سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نظرة مستقبلية إلى العراق بآفاقه السياسية والقانونية . مشروع دستور دائم للعراق ورؤية للمرحلة الانتقالية يطرحهما المندوب السابق في الأمم المتحدة ويحذر من التركيز على الخصوصيات العرقية والطائفية لأنه يهدد الأمن العراقي و الأمن العربي
المرحلة الحالية التي يمر بها العراق من أخطر المراحل وأكثرها تعقيداً، لأنها تمهد لمستقبل قد لا يكون بالضرورة ما يتمناه. ويعود ذلك ليس فقط الى الاحتلال العسكري المباشر وعدم وضوح الرؤيا الاميركية المستقبلية ازاء العراق بل الى غياب حكومة وطنية، انتقالية في الاقل، نستطيع القيام بالواجبات التي يحتاجها الشعب العراقي للتخفيف من محنة الاحتلال. ولا نعتقد بوجود سبب مقنع لغياب مثل هذه السلطة خصوصاً أن الكوادر الادارية المؤهلة للاستمرار في عملها قادرة تماماً على القيام بواجباتها، وان الوزارات والدوائر على رغم التدمير والحرق المتعمدين اللذين لحقا بها فهناك إمكانية القيام بالحد الادنى، في ظل الدولة القائم الذي يمكن ان يكون أساساً لتطوير مستقبلي. وهيكل الدولة وكوادرها هو تراكم خبرات وعمل وقوانين منذ ولادة الدولة العراقية، وبالتالي لم نتمكن من فهم لماذا لم يتم تفعيل هذا الارث الذي لا يمكن اعتباره سلبياً، ناهيك عن المصالح الاجتماعية الكبيرة والاساسية المرتبطة بهذا الهيكل وهذا الواقع. قد يسود الاعتقاد بأن الانهيار السريع للنظام القائم وضع المحتل العسكري امام حقائق لم يكن مستعداً لها أو ان هناك موقفاً وتصوراً من جانب المحتل في أن مصلحته ولأسباب هو يعتقد بصحتها تدفعه لأن يترك هذا الموضوع كله ويهتم بأمور أخرى لها علاقة بأهدافه، ولكن، وفي كل الاحوال فانه طبقاً لقواعد القانون الدولي الانساني تقع على المحتل واجبات ومسؤوليات عليه القيام بها ومنها: 1- أمن المواطن العراقي ان عدم استتباب الامن أمر متوقع، وكان على السلطة المحتلة التهيؤ بعد الزلزال الذي أدى الى غياب مفاجئ للحكومة وخصوصاً في مفصل الشرطة والأمن وظهور عدد من الميليشيات والقوى التي فرضت واقعاً جديداً. هذا الواقع ادى الى حال من الفوضى وفقدان الامن والسرقة والسطو المسلح وأتى على عدد كبير من دوائر الدولة المختلفة من وزارات وجامعات ومخازن حكومية، وآثار ومكتبات ومخطوطات تختزن ذاكرة العراق وتاريخ العراق، يضاف الى ذلك تعرض الأمن الشخصي للمواطن الى أخطار حقيقية أصابته في حياته وفي ممتلكاته، ويبدو أن حال الفوضى والثأر ما زالت تجتاح العديد من المدن العراقية. هذه التصرفات ذات الطبيعة الاجرامية، سواء كان مخططاً لها أم لا، أثارت وتثير حالاً من الرعب تنعكس على حياة المواطنين وذلك بسبب ردود الأفعال الانفعالية وغياب الجهة المسؤولة عن الأمن، وهذا أمر يعود الى ابقاء دائرة العنف لفترات طويلة في الجو العشائري الذي يشكل طبيعة المجتمع العراقي، كما هو معروف. لقد استغلت جهات معادية هذه الحال من غياب الأمن وبعض مظاهر السرقة والسلب والنهب للتشهير بالعراقيين والنيل من سلوكهم وسمعتهم بدلاً من الاشارة الى حال الحرمان والاستلاب الاقتصادي التي عاشها هذا الشعب، سواء بسبب الحصار الاقتصادي أو السياسات الاقتصادية الآنية الخاطئة التي كان النظام السابق فرضها خلال فترة طويلة، وما ترتب على ذلك من آثار نفسية وأخلاقية في عموم المجتمع خصوصاً الفئات الفقيرة والمحرومة. وما يجدر الاشارة اليه هنا ان الدول التي تنتمي اليها القوات العسكرية المحتلة وهي الولاياتالمتحدة الاميركية وبريطانيا، وكذلك الدول التي ستشارك بقوات عسكرية بعد انتهاء الحرب، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن استتباب الأمن وعن الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي ترتبت وتترتب على غياب هذا الأمن، حالها حال الأضرار ترتبت على قصف المواقع المدنية والأحياء السكنية والمباني الرسمية غير المخصصة للأغراض العسكرية. 2- الوضع الانساني وكما هي الحال بالنسبة لغياب الأمن فقد تأثر الوضع الانساني سلباً والى حدود بعيدة جداً. فعلى رغم وجود الأموال العراقية لدى الأممالمتحدة ووجود البضائع والأدوية وبكميات كافية اذا ما تم ايصالها الى حيث الحاجة لها، الا ان ذلك لم يحدث بسبب المواقف المترددة للأمم المتحدة وأمينها العام، وكذلك بسبب موقف السلطات المحتلة التي كانت هي الاخرى لها مواقف سلبية، ويبدو كأن في الأمر قصداً مبيّتاً من جانب هذه الجهات. وكم كنا نتوقع لو ان السلطات العسكرية المحتلة كانت مهيأة تماماً لمعالجة الوضع الانساني، خصوصاً ان الحروب لا يمكن إلا ان تؤدي الى كوارث انسانية فان اهمال السلطات المحتلة لهذا الموضوع الخطير استمر حتى بعد انتهاء العملية العسكرية، على رغم الاعلانات والمواقف التي صاحبت العدوان العسكري من مسؤولين في الادارة الاميركية بأنهم اتخذوا الاحتياطات اللازمة. وهنا لا بد من أن نشير الى الموقف العربي الذي كان رد فعله متأخراً في القيام بما يمليه عليه الواجب القومي والانساني في ارسال مواد الاغاثة والأدوية، ويمكن ان يرجع ذلك الى سرعة انتهاء العمليات العسكرية، وهو أمر لم يكن متوقعاً، خصوصاً في انهيار الدفاعات العراقية. مع ذلك هناك اغاثة وصلت ابان الحرب وكذلك بعد انتهائها والشعب العراقي ينتظر المزيد من الاغاثة، ريثما تتمكن الاممالمتحدة من ايصال المواد الغذائية والدوائية من أموال الشعب العراقي. وهنا لا بد من ان نشير الى الجهد الكبير الذي بذل في الفترة الاخيرة من جانب عدد كبير من الدول العربية في ايصال المساعدات الانسانية، وأخص بالذكر منها دولة الامارات العربية وكذلك المملكة العربية السعودية، فلقد تعرفنا على جهد نوعي في موضوع تصفية المياه واقامة مستشفيات ميدانية. وهنا أوجه نداء الى جميع الدول العربية والجامعة العربية لكي تزيد من الجهد في العمل على ايصال الحاجات الاساسية، خصوصاً الدواء والمعدات الطبية والمساعدة في معالجة المرضى في المستشفيات العربية، فان ما تم في هذا الجانب ما زال يحتاج الى جهد أكبر، وأن لا يترك الشعب العراقي وحيداً في مأساته الكبيرة الآن. 3- الوحدة الوطنية مهما حاول البعض اثبات ان العراق يتكون من قوميات متعددة وأعراق وطوائف وأديان غير متجانسة وذلك لتحقيق أهداف معروفة عبر التاريخ، فان حقيقة كون العراق دولة وشعباً ذا حضارة عريقة أمر لا يمكن اخفاؤه. فما زلنا نقرأ ونسمع تأكيدات على خصوصيات عرقية وطائفية، وان حوارات وندوات عقدت لهذا الهدف في دول عدة وحتى داخل العراق، واذا نجحت هذه المساعي في تكريس طائفية بغيضة ضمن الدين الواحد وهو الاسلام وضمن طائفية دينية أوسع، واذا نجحت في اللعب على وتر الأعراق واللغات المختلفة، فان هذا يعني مؤامرة تحاك لتقسيم العراق الى دويلات تعتمد الاسس الطائفية والعرقية لتكوينها. هذا الخطر لا يهدد العراق فقط بل يهدد الأمن العربي في الصميم، كما يهدد الأمن الاقليمي ويحقق في الوقت نفسه أهدافاً وأحلافاً لدول داخل المنطقة وخارجها. ان العزف على هذه اللعبة ذات الطبيعة الاجرامية في الاهداف والوسائل لا بد أن يقابله وعي وطني ووعي عربي وأقليمي، لكن المسؤولية الاولى والاخيرة تقع على عاتق أبناء العراق الذين سيتحملون المسؤولية أو يقومون الآن بدور سياسي في البلاد. لذلك لا بد أولاً من أن يكون هناك وضوح في صورة مستقبل العراق لدى هذه الجهات التي تشارك في ادارة العراق الآن، ان تؤكد وطنيتها في توحيد العراقيين وفق صورة مستقبلية لعراق موحد سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وذلك من خلال انشاء حكومة سلطة وطنية انتقالية تستند الى الوحدة الوطنية وسيادة القانون والمساواة أمامه واعادة الحقوق كلها لأصحابها ولكن طبقاً للقانون القائم، ذلك ان النظام القانوني العراقي يستطيع ان يؤمن اعادة الحقوق لأصحابها، وفي الوقت نفسه لا بد من العمل على تطوير هذا النظام بما يتلاءم مع المستجدات والتطورات الاجتماعية والسياسية. ان اعمال سيادة القانون والمساواة أمامه تعني تفادي كارثة اجتماعية وحرب أهلية يمكن أن تنشأ بين لحظة وأخرى، ان لم تكن قد بدأت بسبب ما سمعنا من بدء عمليات ثأرية انتقامية ستقود بالضرورة الى ردود فعل مضادة، فاذا ما دخل مجتمع ما في دائرة العنف المفرغة فان الخروج منها سيكون أمراً مستحيلاً، ولذلك لا سبيل آخر أمام الشعب العراقي الا القانون وسيادة القانون والمساواة أمامه، والا فان النتائج ستكون مكلفة سياسياً واجتماعياً، وهو أمر تريده دوائر أجنبية عدة. كما أن معالجة المسألة الطائفية في العراق لا تتم من خلال تكريسها والدق على طبولها أو اظهار عكس ما هو واقع في لبس رداء التسامح الديني والطائفي في إطار الدين الواحد أو الديانات المختلفة والعمل في الوقت ذاته على اذكاء ونشر الطروحات الطائفية والأحقاد لدى أبناء طائفة واحدة ضد أخرى، على أساس من مواقف سلبية اتخذت في هذه الفترة أو تلك. ان نظرة موضوعية الى ما يمكن أن تزرعه الطائفية أو تكريس الأعراق وحتى العشائر والعائلات وبما يثير الحقد والضغينة بين أبناء الشعب الواحد المتعدد الطوائف والأعراق، لهو أخطر من الحروب التي لا بد من أن تتوقف وتنتهي إلى انتصار فئة على فئة، لكن الحروب الطائفية والعرقية والعشائرية لها نتائج كارثية على المجتمع وعلى مستقبله. عليه، نحذر شعب العراق من الوقوع في الفخ الذي ينصب له في تكريس الطائفية كما أن على الدول العربية المجاورة اقليمياً للعراق أن تنتبه إلى ما يبيت للعراق من قبل أطراف عراقية لها مصلحة في ذلك أو جهات اقليمية أجنبية لها مصالح ومطامع معروفة ولها من يمثلها. هذا التحذير يعني أن على الدول العربية خصوصاً المجاورة أن تنتبه إلى أن ما يبيت ضد العراق موجه إليها كذلك، ولذلك لا بد من حشد الجهود للتدخل لدى هذه الدول والقوى الأجنبية لمنع اللعب بالنار وهي لعبة الطائفية والعرقية. كما أن على جامعة الدول العربية أن تبذل جهداً خاصاً في هذا الاتجاه لأنها مستهدفة كذلك، وان نزع عروبة العراق يعني الكثير بالنسبة للعرب دولاً ومنظمات. لقد خلفت أوضاع الاحتلال حالاً من الوجل والخوف إضافة إلى خلق بيئة مواتية للاشاعات الخطيرة التي تروج لها جهات عدة، وتستهدف أولاً وحدة الشعب العراقي ومستقبل العراق السياسي، في محاولة لتكريس مبادئ سياسية جديدة تعمل على تقسيمه وجعله دولة فيديرالية تقوم على أساس ديني أو عرقي. وفي كل الأحوال وطبقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، فإن الولاياتالمتحدة وبريطانيا باعتبارهما الدولتين المحتلتين مسؤولتان عن أي تصدع في الوحدة الوطنية العراقية، لكونهما احتلتا هذه الدولة بالقوة العسكرية وبالحرب بعد أن كانت دولة موحدة ذات سيادة ومعترفاً بها من المجتمع الدولي والأممالمتحدة، ولذلك لا بد أن يبقى هذا البلد موحداً، ولا بد أن يتم تسلمه من القوات الغازية ومن قبل ممثلي العراق الشرعيين موحداً، وإن تجزئته جريمة يتحمل وزرها الاحتلال كما يتحمل وزرها أولئك الذين يعملون باتجاه تحقيق هذه التجزئة. 4- ثروة العراق كما نعلم ان ثروة العراق أساساً في أبنائه وفي تاريخه وحضارته وانتمائه القومي. إلا أن المعلوم أيضاً هو أن الله سبحانه وتعالى قد حبا العراق ثروات طبيعية هائلة يسيل لها لعاب العديد من الدول، وقد أصبحت هدفاً لذاتها، لذلك يجب عدم إعطاء أية فرصة لأي كان، عراقياً أو أجنبياً، أن يتصرف بها أو يستبيحها. ان الحرص على حماية هذه الثروات أساس لضمان حاضر العراق ومستقبله، لذلك يجب ان يكون أحد الأهداف المعلنة في السياسة الوطنية العراقية أن تكون ثروة العراق للعراقيين من دون أن يعني ذلك الانغلاق على الذات، انطلاقاً من الحرص على حماية هذه الثروة التي يجب أن تستغل وفق أطر قانونية واضحة لا تسمح لأية جهة باستغلالها لمصالحها الخاصة، بل يجب أن تبقى المصلحة العامة هي المعيار الوحيد لذلك، وأن تكون العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى علاقات متكافئة تكفل تحقيق المصلحة الوطنية، خصوصاً في موضوع استغلال هذه الثروات، اذ يجب أن يكون هذا الاستغلال وطنيا وفي الوقت نفسه يساعد على تنمية علاقات العراق الخارجية وفق ما تقتضي المصلحة الوطنية. كما يجب أن لا يسمح لدولة ما باحتكار التصرف بهذه الثروة وأن ينظر في هذا الخصوص نظرة بعيدة وبما يمكن أن تكون للعراق علاقات اقتصادية وسياسية واسعة يمكن الاستفادة من هذه الثروة لتطويرها. وأن يتم الاستفادة من هذه العلاقات المستقبلية والثروات الطبيعية في العراق باتجاه تقليص الديون الخارجية المترتبة عليه ان لم يكن الغاؤها، خصوصاً من قبل الدول العربية الشقيقة، ويتم التعويض عن ذلك في تنمية علاقات اقتصادية خاصة معها. 5- العلاقة مع الوطن العربي الحقيقة الأزلية التي يحاول البعض اخفاءها أو تجاوزها كونها حقيقة تاريخية طبيعية هي كون العراق جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية، وعليه فإننا نحذر من أي توجه بعمل بالضد من ذلك، بل على العكس أن توثيق علاقات التضامن والأخوة مع الدول العربية أمر في غاية الأهمية لضمان مستقبل الشعب العراقي. ان في الأمة العربية ثروة حقيقية للعراق فهو امتداد لها وضمان أكيد لمستقبلها والعكس صحيح. وفي هذا السياق لا بد للعراق أن يستعيد دوره التاريخي في جامعة الدول العربية كونه من الدول المؤسسة والعمل على تطوير هذه المنظمة بما يتناسب والدور الذي يجب أن تلعبه في عالم اليوم. وهنا لا بد من التذكير بالقضية الفلسطينية، فللعراق دوره ومواقفه التي يجب أن لا يحيد عنها في مساندة الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه، وان القضية الفلسطينية لا بد أن يكون لها مكانها الذي احتلته تماماً في أولويات العراق، فهي قضية أمة قبل أن تكون قضية قطرية بحتة. ان الوحدة العربية هدف سام آخر من أهداف العراق والخروج عليه خيانة لتاريخ الشعب العراقي وضميره، وهي ليست هدفاً عاطفياً بل هي حقيقة يجب الوصول إليها، فعصرنا هو عصر التكتلات والوحدات الكبرى ولا يمكن أن تكون للدول الصغيرة مكانة ودور إلا من خلال هذه التكتلات، فكيف بأقطار مثل الأقطار العربية وروابطها، لذا فإن التمسك بالمفاهيم والمبادئ والقيم القومية أمر ضروري لا يجوز الارتداد عنه بذريعة تغيير النظام السابق أو معاداته. ان الانتماء للأمة العربية والشعور القومي ليس ملكاً لفرد أو حاكم، انه ضمير الشعب العربي ورمزه، وأن البعد القومي للعراق يبقى ضمانة أكيدة للوحدة الوطنية، خصوصاً أن الاحتلال العسكري الأجنبي القائم حالياً والأخطار المستقبلية ستظل قائمة، فهناك اطماع إقليمية تاريخية في العراق وهناك من يساعد أن يهيئ لذلك، وعليه فإن الاحتماء بالأمة العربية أمر ساعد في أوقات عدة في تفادي هذه الأخطار، ولا بد من الإشارة الى أن الأمة العربية تعيش حال ضعف مشهودة، لذلك لم تتمكن من الوقوف إلى جانب العراق في مواجهته الأخيرة مع الولاياتالمتحدة الأميركية. المرحلة الانتقالية والدستور يمر العراق اليوم في فترة احتلال عسكري أجنبي مباشر، وأياً كانت المعطيات الحالية، وهي سلبية في جميع المعايير، إلا أن هذا الوضع غير الشرعي وغير القانوني لا يمكن أن يستمر طويلاً، وعليه لا بد من التفكير في مرحة انتقالية تتهيأ فيها الحكومة للانتقال إلى مرحلة الثبوت والدوام واستعادة الدور القانوني والسيادي في إدارتها لشؤونها الداخلية والخارجية. فالاحتلال سينتهي، طال أمده أم قصر، وأن سلطة الاحتلال لا يمكنها أن تكون سلطة دائمة ولا يمكن الاعتراف بها كحكومة، لذلك فإنها لا تستطيع أن تبقى طويلاً إلا إذا أرادت استعماراً مباشراً للعراق، وهذا أمر غير مقبول لا من الناحية السياسية ولا من الناحية القانونية إذا ما طبقنا المعايير الدولية المعترف بها. أما إذا استندنا إلى قانون القوة فأن الأمر يختلف، وهنا لا يمكن أن نتحدث إلا بلغة القوة التي تعني حقوق الشعوب غير القابلة للتصرف بالاستقلال والسيادة. وعلى أمل أن تكون قوة الاحتلال صادقة كما هو معلن في كونها جاءت لتحرير العراق وليس لاحتلاله على حد تصريحات عدد من مسؤوليها، فهذا يعني أن على العراقيين أن يتهيأوا لتسلم السلطة بعد انسحاب القوات والعمل على إجراء انتخابات حرة وديموقراطية وتشكيل حكومة وطنية طبقاً لدستور دائم ينبغي الشروع بإعداده وصياغته وعرضه على العراقيين للتصويت عليه وإقراره. المرحلة الانتقالية لم تبدأ بعد، فالعراق ما زال تحت الاحتلال، والحرب لم تنته بعد كما يقول الأميركيون على رغم كل مظاهر الدمار والخراب الذي أحدثته وغياب المقاومة المسلحة وغياب الحكومة، والبدء بالتفكير في إعادة الأمن والخدمات المدنية الأساسية والتي كان يجب أن تتم في وقت مبكر، أو على الأقل بعد توقف العمليات العسكرية، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، لماذا؟ لا أحد يعرف. في المرحلة الانتقالية لا بد من تهيئة السلطة الموقتة التي ستتسلم مقاليد الأمور. من هي هذه السلطة؟ وكيف ستتشكل؟ ومن هم قادتها؟ العلم عند السلطة المحتلة الذي يبدو أنها غير متعجلة في هذا الأمر. إلا أن هاجسنا الوطني يدعونا للتذكير بأن عناصر هذه السلطة التي يجب طبعاً أن تحظى برعاية وقبول المحتل الأجنبي إن لم تكن تخضع لإرادته وتدبيره لا بل هو الذي يقوم بتسميتها، لكن هؤلاء الأشخاص يجب أن يكون مشهوداً لهم بالأمانة والإخلاص والتاريخ النظيف وكذلك الوطنية والانتماء إلى الوطن، وأن يكونوا من المؤمنين بوحدة العراق الوطنية وفي إقامة عراق حر موحد ديموقراطي مستقل يؤمن بسيادة القانون والمساواة أمامه كما يؤمن بالحريات السياسية والمدنية لجميع العراقيين، دونما تمييز بسبب الطائفة أو العرق أو الدين أو التوجهات السياسية. كما يكون من أولويات الأهداف، وهو تحصيل حاصل، إخراج الأجنبي المحتل بكل الوسائل الممكنة من أجل انجاز الاستقلال التام والتحرر الكامل للشعب العراقي من جميع آثار الاحتلال العسكري وأي تجاوزات غير قانونية تكون قد تمت خلال فترة الاحتلال من أي جهة كانت، كونها تتعارض مع قواعد القانون الدولي الإنساني الذي ينظم عملية الاحتلال العسكري وانتهائها، إضافة إلى حماية المدنيين والأسرى وإعادة الحياة إلى حركة الدولة في جميع الميادين والمرافق. وعليه فإن هذه المرحلة التي لم تبدأ تتطلب الشعور العالي بالمسؤولية الوطنية والتاريخية من قبل من سيتولون إدارة دفة المرحلة، وهو شرف كبير لهم خصوصاً أنهم قادوا عملية التحرير وانتشال الوطن من براثن المحتل المغتصب بالوسائل السلمية، وان تعذر ذلك يكونون أول من يقود المقاومة الوطنية المشروعة لتحقيق هذا الهدف النبيل. ما نسمعه عن المرحلة الانتقالية في الاجتماعات التي تمت لتحقيق هذا الهدف يثير القلق لدينا كما يثير الخوف من ان هذه الجهات المرشحة لهذا الدور ما زالت مختلفة في رؤاها، خصوصاً في كيفية التعامل مع ملايين العراقيين الذين كانوا يعملون في دوائر الدولة المختلفة وكثير منهم ينتمون إلى حزب البعث، ممن لم تتلوث أياديهم بأية انتهاكات أو أخطاء جسيمة، والرؤيا الواضحة والسليمة والقانونية هي إحالة كل شخص انتهك قانون الدولة آنذاك إلى المحاكم ليطبق بحقه القانون، وخلاف ذلك يعني إبقاء العراق في دائرة العنف، وهذا لن يفيد أحداً ويعني أن العراق قد غير نظاماً بآخر لا يختلف عنه، وعليه فإننا نحذر انطلاقاً من حسنا الوطني وشعورنا بالمسؤولية أن يؤخذ البريء بجريرة نظام الحكم السابق أو المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة التي حصلت في ظله. العراق في حاجة إلى نوع من المصالحة الوطنية في إطار الشعور العالي بالمسؤولية التاريخية وبروح التسامح والاخاء. كما أن التمثيل الذي سيتم وفقه انتقاء المسؤولين لتولي السلطة الانتقالية يثير قلقنا هو الآخر، نحن نعتقد أن لا تمثيل لغير الوطنيين الحقيقيين والمشهود لهم. إن التمثيل الطائفي أو العرقي سيكون تقسيماً للعراق وتجزئة لوحدته الوطنية، ولذلك ينبغي الحذر من أن تنال الدول الإقليمية المجاورة حصة في هذا التمثيل لما في ذلك من مخاطر حقة. المعيار الوحيد الذي يجب اعتماده هو الوطنية والاخلاص والموضوعية. صحيح أن هذا الأمر صعب المنال في ظل الاحتلال والمطامع الاقليمية، إلا أن غير ذلك سيحمل معه بذور الفرقة وكل ما يهدد مستقبل العراق ووحدة أراضيه ووحدة شعبه. اعداد الدستور الدائم المرحلة الانتقالية لا تعني فقط تسلم مقاليد الحكومة لواجباتها في تسيير الحياة اليومية للمجتمع والنظر في احتياجاته الأساسية، بل التهيؤ للمرحلة المقبلة وهي الأهم. في البدء بتعيين جمعية تأسيسية لإعداد دستور العراق الدائم الجديد. على أن تمثل فيها شرائح المجتمع وقياداته السياسية من المؤهلين للقيام بهذا الدور المهم، وذلك لوضع مسودة دستور جديد للبلاد خلال فترة معقولة، وبما لا يزيد على سنة، خصوصاً أن العراق يمتلك من الامكانات البشرية المؤهلة ما يمكنه من الاضطلاع بهذه المهمة خلال فترة قصيرة، ومن الطبيعي أن يعتمد ذلك على إرادة قوة الاحتلال وحقيقة أهدافها. مسودة الدستور المقترح يجب أن تعطى لها عناية، خصوصاً من النواحي السياسية والاقتصادية والفكرية والقانونية ولا بد بعد الانتهاء منها أن تعرض على الشعب في استفتاء عام، على أن لا يتم ذلك في ظل الاحتلال لكي لا يكون الدستور معاباً أو مشوباً بعدم الشرعية أو المشروعية إذ لا يمكن أن يتم اعتماد دستور حر في ظل الاحتلال الأجنبي. والمبادئ والقيم الأساسية التي يقوم عليها الدستور الجديد، هي: 1- نظام الحكم في العراق جمهوري. 2- العراق جزء لا يتجزأ من الأمة العربية. 3- علاقات العراق مع جيرانه تقوم على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤونه الداخلية. 4- دين الدولة الرسمي الإسلام مع الاعتراف بالديانات الأخرى السائدة في العراق وضمان احترام شعائرها وحرية ممارستها. 5- ضمان الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. 6- يتم انتخاب رئيس الجمهورية بصورة مباشرة من الشعب لفترة لا تزيد على أربع سنوات قابلة للتجديد لولاية واحدة. 7- يتم تعيين الحكومة ورئيسها ونواب رئيس الجمهورية من بين الأعضاء المنتخبين كنواب في البرلمان أو الجمعية الوطنية أو مجلس الشورى. 8- يتم انتخاب ممثلي الشعب في البرلمان أو الجمعية الوطنية أو مجلس الشورى مباشرة من الشعب لفترة أربع سنوات، وعلى أساس مناطق انتخابية تحدد بقانون لهذا الغرض يسمى قانون الانتخابات. 9- تكون الانتخابات حرة ومباشرة، سواء على المستويات المحلية لأغراض الإدارة الذاتية أو على المستوى الوطني. 10- يقوم نظام الإدارة المحلية في العراق على مبدأ الإدارة الذاتية، على أن يتم انتخاب المجالس المحلية بموجب قانون المجالس المحلية الذي يصدر لهذا الغرض. 11- يتمتع الإقليم الكردي بالحكم الذاتي وبما يؤمن خصوصية وطموحات الشعب العراقي الكردي، وفقاً لقانون يشرع لهذا الغرض يحظى بموافقة الشعب الكردي. 12- اللغات الرسمية هي اللغة العربية، اللغة الكردية، واللغة التركمانية، ويعترف بجميع الاقليات بالحق في استخدام لغاتها الأصلية وتدريسها في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية السكان. 13- ثروات العراق ملك للشعب العراقي ولا يجوز لأحد أن يتصرف بها إلا بموجب القوانين التي تصدر لذلك، كما لا يجوز أن توضع هذه الثروات كلياً أو جزئياً تحت تصرف أي جهة أجنبية. 14- لا يجوز الانتقاص من السيادة الوطنية مطلقاً، ويترتب على ذلك عدم السماح لأي قوى أجنبية بإنشاء قواعد عسكرية لها في العراق. 15- التربية والتعليم اختصاص وطني مطلق، ولا يسمح لأي جهة أجنبية التدخل في المناهج التعليمية بهدف تغييرها أو إلغائها. 16- المواطنون جميعاً متساوون أمام القانون ويتمتعون بالحريات السياسية والمدنية العامة والخاصة بما فيها حرية الاعلام والتعبير والحق في الانتقال والسكن بحرية في جميع مناطق العراق، دونما تمييز بسبب الدين أو الطائفة أو العرق أو الانتماء السياسي. تحدد هذه الحريات طبقاً للقانون والاتفاقيات الدولية ذات الصلة 17- ضمان حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات على أن لا تكون ذات طبيعة طائفية أو عنصرية أو عشائرية، وأن يكون الانتماء إليها حراً وغير مشروط. * مندوب العراق الدائم في الأممالمتحدة.