يطرح الآن بإلحاح موضوع اقامة حكومة عراقية بمعرفة الاحتلال، بدعوى ملء الفراغ وتجنب الفوضى. واثار ذلك ولا يزال ردود فعل وطنية وعربية دولية، وتساؤلات مشروعة، عما اذا كان النظام القانوني للاحتلال يأذن بتدبير كهذا، وما اذا كان ظهور حكومة على هذا النحو، يعد ظهوراً شرعياً. وتحاول هذه السطور ان تجيب على تلك التساؤلات، بالتعريف بالاحتلال وطبيعته القانونية، ومدى شرعيته في الدائرة المعاصرة للقانون الدولي، وان تبسط الشروط اللازمة لظهور الحكومات على نحو يستوي والاحكام القانونية التي تقضي بوجوب تمثيل الحكومات لشعوبها تمثيلاً حقيقياً يؤهلها للاعتراف بها من قبل الجماعة الدولية. ويمثل احتلال العراق سابقة في الحياة القانونية الدولية، كما يؤشر الى نقطة تحول مهمة في نطاقها: أما السابقة: فتتمثل بحقيقة ان نشأة القانون الدولي اقترنت عموماً بعدم تقييد حرية الدول في الحروب. ولم يحدث تحول جذري نحو تحريم الحرب العدوانية إلا بصدور ميثاق الاممالمتحدة. وغني عن البيان، ان الحياة الدولية في اعقاب صدور الميثاق، كانت قامت على التوازن الدقيق بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي. ولم يقع في تلك الفترة احتلال عسكري جدي بمعناه التقليدي، حيث ترك ذلك للتوازن طابعه على النزاعات المسلحة المهمة، وانعكس في صيغة تقسيم الاقليم الذي يدور عليه النزاع بين المتنازعين، كما حدث في كوريا وفيتنام ابتداءً. غير ان احتلال دولة الكويت عام 1990 شكل في الواقع اول بادرة تجلى فيها الاحتلال بصورته التقليدية. بيد أنه اقترن ايضاً بوضع نظام الامن الجماعي موضع التنفيذ، على النحو المعروف، فأصدر مجلس الامن قراراته بموافقة جميع اعضائه الدائمين في مجلس الأمن. وهكذا يحتفظ احتلال الاقليم العراقي بوصف السابقة المتفردة، لأنه تم بانتهاك غير مسبوق لميثاق الاممالمتحدة، واستبعاد فظ لدور الاممالمتحدة، عمدت اليه الدولتان المحتلتان، اللتان تتحملان مسؤولية خاصة في صيانة السلم والامن الدوليين، بوأتهما مقعديهما الدائمين في مجلس الأمن. وهو يؤشر الى مرحلة جديدة في الحياة الدولية: على رغم ان الولاياتالمتحدة، كانت تصدرت لاعادة بناء العالم على أسس مغايرة، عشية تداعي المعسكر الاشتراكي، الا ان الاسلوب الذي اعتمدته وحليفتها المملكة المتحدة في احتلال العراق، مثل نقطة تحول بارزة في ذلك المسار، بما جسده من تحقير لميثاق الاممالمتحدة، وازدراء للمنظمة الدولية، واصرار منقطع النظير على انتهاك قواعد القانون الدولي، على نحو حمل السيد كولن باول وزير خارجية الولاياتالمتحدة الاميركية ان يصرح يومي 11 و14/4/2003 بأن قوات التحالف تملك وحدها الحق في تقرير الوضع الجديد في العراق، بصفتها القوة التي احدثت التغيير، وهو يعبر بذلك عن توجه ثابت لرسم عالم الغد، يبعث مفاهيم حقوق المنتصر، التي صال الاستعمار القديم تحت اعلامها، وتوارت بتصفيته قبل قرابة نصف قرن. على أن السيد جاك سترو وزير خارجية المملكة المتحدة، مضى لأبعد من ذلك حين طلب ان يعترف مجلس الامن بالوضع الجديد في العراق في تصريح له في 16/4/2003، تشبثاً منه بإضفاء طابع الشرعية على الاحتلال، وتمسكاً بنظرية مشروعية الحروب البالية. - الطبيعة القانونية للاحتلال: ويقصد بالاحتلال في نطاق القانون الدولي التقليدي، تمكن قوات محاربة من دخول اقليم محارب آخر في نزاع مسلح، والسيطرة عليه بالفعل، كلها أو جزئياً. ويترتب على الاحتلال - بالضرورة - وقف ممارسة حكومة الاقليم المحتل لسيادتها موقتاً، من دون ان تنتقل هذه السيادة إلى الدولة التي تضطلع بالاحتلال. وقد اقتضى هذا التوقف المقترن بعدم الانتقال، اناطة مهمات موقتة بقوات الاحتلال، وتزويدها بالسلطات اللازمة لأدائها. وتكفلت ببيان ذلك المواد 27 - 34 و47 - 78 من لائحة جنيف، والمواد 42 - 56 من لائحة لاهاي اللتين بسطتا الاحكام المتعلقة بمسؤولية الاحتلال عن ضمان الامن في الاقليم المحتل، وحماية ارواح الناس ومعتقداتهم وممتلكاتهم، واطراد سير الادارة، وعدم التصدي للبنية الدستورية للاقليم، أو التعرض - كقاعدة عامة - لتشريعاته، أو لأعمال السلطات القضائية... كما استقر العمل على إدانة كل تصرفات الاحتلال التي تنبو عن هذه القواعد، وعلى إلزام دولة الاحتلال بالتعويض عنها في حال وقوعها. والاحتلال بالوصف المتقدم هو جزء من التنظيم القانوني الدولي للحرب، الذي قام ابتداء من مبدأ مشروعية شن الحروب لتسوية المنازعات الدولية، تأسيساً على نظرية السيادة المطلقة، التي اصابت انتشاراً في القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين، وازدهرت في المانيا القيصرية، لتبلغ ذروتها على يد النازيين اخيراً. وقد استخدمت هذه النظرية عبر التاريخ لتبرير السياسات الاستعمارية وقهر الشعوب. ولما كانت القواعد القانونية التي تحكم الاحتلال جزءاً من التنظيم الدولي لقانون الحرب، فقد ترتب على عدم مشروعية الحرب العدوانية ان فقد الاحتلال مشروعيته بالضرورة، بصفته صفحة من صفحاتها، واصبح بذلك يمثل اخطر انتهاك للقانون الدولي، موجب للمسؤولية الدولية التي تتحملها الدولة، والمسؤولية الجنائية التي يتحملها الافراد المتهمون بارتكاب جرائم الحرب. ولم تعد هذه المسؤولية متوقفة على نتائج النزاع كما كانت الحال في ظل قاعدة مشروعية الحرب وما انطوت عليه من اقرار حقوق المنتصر، وانما اصبحت تترتب على المبادرة للعدوان بصرف النظر عن نتائج النزاع. ومن هنا لم يعد المعتدي طرفاً في نزاع مسلح فحسب، وانما اصبح مذنباً بالمبادرة لخرق القانون، مما يحول دون نشوء اي حقوق في مصلحته. - الوضع القانوني لحكومة يقودها الاحتلال: يتضح جلياً من استقراء النظام القانوني للاحتلال وما آل إليه في الدائرة المعاصرة للقانون الدولي، ان اي حكومة تشكل بمعرفة الاحتلال وتدخله، سيكون ظهورها على هذا النحو مخالفاً لنظام الاحتلال نفسه، فضلاً عن تعارضه مع المبادئ الاساسية للقانون الدولي، وخروجه على مبادئ ميثاق الاممالمتحدة. - مخالفته للنظام القانوني للاحتلال: ووجه مخالفة ذلك النظام القانوني للاحتلال نفسه، يكمن في ان الاحتلال يترتب عليه بالضرورة وقف ممارسة حكومة الاقليم المحتل لسيادتها موقتاً، من دون ان تنتقل هذه السيادة إلى الدولة القائمة بالاحتلال كما قدمنا. وينبني على ذلك ان ترتد هذه السيادة بالضرورة إلى صاحبها الاصلي، وهو الشعب الذي فوضها لحكومته ابتداء. وهكذا يشكل التدخل في حرية اختيار هذا الشعب لحكومته الجديدة، خرقاً لقواعد الاحتلال نفسها، التي تحظر على المحتل، إحداث أي أثر في الطبيعة القانونية لسيادة الاقليم المحتل. وقد جلي حكم محكمة العدل الدولية الدائمة الصادر في قضية اللوتس عام 1927 ذلك حين قرر ان القيد الاول والاساسي الذي يفرضه القانون الدولي على الدول، هو انها لا يجوز لها ان تباشر سلطانها على أي صورة من الصور في اقليم دولة اخرى، الا اذا كان ذلك نتيجة اتفاق يقرر العكس. - مخالفته لقواعد القانون الدولي: وحيث ان الاحتلال يمثل اخطر خرق للقانون الدولي، فإنه يمتنع اضفاء الشرعية على أي تصرف يبني عليه، تطبيقاً للمبدأ القانوني الذي يقرر أن العمل غير المشروع لا يمكن أن يكون سنداً لأي تصرف يقره القانون. وقد استقر هذا المبدأ في القانون الدولي منذ زمن بعيد، وتوطد - في ما نحن بصدده - بالتوصية الصادرة عن جمعية عصبة الامم في 12/3/1932 والتي جاء فيها ان اعضاء العصبة يلتزمون بعدم الاعتراف بأي حال أو معاهدة أو اتفاق يكون نتيجة لاستعمال وسائل مخالفة لعهد العصبة، أو لميثاق بريان - كيلوج، الخاص بعدم الالتجاء إلى الحرب. - تعارضه ومبادئ ميثاق الاممالمتحدة: ويجيء في مقدمة هذه المبادئ مبدأ التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الاراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة، ثم مبدأ المساواة في السيادة بين جميع اعضاء الاممالمتحدة، واخيراً مبدأ وجوب حل المنازعات بالوسائل السلمية. هذه المبادئ التي يتطلب احترامها عدم الاعتراف بأي اجراءات تنتقص من سيادة الدولة باخضاعها أو الاملاء عليها، أو التصدي لبنيتها الدستورية أو فرض تشريعات عليها كقاعدة عامة. كما يتعارض ذلك على وجه الخصوص، مع واحد من أهم المبادئ الاساسية لميثاق الأممالمتحدة، وهو مبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها الذي يكفل لكل شعب الحق في وجود مستقل، والاختيار الحر لنظامه السياسي والاجتماعي، المتمثل بحكومة يكون وحده مصدر سلطانها، وقد تقرر هذا المبدأ في المواد 2 و3/1 و73 و76 من الميثاق، ورسخه التصريح التاريخي الذي اصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14/12/1960. وجدير بالذكر أن السيد ترومان، الرئيس الاسبق للولايات المتحدة الاميركية، كان قد صرح في 27/10/1945، ان الولاياتالمتحدة لن توافق على أي تغييرات او تعديلات اقليمية في أي مكان، إلا اذا كانت مطابقة لرغبات الشعوب التي يهمها الامر، وعلى شرط أن تعبر هذه الشعوب عن رغباتها بحرية. وانها سترفض الاعتراف بأي حكومة تفرض على أي دولة بمعرفة دولة اجنبية. وحري ان يطرح ظهور حكومة على هذه الشاكلة تساؤلات عن مدى ترخص اعضاء الجماعة الدولية في الاعتراف بها، وعما اذا كانت هي جديرة بهذا الاعتراف طبقاً للقواعد القانونية السائدة، التي يخضع لها الاعتراف بالدول والحكومات. - أحكام الاعتراف بالحكومات: ويخضع الاعتراف بأي حكومة، لقاعدتين اساسيتين: أولاهما: شرط فاعلية الحكومة، أي قدرتها على بسط سلطانها الفعلي على اقليمها، وتوقع استمرار هذه القدرة. ويتجسد هذا السلطان، بسموها الاقليمي، بمعنى ان تكون هي الممثل الوحيد لشعبها في الداخل، المعبرة انفرادياً عن اختياراته الحقيقية لنظامه السياسي والاجتماعي. كما يتجسد باستقلالها السياسي، بأن تكون الحاكم الوحيد في شؤونها الخارجية من دون ان يشاركها أحد، ومن دون أن تذعن لغير القواعد القانونية الملزمة لكل اعضاء الأسرة الدولية. وجدير بالذكر أن الرئيس الأميركي وودرو ويلسون، حاول بين عامي 1913 و1921، أن يجعل اعتراف الولاياتالمتحدة الاميركية بالحكومات الجديدة، مشروطاً بوصولها الى الحكم بطرق ديموقراطية، لكن المحاولة فشلت، اذ اعترفت الولاياتالمتحدة بعدد من حكومات اميركا اللاتينية وسواها، والتي وصلت الى الحكم بطرق غير دستورية وغير ديموقراطية. ولعل ذلك يؤشر تجذر سلوك الكيل غير المتوازن الذي تنتهجه السياسة الاميركية اليوم، خصوصاً اذا لاحظنا ان بعض دول اوروبا سادتها في تلك الحقبة، موجات ثورية عارمة، وانها شهدت قيام الاتحاد السوفياتي. والثانية: ان يكون ظهور الحكومة غير متعارض وقواعد القانون الدولي، فمتى تعارض تعذر الاعتراف بها. وتحت غلبة هذه القاعدة امتنعت الاسرة الدولية قاطبة عن الاعتراف بحكومة مويس تشومبي رئيس وزراء كاتانغا المنفصل عن دولة الكونغو، كما احجمت باستثناء - اتحاد جنوب افريقيا - عن الاعتراف باستقلال روديسيا الجنوبية الذي اعلنه ايان سميث في 10/11/1960. وحين تخفق حكومة ما في تأكيد سموها الاقليمي او تعجز عن صيانة استقلالها السياسي تنتفي عنها صفتها التمثيلية لشعبها، ولا تعود تعبر عن مشيئته، فتفقد الاهلية للاعتراف بها. وتأسيساً على ذلك فإن أي حكومة يقيمها الاحتلال لا يمكن أن تكون موضع اعتراف مشروع بسبب فقدانها لسموها الاقليمي واستقلالها السياسي من ناحية، ولأن ظهورها يقع بالمخالفة التامة لقواعد القانون الدولي وميثاق الاممالمتحدة من ناحية اخرى. - حكومة الامر الواقع: في ضوء ذلك فإن أي حكومة تقام في العراق بنفوذ الاحتلال، انما تتولد في الحقيقة عن خرق تام لقواعد القانون الدولي، وتنطوي على مصادرة لحق الشعب غير المنازع في التعبير الحر عن ارادته باختيار حكومته. لكن تقرير قيام هذه الحكومة نتيجة لسطوة الاحتلال او تنفيذاً لإرادة الشعب، يبقى امراً لا تحسمه قواعد القانون الدولي وحدها، مهما اتضح وجه الحق واستوى حكم القانون فيه. وقوى الاحتلال التي أقدمت على أكبر خرق للقانون الدولي، وعطلت دور اسمى منظمة دولية، لن تتردد في الإقدام على اقامة حكومة الأمر الواقع وتوطيدها دولياً، بصفتها اهم ادواتها لتحقيق اهدافها. بل انها قد شرعت فعلاً بذلك حتى قبل ان تعترف بمسؤولياتها المحدودة كقوة احتلال، متوسلة لذلك بوسائل شتى، اهمها تشبثها ببقاء الاحتلال، ثم تفاقم الاوضاع الداخلية، واخيراً احكام عزلة العراق دولياً. - التشبث بالاحتلال: من الثابت ان سقوط الحكومة العراقية الفعلي، وزوال مظاهر سيطرتها على الاقليم، كان قد رافقه، بسط قوات الاحتلال سيطرتها الفاعلة على الارض تماماً، مقترناً بقدرتها على تنفيذ قراراتها. ولا نزاع ان توافر هذه المعطيات كفيل بتقرير مسؤولية الاحتلال بالكامل، اعتباراً من التاريخ المذكور. غير ان الاحتلال عمد بقصد التنصل من مسؤولياته هذه واطالة وجوده، لسلسلة من المناورات، استهلت بتصريح رئيس الولاياتالمتحدة الاميركية في 1/5/2003 الذي انهى به العمليات العسكرية الرئيسية، بصيغة استهدفت تعليق الاوضاع وابقاء الخيارات كلياً بيد قوى الاحتلال. ثم اعقبه تصريحه يوم 8/5/2003، الذي تضمن الاعتراف بالمسؤولية كقوة احتلال ولكن في اطار محدود. والنظرة المدققة لصيغة التصريحين وما انطويا عليه من تحفظات وقيود، تكشف عن هدفهما في عدم اعلان انتهاء الحرب تترتب عليه تلقائياً آثار عامة، في مقدمها وقف العمليات العسكرية، وانهاء احتلال الاقليم وجلاء القوات المحتلة. وقد اريد بهذه الصيغ المنتقاة تغييب مسؤولية الاحتلال الشاملة من ناحية، واضفاء طابع الشرعية على استمرار وجوده من ناحية اخرى. - تفاقم الاوضاع: وبتقليص الاحتلال لمسؤولياته، اصبح تفاقم الاوضاع الداخلية عاملاً مساعداً بالنسبة إليه يتوسل به كأداة ضغط فاعلة للتعجيل بإقامة حكومة وفق ارادته. والملاحظ ان الاوضاع الامنية والانسانية لم تحرز تقدماً بعد صدور الاعتراف لقوات الاحتلال بصفتها تلك، إن لم تكن قد ازدادت تفاقماً على رغم ما قد يرتبه ذلك من تبعات قبلها، الامر الذي لا يمكن تفسيره، الا بحقيقة انها تتقبل عن رضا مسؤولياتها المادية المتواضعة بالتعويض، بأمل أن يحمل ضغط تفاقم الاوضاع، الشعب العراقي على تلمس الخلاص ولو بحكومة تقام بتدخل الاحتلال. - احكام عزلة العراق: وقد حرص الاحتلال على اتخاذ خطوات متعاقبة محسوبة لإحكام عزلة الشعب العراقي وقطع صلته بالعالم تلقياً واداءً، وشمل ذلك سبل الاتصال المعتادة ووسائل الاعلام وتقييد الانتقال وغلق الحدود، وطاول حتى المساعدات الانسانية، ثم حال بينه وبين اي قوة دولية تريد ممارسة حقها وواجبها قِبل شعب يتعرض لأقصى صور التدمير والهلاك، وتوج كل ذلك بإقامة جدار بينه وبين الاممالمتحدة لا سبيل للنفاذ منه الا بإذنه. وفي ظل هذه الاوضاع توالت التصريحات من عواصم الاحتلال وممثليها في العراق، معلنة حرصها على التعجيل بقيام حكومة طبقاً لإرادة الشعب العراقي. - نحو حكومة شرعية: والشعب العراقي يدرك أن اول ما يتطلبه قيام حكومة وفق مشيئته، هو توفير الآليات والاسباب، المفضية لضمان ذلك وفي مقدمها تقويض الجدار القائم بينه وبين الاممالمتحدة، وعدم وضع العراقيل امام المنظمة الدولية او اعاقة نهوضها بدورها في تهيئة الاسباب واتخاذ التدابير اللازمة لتمكين الشعب العراقي من اختيار حكومته، بصفتها جهة مستقلة، ذات مشيئة دولية، حرية بأن يركن لها بحكم اهليتها وجدارتها التاريخية. كما يدرك أن محاولة الانتقاص من دور المنظمة في هذا الصدد او الميل عنه او اضعافه والافتنات عليه، ليس في حقيقته سوى مدخل لإقامة حكومة تحت مظلة الاحتلال تسقط بقيامها كل مزاعم الحرص للمدعاة. والشعب العراقي يعي ان مشروعية أي حكومة، تدور وجوداً وعدماً مع ارادته الحرة، لا مع وجود الاحتلال، واعترافه بمسؤولياته أو احجامه عن الاعتراف بذلك وان هذه الارادة هي مناط اضفاء المشروعية على أي حكومة، وجعلها جديرة باعتراف الجماعة الدولية بها واحترامها لها. * باحث، رئيس الادارة القانونية في وزارة الخارجية العراقية سابقاً.