المدرب المصري ظالم ام مظلوم، جاني ام ضحية؟ المدرب المصري الذي كان هدفاً اول لكل منتخبات وأندية الخليج في السبعينات وحتى التسعينات، لم يعد مطلوباً هناك بالعدد المناسب لريادة مصر في عالم كرة القدم. مدربو المغرب العربي اصبحوا الاكثر عدداً في الاندية الخليجية، والسبب الرئيس هو الاحتراف الخاطئ الذي تم تطبيقه في مصر منذ العام 1990، وأضر بالمدربين ضرراً بالغاً ودفعهم الى طريق المال. هل يصدق احد ان مدرباً في احد اندية الدوري الممتاز في مصر يفاوض لاعبيه قبل المباريات المهمة المذاعة على الهواء؟ ومن يدفع له ثمناً أكبر يشترك اساسياً في التشكيلة ليراه الجمهور وتكتب عنه الصحافة ويرتفع سعره، واللاعب الكفي المحترم الذي يرفض المهاترات يخرج من اللائحة... والنتائج لا تهم. هل يصدق احد ان اكثر من مدرب في اندية الدوري يفاوض اللاعبين الذين يريد ضمهم من اندية اخرى واللاعبين الذين يريدون ترك فريقه، واللاعب الذي يمنحه نسبة لا تقل عن 30 في المئة من العقد الجديد يحصل على الموافقة بالحضور او الرحيل. هل يصدق احد ان يقوم اكثر من مدرب بجولات مكوكية بين الاندية فور نهاية الموسم؟ والهدف هو خطف المكان الخالي من مدرب آخر، ونادي المقاولون العرب الذي هبط الى الدرجة الثانية واستغنى عن مدربه لطفي نسيم، استقبل اكثر من 20 مدرباً من اندية كبرى على رأسها الاهلي والزمالك، والكل يعرض خدماته لتدريب الفريق مع قدر كبير من التنازلات. هل يصدق احد ان يسعى مدرب متعاقد مع ناد حتى نهاية الموسم للتعاقد مع ناد آخر قبل ان تمر ثلاثة أسابيع من عمر الموسم؟ هذا الامر حدث في مصر خلال الموسم الماضي في أكثر من ناد، وهو الامر الذي ادى الى تغييرات في كل اندية الدوري بداية من الزمالك البطل ومروراً بالاهلي والاسماعيلي الثاني والثالث في الترتيب ونهاية بالمقاولون وغولدي واسوان التي احتلت المراكز الاخيرة، ولم يفلت من التغيير إلا طه بصري وحلمي طولان ومختار مختار مدربو انبي وحرس الحدود وغزل المحلة... والاخير تم تغييره بعد نهاية الموسم. هل يصدق احد ان يتعرض مدرب المنتخب المصري محسن صالح، لهجوم حاد من الصحافة في اليوم الاول لتسلمه عمله؟ وأن وتصل الامور لذروتها ضده بعد الخسارة من مدغشقر صفر-1 في تاناناريف في التصفيات الافريقية، والخسارة من الدنمارك ودياً 1-4 في القاهرة. وتنكشف الصورة القاتمة في المعاملة غير العادلة مع صالح في محاولة التقليل من شأن الفوزين الكبيرين لمصر على موريشيوس 7-صفر ومدغشقر 6-صفر وهو رقم قياسي لأكبر فوزين متتالين لمصر قارياً. هل يصدق احد ان يدفع مدرب من ماله الخاص ومال اصدقائه الى زعماء روابط المشجعين في الاندية الكبيرة ليهتفوا له في المدرجات، بل وأن يهاجموا أحياناً أي عضو مجلس ادارة لا تتوافق أراؤه مع أراء المدرب. سلبيات فريدة في عالم التدريب افرزها الاحتراف الوهمي، لكن الايجابيات الرائعة لا تزال موجودة... محمود الجوهري المدير الفني القدير لمنتخب الاردن لا يزال القدوة التي يسعى الجميع إلى تقليدها في كل البلاد العربية، والكبار محمد عبده صالح الوحش وطه اسماعيل وهاني مصطفى يشكلون قاعدة من الخبراء والمحاضرين والمحللين والمطلوبين في كل مكان. والوحش اصبح نجماً تلفزيونياً، واسماعيل اختاره الفيفا لرئاسة مشروع الهدف في شمال افريقيا وغربها، ومصطفى يقوم حالياً بدور رئيس في اللجنة الفنية المسؤولة عن تحليل مباريات كأس القارات في فرنسا. وضرب طه بصري نجم ومدرب الزمالك السابق مثالاً رائعاً في الاخلاص لعمله، وفي اول موسم له مع انبي قاده الى الدوري الممتاز، ثم حقق المركز الرابع في العام التالي... وتعادل ذهاباً واياباً مع الزمالك بطل المسابقة، واسقط الاهلي في المرحلة الاخيرة. نظام الاحتراف الوهمي اضر بالمدرب المصري، وجعله ألعوبة في ايدي ادارات الاندية. والجميع لا يحترمون تعاقداتهم الا مع الاجانب، والمصريون مجبرون على العمل من دون عقود موثقة ومن دون شروط جزائية، والمدرب الذي يتمسك بالعقد يجد نفسه في الشارع بلا عمل لأن زميلاً له سيقبل المهمة. اتحاد كرة القدم لا يحمي المدربين، والاساس ان يتم توثيق عقد المدرب الشامل لكل الشروط في الاتحاد فور تعيينه، وان يتولى الاتحاد مهمة التسوية المالية بين الطرفين في حال النزاع. حماية المدرب، احد اضلاع كرة القدم الثلاثة مع اللاعب والحكم، مسؤولية كاملة لاتحاد الكرة، لكن الأخير لا يعطي المسألة اهتماماً ويتركها للاندية لتتلاعب بالمدربين، وهم بالتالي يتلاعبون باللاعبين والنتائج واحياناً بالاندية نفسها. العدد المحدود جداً من المدربين "الفاسدين" اضر بالصورة الرائعة للمدربين المصريين الممتازين والاكفياء، وقصور اتحاد الكرة في معاقبتهم او في حماية المحترمين ادى إلى انهيار سوق المدرب المصري خارج الحدود. الوقت لا يزال سانحاً لاستعادة الصورة الممتازة للمدرب المصري في الخليج، ووجود نخبة من المحاضرين المصريين في كل دورات الاتحادات العربية والافريقية والدولية تمنح الفرصة لتعديل الاوضاع... لكن القرار سيبقى اولاً ودائماً في يد اتحاد كرة القدم لاستعادة الهيبة المفقودة للمدرب المصري.