. وهما سيقومان بكل ما يحول دون جلوس الفريقين الى طاولة المفاوضات، وإذا جلسا إليها سيحولان دون اي تقدم فيها. الأول يدرك ان حكومة فلسطينية حتى لو لم شارك فيها "حماس" او غيرها، لن تقبل بما سيعرضه عليها فكيف اذا كانت حكومة ائتلافية؟ والثاني يريد تأخير المرحلةالسياسية الجدية من الخريطة قدر الإمكان، حتى لا يضطر الى ممارسة ضغوط على اسرائيل قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وليس صدفة ان يتم ابعاد الأوروبيين، الشركاء في "خريطة الطريق"، اثناء المراحل الأولى لعملية التطبيق، وفقاً لما اشترطته اسرائيل.