في تطور ايجابي لافت اعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس ابو مازن ان الرئيس ياسر عرفات وافق على تشكيل قيادة وطنية موحدة تدور في فلك منظمة التحرير وتشارك في صنع القرارات. واذا ما قدر لهذه القيادة ان ترى النور في الايام او الاسابيع المقبلة، وان تشارك فعلياً في صنع القرار الفلسطيني، فإن ذلك يعني انتهاء عصر التفرد في صنع هذا القرار، والذي افتتحه "ابو مازن" شخصياً عندما تولى رئاسة اول حكومة فلسطينية وتقاسم السلطة مع الرئيس عرفات. بعد نحو عام على "اختراع" فكرة تشكيل "قيادة وطنية موحدة" تسمح للمعارضة الفلسطينية الرافضة الدخول في منطقة التحرير بالمشاركة في صنع القرار، وافق الرئيس عرفات على تشكيل هذه القيادة. وأبلغ "ابو مازن" قرار الرئيس عرفات الموافقة على تشكيل القيادة اثناء الاجتماع الذي عقده مع ممثلي 12 فصيلاً في مدينة غزة اول من امس. وأكد عدد من قياديي القوى والفصائل المنضوية تحت لواء لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والاسلامية ان "ابو مازن" ابلغهم اثناء الاجتماع الذي استمر حتى قبل منتصف ليل الثلثاء - الاربعاء قرار الرئيس، من دون تحديد موعد للبدء بتشكيل هذه القيادة. وورد ذكر "القيادة الوطنية الموحدة التي يشارك فيها الجميع وتجسد الوحدة الوطنية وتحقق جماعية القيادة والمشاركة في صنع القرار الوطني واقرار السياسة والممارسة العملية، وتعزز وحدة المرجعية ووحدة القرار والعمل والمقاومة من اجل تحقيق الاهداف الوطنية" للمرة الاولى في الوثيقة السياسية التي توصلت الى اتفاق في شأنها لجنة المتابعة العليا في آب اغسطس من العام الماضي وباتت تعرف باسم "وثيقة آب". وجاء اقتراح تشكيل مثل هذه القيادة للخروج من مأزقين، الأول رفض "حركة المقاومة الاسلامية" حماس و"حركة الجهاد الاسلامي" المشاركة في منظمة التحرير او السلطة الفلسطينية بحجة ان النسبة المعروضة عليهما في الاولى المنظمة غير كافية ولا تعبر عن حقيقة وجودها في الشارع، والثانية انها السلطة من افرازات اتفاقات اوسلو. أما المأزق الثاني الذي تحله القيادة الموحدة فهو اسناد مهمة تحديد اشكال النضال والمقاومة الى هذه القيادة، أي بمعنى ان تتكفل، في حال تشكيلها، تحديد ما إذا كان من مصلحة الشعب الفلسطيني وقف عمليات المقاومة في مناطق 48 فقط او في مناطق 48 والأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967، وفي أي وقت، وبأي شكل من اشكال النضال. وستشكل القيادة الموحدة، التي يجب أن تتألف من الامناء العامين للقوى والفصائل الوطنية والاسلامية وشخصيات وطنية واعتبارية، مخرجا مهما للفصائل المعارضة وغير المعارضة والسلطة من كثير من المآزق من ضمنها الهدنة المتوقع التوصل الى اعلان في شأنها قريباً جداً ارتباطاً بالحصول على ضمانات اميركية لوقف عمليات الاغتيال والتوغل والاجتياح وغيرها من الاعتداءات الاسرائيلية. من جانب آخر، شكك قياديون في عدد من القوى والفصائل بامكان تشكيل هذه القيادة. وأبدى هؤلاء تشاؤماً ازاء احتمالات تشكيلها استنادا الى تجارب مريرة سابقة في السياق الفلسطيني والتجربة النضالية الفلسطينية. ولمح بعض القياديين الى ان الرئيس عرفات لا يقبل بسهولة ان يشرك احد في صنع القرار الذي تفرد به طوال ثلاثة عقود. وأشار اخرون الى بعض المعيقات الداخلية والخارجية، ولفتوا الى ان من المعيقات الداخلية استمرار اعتقال الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات في احد سجون السلطة في مدينة اريحا شرق الضفة الغربية تحت حراسة اميركية وبريطانية. ويفترض بموجب "وثيقة آب" ان يكون سعدات عضوا في القيادة، في الوقت الذي اعلن قياديون في الجبهة مرارا وتكرارا ان الجبهة لن تشارك في هذه القيادة ما لم تفرج السلطة عن امينها العام المعتقل على رغم صدور قرار من المحكمة العليا الفلسطينية بالافراج عنه قبل اكثر من عام. أما المعيقات الخارجية فتتمثل في معارضة اميركية واسرائيلية على وجه الخصوص لتشكيل القيادة التي ستضم ممثلين عن حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" الأمر الذي ترفضه اسرائيل بتاتاً. الى ذلك، ناقش "ابومازن" مع ممثلي الفصائل ال12 وفي حضور الدكتور حيدر عبدالشافي الرئيس السابق للوفد الفلسطيني المفاوض الى مؤتمر مدريد للسلام ومفاوضات واشنطن مسألة الهدنة والحوار الوطني، الذي يعتبر هذا الاجتماع استئنافا عمليا له. وجاء الاجتماع وهو الاول من نوعه بعد اسبوعين من قمة العقبة التي اصبح خطاب "ابومازن" فيها عقبة على طريق تحقيق الوحدة الوطنية. وكانت "حماس" قررت قطع الحوار مع "ابو مازن" في اعقاب القمة، ورفضت لقاءه في شكل منفرد، منذ ذلك الحين. وعلمت "الحياة" ان "ابو مازن" سعى للقاء ممثلي "حماس" و"الجهاد" والجبهتين الشعبية والديموقراطية كل على انفراد، الا ان حركة "حماس" رفضت، وتمسكت بموقفها لقاء "ابو مازن" في اطار جماعي حتى يكون هناك شهود على ما يتم التوصل اليه من اتفاقات او تفاهمات. الى ذلك، قال كايد الغول عضو اللجنة المركزية ل"الشعبية" ل"الحياة" ان لجنة المتابعة ستعقد اجتماعا لها اليوم في مدينة غزة ستكرسه لاشباع فكرة تشكيل القيادة الوطنية الموحدة قبل الشروع في تشكيلها وابلاغ الموقف النهائي للجنة لرئيس الوزراء والرئيس عرفات. وأضاف الغول انه كان من المقرر ان يشارك "ابو مازن" في الاجتماع، الا ان بعض ممثلي الفصائل ابدوا اعتراضاً على ذلك، معللين موقفهم بان النقاش سيكون في اطار لجنة المتابعة، والخروج بموقف نهائي من تشكيل هذه القيادة وابلاغه الى "ابو مازن" لاحقا. وتعتبر هذه الخطوات محطات ايجابية مهمة على طريق تكريس وحدة وطنية ربما غير مسبوقة في الساحة الفلسطينية التي شقتها اتفاقات اوسلو عام 1993 الى نصفين، نصف عارض ركب التسوية السلمية، والنصف الآخر، أخذ على عاتقه مجابهتها وافشالها، من دون ان يستطيع الطرفان تحقيق اهدافهما التي رغبا في تحقيقها.