منح صدام حسين الرواية العربية فرصة ذهبية لتجسيد الديكتاتور في اعلى مناصب الدولة، فقد ظلت الرواية العربية تجسد بشاعة السلطة الوسطى من غير ان تجرؤ على الإفصاح عن سمات من يجلسون في اعلى الهرم السياسي. إذ أقدم الروائيون العرب على تقديم الديكتاتور وفق المناخ البيئي الذي تدور فيه احداث الرواية، فإذا كان فضاؤها المكاني القرية فإن الديكتاتور يكون عمدة البلد كما يحدث في "بر مصر الآن" ليوسف القعيد، أو الإقطاعي كما في رواية "الأرض" لعبدالرحمن الشرقاوي، ويكون الديكتاتور في المدينة رجلاً بورجوازياً او من التكنوقراطيين او من سلطة المجتمع التي تحركها اجهزة اعلام الدولة كما في "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ و"اللجنة" لصنع الله ابراهيم او أذناب السلطة وأدواتها كما في "العسكري الأسود" ليوسف ادريس و"شرق المتوسط" لعبدالرحمن منيف و"عرس بغل" للطاهر و"انفجار جمجمة" لإدريس علي. أو في الفضاء المكاني للسلطة كما في "الرهينة" لزيد مطيع دماج. قبل صدام حسين لم تقدم الرواية العربية ديكتاتوراً يقتعد ذاكرة الجميع ويعرفونه معرفة تامة اسماً وشكلاً وثقافة حتى حينما تمت محاكمة عهدي جمال عبدالناصر وأنور السادات. ظلت الروايات تتناول المحيطين بهما من غير ان تدينهما مباشرة، او تقدم المجال الذي كانا يسبحان فيه، لذلك ألف القارئ او الناقد العربي عند قراءة اي عمل روائي القيام بعملية تركيبية حيث يتم حرث الذاكرة لهذه المهمة، ونركب كل ديكتاتور روائي على شخصية سياسية بعينها تقع في المحيط الروائي نفسه او خارجه، وهذا ادى الى ظهور ما يعرف بالإسقاط السياسي او الاجتماعي هذا المصطلح الذي خص به العرب دون سواهم وهو يشير الى ازمة ثقافية لم يتخلص منها العرب كون الأنظمة السياسية لم تتطور بما يسمح للكاتب ان يتجرأ على الشخصية الحاكمة منتقداً سلوكياتها ولرهبة الرواة من الاقتراب من اسوار هؤلاء اكتفوا بالاستعانة بذاكرة القارئ في التوصل الى الشخصية المقصودة داخل العمل الروائي بالإسقاطات التاريخية والمكانية... وحين تجرأ الروائي على الزعماء العرب بعد مواقف مساندة من الغرب في إسقاط الأنظمة الشمولية - صدام نموذجاً - ظهرت روايات عربية تشير الى زعماء بالأسماء مجسدة عوالم التعذيب والقهر الإنساني في ابشع الصور. وقبل ان يتجرأ الروائي العربي على صدام حسين، لم يكن الزعيم العربي يوجد في الأعمال الروائية إلا من خلال رسم شخصيات يواريها الروائي بين الكلمات والأحداث مكتفياً بتقديم بعض المفاتيح التي يمكن لها ان تشير الى ذلك الزعيم او بطانته. ووجد صدام حسين في الرواية العربية قبل اجتياح الكويت ممثلاً لأسطورة الزعيم المنقذ، حدث هذا حينما قدمه الإعلام العربي كرمز نضالي لصد اطماع الامبراطورية الفارسية التي تربض خلف الخليج لتلتهم العالم الإسلامي وتعيد كرسي كسرى بديلاً للخلافة الإسلامية، في تلك السنوات 1980 - 1988 وجد صدام حسين في الرواية العربية كحامل لواء القومية بعد جمال عبدالناصر، وكان إيعاز الى الروائيين العراقيين بتجسيد ملاحم الزعيم، وكتبت روايات عراقية وعربية ممجدة انتصارات الفاو والقادسية وقد تقترب رواية "عزيزي طه" للروائي المصري رجب سعد السيد من ذلك وإن لم تتطابق تماماً... إلا ان هذا الزعيم الرمز سرعان ما انشطر باجتياح الكويت لينقسم حوله المثقفون والشعب العربي... وكان من الطبيعي ان تأتي اول التجسيدات لهذه الشخصية وبيان مرضها من الدول المتضررة من فعله. "شقة الحرية" لغازي القصيبي وظهر صدام حسين في رواية "شقة الحرية" لغازي القصيبي، شخصية مطاردة، هاربة من العراق بعد محاولة اغتيال فاشلة، كانت الكلمات الواصفة لهذه الشخصية تفيض بالازدراء لهذا الشاب المقذوف في مقاهي القاهرة والباحث عن دور يليق بملامحه الصخرية، وعلى رغم ان الإشارة لشخصية صدام حسين كانت عابرة في رواية "شقة الحرية" لكنها كانت كفيلة بالمراجعة والتوقف عند الكلمات لمعرفة رجل اصبح في قلب الأحداث، فرواية "شقة الحرية" ظهرت في 1995 حين كان صدام علماً احرقت النار كل اطرافه وليس هناك احد إلا وسمع به، فكانت الكلمات الواصفة لمزاجيته وتعبيرات جسده في الرواية كفيلة بجعل القارئ يتوقف عندها كثيراً، وربما انتظر القارئ في كل رواية تصدر في الدول المواجهة لصدام ان تكون مجسدة لهذه الشخصية، وما احدثته من تقليب او تجريف لتربة المنطقة إلا ان كثراً من الروائيين السعوديين او الكويتيين او روائيي بقية دول الخليج لم يقدموا شخصية صدام كما يجب فنياً... وكان اول عمل فني يحاكي شخصية صدام العمل المسرحي الذي قدمه حسين عبدالرضا بشكل كاريكاتوري لا يمكن ان يكون وثيقة فنية لهذه الشخصية وظل أدباء الخليج امناء لواقعهم وذلك بالمحافظة على المسافة التي تبعدهم عن الزعماء والقادة، فكان حضور صدام حسين في الأعمال الأدبية شبيهاً بظهور الطيف، يظهر كخلفية للأحداث وربما لا يظهر إلا بصورة عابرة وسريعة بينما يظل التجسيد للأثر الذي احدثه من جراء اجتياح الكويت، فنجد روائياً كاسماعيل فهد اسماعيل يقدم سباعية روائية سبعة اجزاء بعنوان "احداثيات زمن العزلة" ويقدم شهادة طويلة للأثر الذي تركه الفعل وليس الشخصية، مجسداً ما حدث في الكويت كمسح شامل للآثار التي خلفها الاجتياح، إلا ان الشخصية ظلت هي الشخصية التي يقدمها الإعلام وبالتالي لم تبتعد الرواية عن الدور الإعلامي المقدم للعالم في إظهار بشاعة الفعل لا بشاعة الشخصية او تناقضاتها، وهو حضور الأثر لا حضور الشخصية. "سقف الكفاية" لمحمد حسن علوان وفي السعودية نجد اصواتاً شابة كمحمد حسن علوان الذي كان عمره اثناء اجتياح الكويت 11 عاماً نجد هذا الشاب بعد 12 سنة ينطلق في روايته "سقف الكفاية" الى عوالم العراق وما أحدثه صدام في الشعب العراقي من خلال تشريد اولاده ونثرهم في بلاد الله، نجد محمد حسن علوان يقتفي اثر افعال صدام على الشعب العراقي من خلال شخصية ديار وديار شخصية كبقية افراد العراق وهم فنانو الحزن الأعرق في التاريخ ويقتطف علوان جملة من صلاح نيازي تصف حال العراقيين وقياداتهم نحن العراقيين نولد وفي جبيننا الخوف! نرثه كابراً عن كابر... كما نرث السحنة والملامح والأمراض، وسر نكباتنا هو الخوف، حتى استبداد حكامنا نابع من الخوف! ونجد شخصية صدام حسين حدثاً خلفياً باهتاً في رواية "وجهة البوصلة" لنورة الغامدي، تجدله ككارثة جديدة تلحق بالقضية الفلسطينية وتأخر تقدم العرب. "الرياض 90 نوفمبر" لسعد الدوسري ويتجسد اثر صدام حسين في رواية "الرياض 90 نوفمبر" لسعد الدوسري الرواية سحبها المؤلف قبل ان تطبع بأيام بعد ان اعدت للطبع في بروفتها الأخيرة نجد اثر صدام مخيماً بظلاله القاتمة على مدينة الرياض في تجسيد الحالة التي اعترت المدينة في انتظارها لحرب شرسة قادمة وإن كانت الرواية تتحدث عن ما قبل انطلاق شرارة حرب التحرير إلا انها جسدت الأثر الذي تركه فعل صدام على المنطقة. "الفتيت المبعثر" لمحسن الرملي ونجد التجسيد الحقيقي لأثر الطاغية على الناس من خلال رواية اتخذت من الريف العراقي فضاء لأحداثها وجعلت من صراع السلطة والمثقف محوراً لأحداثها... نجد ذلك يتجسد من خلال رواية "الفتيت المبعثر" لمحسن الرملي فالمثقف هنا يقاوم الطاغية من خلال رفض رسم صورته في المحافل التي تقيمها القرية وعندما لا يقدر على المقاومة يقوم برسم لوحة للوطن يخترقها نهرا دجلة والفرات ولأن هذا الفنان المارق رفض الرضوخ ومسايرة النظام يمسك به كخائن ليطلق عليه ابوه النار تنفيذاً لأوامر القائد بحجة التهرب من الخدمة العسكرية ويفهم الأب معنى رسم ابنه بعد تنفيذ اوامر القائد، يفهم ذلك حين يرى الشاذين والمنحرفين هم دعامة النظام ورجالات الزعيم! "بغداد لا احد" لجمال عبدالمعتمد ونجد رواية "بغداد لا احد" لجمال عبدالمعتمد تحمل معاناة العمال المصريين الموجودين داخل العراق إبان تحرير الكويت إلا انهم لا يحملون جوازات سفر، مقدمة "معاناة هؤلاء الناس من الأثر الذي احدثه صدام"، وتقتفي رواية "ايام في الأعظمية" لفريد محمد معوض هذا الأثر الذي تركته حرب تحرير الكويت على العرب المقيمين داخل العراق متبعاً الروائي المواربة في انتقاد النظام العراقي. بينما تمثل رواية "تراتيل الوأد" لجاسم الرصيف تجسيداً لمعاناة الشعب في الداخل بفعل الحصار والموت الجماعي وهي تصب في خانة الأثر وليس الشخصية ذاتها. "زبيبة والملك" لكاتبها ولا يترك صدام هذا العالم الروائي يجسده كما يجب ان يفعل الروائيون، لا يترك هذا الأمر لهم، فطبيعته لا ترضى بمثل هذا الفعل، فيقوم بهذا الدور بنفسه من خلال رواية "زبيبة والملك" ذلك العمل المتواضع فنياً والمحمل بعبارات سياسية رنانة ألفت الخروج من فم صدام حسين وإن كانت المخابرات الأميركية CIA عكفت على قراءتها لتخرج وتقول ان الرواية ليست لصدام حسين، وهذا ليس مهماً، المهم ان الرواية بما حظيت به من احتفال عظيم داخل العراق يشي انها لصدام حسين لكن الغريب ان صاحبها نص على ان ريع هذه الرواية يذهب الى اليتامى والفقراء والمساكين والجمعيات الخيرية، وهو بهذا الفعل يجعلنا نقف على شخصية متناقضة تعيدنا الى رواية "شقة الحرية" ولنمسك بوصف غازي القصيبي لصدام، ولنقف على هذا التناقض فحين يموت ملايين الأطفال في مقابل تعنت الزعيم ليكون تعنته بطلاً قومياً يرفض ان يذل الشعب ظاهرياً بينما باطنياً نقف على إشارة صلاح نيازي من ان الخوف يدفع به الى الاحتماء بكل الشعب ولا ضير ان ينسف هذا الشعب قبل ان تسقط قامة الزعيم بينما يكون في فعله الكتابي شخصاً محباً ومتعاطفاً مع الفئات المسحوقة ! حيث يودع ريع روايته في صناديق الجمعيات الخيرية او في جيوب الفقراء راسماً صورة لنفسه توحي بالطيبة ومن طريق خفي تخلق التعاطف معه. وبالدخول في رواية "زبيبة والملك" يمكن لنا ان نقف على شخصية صدام حسين كما يريد ان يرسمها في ذهنية الآخر لا كما هي مرسومة من خلال معاناة الشعب في الداخل والخارج وما تحمله الوثائق من بطشه بالمعارضين. رواية مهدي حيدر وتأتي رواية "عالم صدام حسين" لمهدي حيدر حاملة قدراً مهولاً من المعلومات ومقتربة من شخصية صدام حسين بتقديم تضاريس نفسية له من قريب، متتبعة حياته من تكريت الى دمشق الى القاهرة عوداً الى بغداد... وهي رواية كما يصفها الصديق خالد المعالي تجرأت على التاريخ.