بسطت القوى التقليدية من العشائر والشخصيات السياسية المقربة من الدولة سيطرتها على البرلمان الأردني الرابع عشر بفضل الانتخابات النيابية التي أعلنت نتائجها الرسمية أمس، اذ حصل مرشحوها على 90 من مقاعد المجلس ال110، وتركوا 20 مقعداً للمعارضة الاسلامية، منها 17 ل"جبهة العمل الاسلامي" الواجهة السياسية لجماعة "الاخوان المسلمين" وثلاثة مقاعد لاسلاميين مستقلين، في تحول لم يكن مفاجئاً للحكومة التي توقعت أن تفرض البنية الاجتماعية المحافظة ايقاعها في ظل ضعف الأحزاب وسائر مؤسسات المجتمع المدني. وبلغت نسبة الاقتراع العامة 58.8 في المئة، من مجموع الناخبين المسجلين الذين بلغوا 2.3 مليون ناخب، وساهم الاقبال اللافت على المشاركة في المحافظات النائية ومناطق البدو في بلوغها هذا الرقم، وفي الوقت نفسه في فوز شيوخ القبائل ومسؤولي الدولة السابقين، على حساب المرشحين الاسلاميين، ما اعتبره مراقبون فوزاً مريحاً للحكومة وأجندتها المليئة ب193 قانوناً موقتاً بات من السهل تمريرها، فضلاً عن أنها ضمنت سلفا أن البرلمان المقبل الذي سينهمك في التشريع طيلة فترة ولايته في أربع سنوات لن يبدي كثيراً من الاهتمام بالقضايا السياسية الداخلية والخارجية. وأكد الناطق الرسمي لشؤون الانتخابات فيصل الشبول ل"الحياة" أن "نسبة المشاركة في هذه الانتخابات كانت جيدة، وفاقت مثيلتها عام 1997، إذ سجلت 54 في المئة"، مؤكداً أنها "أجريت بشفافية عالية، ولم تشهد سوى تجاوزات محدودة، كشفتها الأجهزة الأمنية، قبل أن تتحدث عنها جبهة العمل الاسلامي". وكانت "الجبهة" أشارت الى أن "الحكومة تساهلت مع عيوب شابت العملية الانتخابية، خصوصا في منح بطاقات لأشخاص لا يحقّ لهم الاقتراع، والسماح لآخرين بالإدلاء بأصواتهم أكثر من مرة، بعدما طمسوا الختم المائي الذي مُهرت به البطاقات الانتخابية" بعد المشاركة. وقال الأمين العام ل"الجبهة" حمزة منصور ل"الحياة" إن "النتائج كانت مفاجئة للغاية ... وكنا نتوقع فوز قائمة مرشحينا ال30 بأكملها، لكنّ الاجراءات الحكومية قبل يوم الاقتراع واثنائه أثرت كثيراً في حصتنا" في المجلس النيابي. لكنّ وزير الداخلية قفطان المجالي تساءل في مؤتمر صحافي أمس "أين التزوير في ظل أعداد الأصوات الكبيرة التي حصل عليها مرشحو الجبهة". مؤكدا أن السلطات "ضبطت كل محاولات التجاوز قبل حدوثها وأعلنت عنها بكل شفافية". وشارك "الاخوان المسلمون" في انتخابات 1989 وحصلوا على 22 مقعداً من مقاعد البرلمان ال80، قبل أن تنخفض حصتهم الى 16 في انتخابات 1993، ويقاطعوا الانتخابات التالية عام 1997. ورأى قياديون اسلاميون أن "فوزهم في هذه الانتخابات، وان لم يكن متوقعاً على هذا النحو، إلا أنه لا يمثل تراجعاً عن آخر مشاركة لهم في عام 1993، فقد زادت حصتهم مقعداً واحداً، على رغم القانون الانتخابي الموقت الذي لم يراع العدالة في توزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية، وفقا للكثافة السكانية". وحصل غالبية الفائزين من الاسلاميين على المراكز الأولى في دوائرهم، متقدمين بذلك على مسؤولين سابقين في الدولة وزعماء عشائر، خصوصاً في دوائر عمان السبع، وتمكنوا من تحقيق نتائج متقدمة في مناطق الشمال والوسط، ولم يفز سوى نائب واحد لهم هو بدر الريلطي في محافظات الجنوب. ولوحظ أن الإخفاق كان من نصيب الوجوه الجديدة أو المغمورة التي طرحها الاسلاميون، بينما حالف الفوز القياديين البارزين، مثل الدكتور محمد ابو فارس، وحصل على المركز الأول في دائرة عمان الخامسة، اعتماداً على بلدة صويلح، وهي احدى المناطق التي تعتبر معقلاً تقليدياً للاسلاميين، كما فاز بأعلى الأصوات الاسلامي زهير أبو الراغب في دائرة عمان الثالثة، وتصدر رئيس لجنة "مقاومة التطبيع" في النقابات المهنية علي ابو السكر قائمة الفائزين في مدينة الزرقاء، ثاني اكبر مدن المملكة، على رغم شدة التنافس العشائري فيها. أما الاسلاميون المستقلون الثلاثة الذين فازوا، فهم القيادي البارز في "الاخوان" عبدالمنعم ابو زنط الذي طردته "الجماعة" من عضويتها الشهر الماضي، بسبب خوضه الانتخابات خارج قائمتهم الحزبية، الى الوزير السابق عبدالله العكايلة، وعبدالحفيظ علاوي. وتوقع المراقبون أن تزيد كتلة المعارضة في المجلس النيابي المقبل عن 20 نائباً من "الجبهة" والاسلاميين المستقلين، بالنظر الى فوز شخصيات محسوبة على تيارات وسطية وليبرالية، مثل النائبين في المجلس السابق محمود الخرابشة ومصطفى شنيكات، ووزير الصحة السابق زهير ملحس الذي اثار قبل سنوات قضية الفساد في الغذاء والدواء المستورد للاردن، وكلفه ذلك خسارة منصبه، لكن ّ ذلك لن يمكّن المعارضة من الاقتراب من حاجز الغالبية البرلمانية في نهاية المطاف. وفي هذا السياق، أخفقت أحزاب المعارضة اليسارية والقومية التي تكتلت في "التيار الوطني الديموقراطي" في ايصال نواب الى البرلمان، اذ لم يفز أحد منها، ومُنيت قائمتها المؤلفة من 13 مرشحاً بهزيمة قاسية. في المقابل، ضمت قائمة الفائزين في الانتخابات عبدالرؤوف الروابدة وهو أول رئيس وزراء في عهد الملك عبدالله الثاني، ورئيسين سابقين لمجلس النواب هما سعد هايل السرور وعبدالهادي المجالي، والوزراء السابقين ممدوح العبادي ومفلح الرحيمي وعبدالله الجازي وهاشم الدباس وعبدالكريم الدغمي. كما ضمت عسكريين من الجنرالات المتقاعدين، مثل مدير الأمن العام السابق ظاهر الفواز، والفريق أول المتقاعد راجي حداد، واللواءين المتقاعدين فخري اسكندر واحمد الفاعوري. الى ذلك، لم تتمكن أي من المرشحات ال54 من الفوز بالمقاعد الأساسية في مجلس النواب، وقنعن بالتنافس على مقاعد "الكوتا النسائية، وتقدمتهنّ مرشحة "الجبهة" الدكتورة حياة المسيمي عن مدينة الزرقاء وسط، وفازت خمس ناشطات في العمل الاجتماعي، أربع منهن من محافظات الجنوب، هنّ فلك الجمعاني وأدب السعود وزكية الشمايلة وانصاف الخوالدة، وواحدة من محافظة اربد شمال هي ناريمان الروسان، ولم تتمكن اي من مرشحات عمان التسع من الفوز، علماً أن نظام "الكوتا" نصّ على ان "المرشحة الحاصلة على أعلى نسبة من أصوات المقترعين في دائرتها تعتبر فائزة في الانتخابات، مقارنة بالنسب في الدوائر الأخرى". ومن المقرر أن يدعو الملك مجلس النواب الى دورة استثنائية الشهر المقبل، قبل الدورة العادية التي تحين دستورياً في تشرين الأول اكتوبر المقبل، وأعلن رئيس الوزراء الأردني علي ابو الراغب أول من أمس أنه "سيضع استقالته بين يدي الملك" ليقرر استمرار عمل حكومته أو قبول استقالتها، وتشكيل حكومة جديدة.